القاضي الشيخ يوسف عمرو
القاضي الشيخ يوسف عمرو

ما بين المسيح والحسين (عليهما السّلام)

ما بين المسيح والحسين (عليهما السّلام)

القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو

المسيحيّة والإسلام من ينبوع واحد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:( قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة آل عمران، آية 95.
وقال الله تعالى في كتابه الكريم: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران، الآية 84.
وقال الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) المائدة، الآية 82.
فهذه الآيات الكريمة توضح لنا أنَّ المسيحيّة والإسلام من ينبوع واحد وهو الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك والعمل الصالح وفق الوصايا العشر التي أتى بها موسى (عليه السّلام)، والإيمان بلقاء الله تعالى يوم الدينونة والتزود لهذا اليوم بتقوى الله تعالى بالأعمال الصالحة، والكفر بالأصنام الحجريّة والأصنام البشريّة كشخصيّة النمرود ملك أشور ـ بابل الذي ادعى الألوهيّة. ودعا النّاس لعبادته. وحكم على أبينا وسيّدنا إبراهيم (عليه السّلام)، بالقتل والحرق بالنّار لأنّه كفر بألوهيته وألوهيّة الأصنام والأوثان. فجعل الله تعالى النّار عليه برداً وسلاماً. وجعله أباً وإماماً وقدوة ومثلاً أعلى للأنبياء وللأديان التوحيديّة في الأرض. وأنّ اليهود كانوا ولا زالوا أعداءُ الإسلام ورجالاته كما كانوا أعداء للسيّد المسيح ولتلامذته ولانصاره خلال القرون الماضيّة.
وخيرُ مثال على ما تقدّم هو استقبال نبيّنا مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لوفد نصارى نجران في مسجده الأوّل في المدينة المنوّرة. واسكناهم في زاوية من زواياه للتعرف على الإسلام ومعرفته عن قُرب والسماح لهم في تلك الزاوية بإداء صلاتهم الخاصّة به والسماح لهم بقرع الناقوس في تلك الزاوية وبالتالي استقبال ملك اثيوبيا والحبشة النجاشي للمهاجرين الأوائل من المسلمين في بلاده وحمايتهم من قريش. والأمثلة على ذلك كثيرة. عن احترام الإسلام للمسيحيين عبر تاريخه الطويل ويحتاج هذا إلى كتاب خاص بذلك.
[” وقد سُئلَ العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، بعد القائه محاضرة في الجامعة الامريكيّة من بعض الطلبة عن الخلاف الإسلاميّ المسيحيّ حول شخصيّة عيسى بن مريم (عليهما السّلام)؟.
فأجاب بما مضمونه:” استغرب كيف أننا نترك 60 ٪ من المفاهيم التي نتفق عليها، وننشغل بالأربعين بالمائة من المفاهيم التي نختلف حولها ( )”].
الحسين في الفكر المسيحيّ
صنّف الأديب المسيحيّ السوريّ الدكتور انطون بارا مجلداً ضخماً من 570 صفحة طُبع عدّة طبعات في الكويت وبيروت أسماه “الحسين في الفكر المسيحيّ”.
استشهد به بعشرات الكتب والقصائد والمقالات التي كتبها كبار أهل الفكر والعلم والأدب من المسيحيين في الإمام الحسين (عليه السّلام)، من الأعلام في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق ومصر في الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السّلام)، وقارن الكثير منهم بين مواقف السيّد المسيح (عليه السّلام)، من اليهود وبالتالي كيد اليهود ومؤمراتهم ضده وتحالفهم أيضاً مع الحاكم الروماني ضده. وما بين مواقف الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومكائد بني أُميّة تجاهه وتجاه والده وشقيقه الإمام الحسن (عليهم السّلام) كما قارن بين كلمات ومواقف السيّد المسيح والإمام الحسين (عليهما السّلام)، في صفحات كثيرة منها قول السيّد المسيح لتلاميذه في انجيل متى 3/6 :” روح الرّب نازل عليّ لأنّه مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء وأبلّغ المأسورين إطلاق سبيلهم واُفرّج عن المظلومين وأُعلن سُنّة مرضيّة لدى الربٍّ” ص 73.
وقول الحسين (عليه السّلام)، للنّاس:[” وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أُمّة جدي. أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب”] نفس المصدر، ص 74.وغيرها من مقارنات كثيرة أهمها تنكر تلامذة السيّد المسيح له عندما جاء الرومان للقبض عليه وبالتالي كيف لاقى وجه الله تعالى وهو عطشان.
وكذلك تنكر أهل الكوفة للإمام الحسين بعد أن أرسلوا له اثني عشر ألف كتاب يبايعونه ويطلبون منه الحضور إلى العراق حتى يكون جنوداً له!.
وموته (عليه السّلام)، قُرب الفرات وهو عطشان وغيرها من مواقف كثيرة وشريفة تُعتبر قدوة لكل حُرٍ أبي ومجاهد نقي كالإمام السيّد جمال الدين الحسنيّ الأفغاني والشيخ محمد عبده في مصر وكـ نيسلون مانديلا مُحرر شعوب جنوب أفريقيا والمهتما غاندي في الهند والإمام السيّد موسى الصدر والعلاّمة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض) في لبنان وغيرهم من الأحرار.
ونختم الحديث بما أورده الأستاذ رشاد بولس سلامة في كتابه “مآثر عليّ والإمام الحسين” حكاية عن أبيه بولس سلامة في آخر حياته (رحمه الله تعالى) إذ جاء يتفقد والده فوجد وسادته التي ينام عليها مُبتلة بالماء فسأله عن صحته وعن حرارته فأجابه بحمد الله تعالى وشكره، وأنّه في الليل كان قلقاً وذاكراً لمسيرة الحسين (عليه السّلام) في كربلاء مع بني أُميّة فبكى بُكاءً شديداً وكانت الرطوبة على الوسادة من دموعه هذه!.
وقد أرّخَّ (رحمه الله تعالى)، حزنه على الحسين (عليه السّلام)، بهذه القصيدة التي ذكرها الأستاذ رشاد بولس سلامة في كتابه “مآثر الإمام عليّ والإمام الحسين (عليهما السّلام)، حيث جاء بها:
[” ذكرتُ سِبطَ رسول الله مُشتملاً
بالصبرِ مُكتنفاً بالخانقِ الجزبِ
في منزلِ خَشنٍ جهمٍ جوانبُهُ
مؤججٍ بسعير الحقد مُلتهبِ
مُخضبٍ بدمِ الأبرار ما طَلَعتْ
شَمسٌ على مِثلهم في الطُهرِ والنسبِ
إلى أن يقول في آخر القصيدة:
بكيت حتى وسادي نشَّ في حُرَقٍ
وضجَّ في قلمي إعوالُ مُنتخبِ
أنا المسيحيُّ أبكاني الحسينُ وقد
شَرقْتُ بالدمعِ حتى كادَ يَشرقُ بي…”]( ).
ميثاق عنّايا وتاريخ بلاد جبيل
وخير ما نختم به الكلام هو عن ميثاق عنّايا الموّقع من أعيان ووجهاء بلاد جبيل في 21 أيلول 1975 م. حيث جاء بسعي وتخطيط وتشاور ما بين الإمام السيّد موسى الصدر والعميد ريمون إده ونائب الإمام الصدر آنذاك مفتي بعلبك الشيخ سليمان اليحفوفيّ ومطران بعلبك عبدالله نجيم والمحامي الكبير الأستاذ جان الحوّاط ورئيس بلدية جبيل الدكتور أنطوان الشامي والعضو البلدي الحاج محمود جعفر وغيرهم من أعيان قرى بلاد جبيل. وكان هذا الميثاق المبارك تأكيداً لتاريخ الوحدة الوطنيّة والتعايش الإسلاميّ المسيحيّ في هذه البلاد إقتداءً بسيرة الآباء والأجداد خلال القرون الماضيّة. وعلى خطى المسيح ومحمّد وعليّ والحسين (عليهم السّلام)، وبالتالي كان أوّل لُبنةٍ للسلم الأهلي وللميثاق الوطني في لبنان ورفضاً للحرب الأهليّة ونحن في يوم الحسين (عليه السّلام)، هذا في مدينة جبيل نعلن تمسكنا بهذا الميثاق وبالسلم الأهليّ الذي هو ذخيرةٌ وتراث من الاباء والأجداد والذي هو سيرتهم خلال القرون الماضيّة.

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …