في رحاب الهجرة النبوية المباركة قبسات نورانية مع الشيخ طارق اللحام
الهجرة النبوية كانت تنفيذًا للأوامر الإلهية وتثبيتاً للدعوة الاسلامية
خاص takarir.net
في رحاب الهجرة النبوية المباركة يتحدث الشيخ الدكتور طارق اللحام وهو أستاذ محاضر في الجامعة العالمية في بيروت
عن قبسات من قصة الهجرة النبوية المباركة في مقابلة خاصة مع موقع takarir.net. ويؤكد ان هذه الهجرة وما سبقها من هجرة الى الحبشة كان لها الفضل في تثبيت دعائم الاسلام وانتصار الراية المحمدية الاصيلة.
ويوضح أن الهجرة النبوية لم تكن هربًا ولا جبنًا ونبيّنا محمد أشجع خلق الله وهجرته كانت تنفيذًا للأوامر الإلهية.
السؤال الأول: لو تحدثنا فضيلة الشيخ عن الأسباب الداعية إلى الهجرة من مكة المكرّمة إلى المدينة المنورة.
الجواب: منذ بدء دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، والإيمان به أنه رسول الله، تعرّضَ سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم لحملة هوجاء من العدائية والإيذاء من قبل المشركين. فقد آذاه مشركو قريش وآذوا صحابته صلى الله عليه وسلم. ومن أشهر من آذاه امرأة أبي لهب فقد كانت شديدة الحرص على إيذائه صلى الله عليه وسلم، وأما أبو لهب فقد نزل فيه قوله تعالى: {تبّت يدا أبي لهب وتب} وذلك بعد أن قال لرسول الله لمّا جمعهم لدعوتهم للإيمان والإسلام الذي هو دين كل الأنبياء “تبًّا لك ألهذا جمعتنا”. وقد تكررت محاولات إيذائه للنبي صلى الله عليه وسلم بالكلام من شتم وتهكمّ ونحوهما وبالفعل أيضًا.
وقد آذاه عددٌ من المشركين، فمن ذلك ما حصل عند الكعبة من رجل من المشركين وضع ثوبه على عنق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وخنقه خنقًا شديدًا. وقد عانى صحابة رسول الله أيضًا لا سيما المستضعفين منهم فها هو عمّار بن ياسر تُقتَل أمه ويُقتَل أبوه ويَنالُ هو من العذاب ما يَنالُ وكل ذلك لأنه آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. وتعرض غيرُه من الصحابة لأذى المشركين.
فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة ليؤسس هناك للدعوة إلى الله فنفّذ رسول الله أمرَ الله وهاجر هو والمسلمون معه إلى المدينة المنورة.
السؤال الثاني: فضيلة الشيخ كنا نسمع أن الهجرة إلى المدينة المنورة لم تكن الهجرة الأولى بل كانت قد سبقتها هجرة، فما صحة ذلك؟
الجواب: لقد سبقت الهجرة إلى المدينة المنورة هجرتان إلى الحبشة التي يقال لها اليوم إثيوبيا، والسبب في ذلك الشدة الشديدة التي كانت على المسلمين من قِبل مشركي قريش، وقد اختار النبيّ الحبشة لأجل أن ملكها أصحمة النجاشي كان ملِكًا منصفًا لا يُظلَمُ عنده أحد كما بيّن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم “لو خرجتُم إلى الحبشة فإنّ بها ملِكًا لا يُظلَمُ عنده أحد”. وقد هدى اللهُ أصحمة النجاشي للإسلام فأسلم وحسُن إسلامه، ومات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلَّى عليه الرسول حين مات صلاةَ الغائب.
السؤال الثالث: يتكرر على سمعنا قوله تعالى: {إلَّا تنصرُوه فقدْ نصرهُ اللهُ} فما معنى هذه الآية.
الجواب: هذه الآية فيها بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد ومنصور من الله، فلو تخلّى عنه من تخلّى فقد نصره الله وأيده، فقد بدأ الدعوة وحيدًا وآمن به الأقل وحاربه الأكثرون حتى من بعض أهله، لكنَّ الله أيده وحماه ونصره، فانتشرت دعوته وسادت في المشرق والمغرب.
السؤال الرابع: نسمع أن الإمام عليًّا عليه السلام فدى سيدَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم فما الذي حصل؟
الجواب: لمّا رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له أنصار وأصحاب خارج مكة وخافوا من ازدياد أعدادهم اجتمعوا للتشاور وخَلَصُوا والعياذ بالله إلى قتله على يد عشرة رجال كل واحد منهم من قبيلة يضربونه ضربةَ رجل واحد ليضيع ويتفرّق دمُه بين القبائل، فأخبر جبريلُ عليه السلام الرسولَ صلى الله عليه وسلم بما يمكرون له، وأمرَه أن لا يبيت في فراشه، وفي الليل اجتمع المشركون حول بيته فلمّا رآهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أي طالب أن ينام مكانه وطمأَنه بأنه لن يصيبه منهم ما يكره، وأمره بأن يردّ الأمانات إلى أهلها، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنَّ الله أعمى أبصارهم عنه فلم يروه.
السؤال الخامس: نسمع كثيرًا بغار حراء وغار ثور فما الفرق بينهما؟
الجواب: غار حراء هو الغار الذي نزل فيه الوحي أول مرةٍ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد قبل نزول الوحي عليه في هذا الغار، وهذا يدلُّ على أنه كان على الإسلام منذ الصغر كإخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وأما غار ثور فهو الغار الذي دخله النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من المدينة إلى مكة، وهو الغار المراد في قوله تعالى {إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ الله معنا} فالغار غار ثور، والصاحبهنا هو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقوله {إنَّ الله معنا} أي الله معنا بالنصرة والحفظ أي الله ناصرُنا وحافظُنا. فالله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، والله لا يشبه شيئًا من خلقه، قال تعالى: {ليس كمثله شيء} أي ان الله لا يشبه شيئا من خلقه.
السؤال السادس: “طلع البدر علينا أنشودة” نشأنا على سماعها منذ الصغر لا سيما في مناسبة الهجرة فما علاقتها بالهجرة المباركة.
الجواب: لمَّا سمع الأنصار بخروج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة قاصدًا المدينة كانوا يخرجون كل يوم في الصباح ينتظرون وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف النهار رجعوا إلى بيوتهم من شدة الحرّ وبقوا على ذلك أيامًا، وفي يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة من البعثة وصل الركب المبارك فاستقبلهم الناس بفرحة غامرة، فكانت هذه الأنشودة “طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع” تصويرًا لما حدث وحكايةً لحالهم فالبدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لهم من بين التلال بعد انتظار طال فكانوا في فرح شديد يكاد لا يوصف.
السؤال السابع: فضيلة الشيخ ما هو أول مسجد بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصل المدينة.
إن أول مسجد بناه الرسول صلى الله عليه وسلم هو مسجد قباء وهو المسجد الذي أُريد بقوله تعالى: {لَمَسجدٌ أُسّسَ على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقومَ فيه} فمسجدُ قباء مسجد أسس على التقوى، والسبب في نزول هذه الآية أن أحدَ المنافقين واسمه ضرار قد بنى مسجدًا بقرب مسجد قباء وكان هدفه من ذلك شقَّ الصف بين المسلمين وإقامة الفتنة بينهم، فحذَّر اللهُ المسلمين من الصلاةِ فيه وأمر الرسولَ بهدمه قال تعالى{ والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حاربَ اللهَ ورسولَه من قبلُ وليحلفُنَّ إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنَّهم لكاذبون} فنأخذ من هذه الآية أهمية الوحدة والتعاضد والتكاتف وعدم شق الصف بين المسلمين يقول الله تبارك وتعالى {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}.
السؤال الثامن: فضيلة الشيخ بماذا تحب أن تختم هذه المقابلة؟
الجواب: هذه المناسبات الطيبة ينبغي علينا أن نحييها ونربي أولادنا على تعظيمها وإحيائها رغم الظروف التي يمرّ بها وطننا الحبيب لبنان، وينبغي أن نعلمهم جواز إحياء المناسبات الإسلامية كالهجرة المباركة والمولد النبوي الشريف والإسراء والمعراج والاحتفال بها، وهذا شيء مستحبٌ وليس محرّمًا.
ونوضح للناس أن الهجرة النبوية لم تكن هربًا ولا جبنًا ونبيّنا محمد أشجع خلق الله وهجرته كانت تنفيذًا للأوامر الإلهية.
وفي الختام نهنّئ اللبنانيين عمومًا والمسلمين خصوصًا برأس السنة الهجرية 1442، ونسال الله أن تكون باب خير يفتح على هذه البلاد.