بلاد جبيل بلاد التنوع
بلاد جبيل بلاد التنوع

رسالةٌ مفتوحةٌ لأهلي أبناءِ كسروان-الفتوح وجبيل

رسالةٌ مفتوحةٌ لأهلي أبناءِ كسروان-الفتوح وجبيل

الشيخ محمّد أحمد حيدر

فارسٌ بلا جوادٍ فارسٌ بلا فِراسةٍ

تحيّةٌ طيّبةٌ وبعدُ،
سأخبرُكم عن سرِّ مقتِنا لخطابِه الممجوجِ … .ولكن، فلتعلموا قبلَ أيِّ شيئٍ مَنْ نحن؟ .
يا سادة، نحن قومٌ نؤمنُ أنّ الداعشيّةَ توأمانِ؛ جانيةٌ دمويّةٌ حمراءُ، تقطفُ رأسَ المختلِفِ، وحانيةٌ بيضاءُ، رغمَ رقّتِها الظاهريّةِ وحنوِّها المخادعِ، فلهي أخطرُ، لأنّها تقطفُ رأسَ الاختلافِ.

يا سادة، نحن قومٌ نُمجّدُ الاختلافَ لا الخلافَ ولا التخلُّفَ، ونُمجّدُ التمايزَ لا التمييزَ، ونمجّدُ التفكيرَ لا التكفيرَ.
فالخلافُ عصفُ ريحٍ تُذَرّي الأوطانَ، والتخلّفُ مقيتٌ آسنٌ آثمٌ، والتمييزُ عنصريّةٌ رعناءُ، والتكفيرُ على غيرِ هُدًى مصادرةٌ لمشيئةِ السماءِ، وقد خاطبَنا جلَّ شانُه {لا إكراهَ في الدين…} الآيةُ 256 من سورةِ البقرةِ، وخاطبَنا تبارك وتعالى {…فمَنْ شاءَ فليؤْمِنْ ومَنْ شاءَ فليكفرْ…} الآيةُ 29 من سورةِ الكهفِ.
بَيدَ أنّ الاختلافَ شرطَ الائتلافِ ثراءٌ، والتمايزَ شرطَ استباقِ الخيراتِ رُقيٌّ، ومَنْ يُفكّرُ قلّما يُكفّرُ، والعكسُ صحيحٌ.
يا سادة، نحن قومٌ نكرزُ لعناقِ المختلفِ، فبالاختلافِ والائتلافِ يكمنُ سرُّ الولاداتِ الأولى، فلو وهبْتُم بيكاسو ألفَ دلوٍ من طلاءٍ من لونٍ واحدٍ ما اهتدى إلى لوحتِه القشيبةِ، ولو كسرْتُمُ اللونَ لونينِ لفعلَ، ولو وهبْتُمُ المتنبّيَ ألفَ ضوتٍ من طبيعةٍ واحدةٍ لما اهتدى إلى قصيدتِه البِكرِ، ولو شجَجْتُمُ الصوتَ وشطرْتُموه صوتينِ لفعلَ، فكلّما كانَ الاختلافُ عميقًا والعِناقُ وثيقًا غدَتْ رَحِمُ البنيةِ التركيبيّةِ ولودًا وأكثرَ نجابةً.
ولنحن قومٌ تعلّمْنا منَ المسيحِ ومحمّدٍ وعليٍّ، صلواتُ ربّي عليهم وعلى إبراهبمَ وآل إبراهيمَ، أنّه مَنِ استوى يوماه فهو مغبونٌ، فطفقْنا نلاحقُ حُبًّا كلَّ جديدٍ مختلِفٍ، على هدي القيمِ الأصيلةِ من دونِ توجّسٍ، نلاحقُ عطرًا لم تعهدْه زهرةٌ، وقصيدةً لم تنبتْ على شفتَي شاعرٍ، ولحنًا لم يستيقظْ على وتَرٍ.
نحن نحبُّ الحياةَ لا العيشَ المزعومَ، نحبُّها على طريقتِنا نقاءً وإخاءً وصدقًا ووفاءً…، إلى آخرِ مفرداتِ معجمِ الأنبياءِ والأولياءِ (ع).
أمّا سرُّ مقتِنا لخطابِه وليس لشخصِه، فلأنّه ما برحَ يجزمُ في خطاباتِه أنّ مشكلتَه معنا منذ أربعةَ عشرَ قرنًا، أي مع ما تسمّى بـ”الفتحِ العربيِّ الإسلاميِّ”، معتقدًا أنّنا من أبناءِ الفاتحين وأنّه من أبناءِ المفتوحةِ بلادُهم، فيا حبّذا لو سألَ والدَتَه محبوبةَ شيعةِ جبيل، ومن قبلِها أباه كذلك، عن حسبِه ونسبِه، فكما أنّنا لم نكن في ركابِ الفاتحين، لم يكن سعادتُه منَ السريان، ولئن كان ورمًا فهو قطعًا ليس منَ الأروامِ، ومَنْ ملأ جِرانَ قلبِه حقدًا وكراهيةً أنّى له مساحةً يشغلُها بالحبِّ والحوارِ؟!، خصوصًا مع مَنْ يحملُ عليهم لزعمِه أنّهم أبناءُ الفاتحين، حالَ اعتقادِه أنّه سليلُ مَنْ فُتحَتْ بلادُهم، وهذا مع كونِه اعتقادًا جائرًا ظالمًا حاقدًا غشومًا؛ فإنّه مشفوعٌ بجورِ تحميلِنا أو تحميلِه إصرَ مَنْ رحلوا!.
يا سعادةَ النائبِ السابقِ من زمنِ رستم، حينَ تتظاهرُ برفضِك لسياساتِ حزبِ اللهِ، وتشنُّ الغاراتِ عليه وعليها، فإنّك ولعدمِ كفايةِ علمِك، تمرُّ على قضايا عميقةٍ، لا تتّصلُ بحزبِ اللهِ المجاهدِ ومقاومتِه الشريفةِ والمقاومين الأبطالِ فحسبَ، بل تتّصلُ بجذرِ التشيّعِ الضاربِ في تُربةِ الإسلامِ الذي لا تنفصمُ عُراه، وتتحاملُ على أهلِ العقيدةِ، كما أنّك تتجنّى على مَنْ ينتمي إلى بيئةٍ وطنيّةٍ معطاءةٍ، صنعتْ مع رفاقِ الدربِ مجدَ لبنانَ، في ميادين البسالةِ لا في محافلِ المؤامراتِ.
نمقتُ حديثَك لأنّك عنصريٌّ، ولأنّك إقصائيٌّ واستئصاليٌّ وانعزاليٌّ، ونحن لسنا كذلك، ولا نحبُّ لك ذلك، ألا عُدْ إلى سيرةِ أمّك وأبيك وأهلِك الطيّبين، واصدُرْ عن منهجٍ منحرفٍ صلفٍ جلفٍ قاسٍ وَعِرٍ.
سعادةَ النائبِ السابقِ من زمن رستم، خطابُك لا يُشبه زهرِ روابينا، ولا زنابقَ المنحدراتِ، إنّه لا يُشبهُ ماءَ ينابيعِ الجردِ نقاءً ورقّةً، ولا يُشبهُ صخرَه صلابةً وبأسًا، بل حسبُه يُشبهُه فظاظةً وغِلظةً.
وقبلَ الختامِ، إنْ أردْتَ منَ الانتخاباتِ معركةَ نفيٍ للذاتِ والآخرِ معًا فلتكنْ مشيئةُ اللهِ كما في السماءِ كذلك على الأرضِ، ولكن فلْتعلمْ، إنْ نجحْتَ بذلك، ولن تفعلَ، لن يكونَ لك أن تخرجَ مزهوًّا بنصرٍ على الحزبِ الأكبرِ والقائدِ الأعظمِ في الساحةِ الأضعفِ، بل بالخيباتِ والحسراتِ ستظفرُ، وكما لم نكُ ممتنّين لك بخياراتِك الفكريّةِ والشخصيّةِ والانتخابيّةِ، فكذلك لن نبتهجَ لك ولأعوانِك، بل سنبتهجُ حتمًا لأصالةٍ نعهدُها في دواخِلِ مَنْ تجهلُ أصالتَهم، وستكشفُها لك الأيّامُ.
وفي الختامِ، خذْ من محيطِك أجملَه، سنعظُك بواحدةٍ فَعِ، نحن كلّما خُيِّرْنا بين الوردِ والشوكِ اخترْنا خدَّ الوردِ، فلهو من حدِّ السيفِ أفتكُ، والوردُ صنوفٌ؛ فوردةٌ خرساءُ بلا رائحةٍ، وثانيةٌ حُبلى برائحةٍ كريهةٍ لا تكنْها، وثالثةٌ إلى روعةِ القدِّ تضمُّ رائعَ عطرِ الخدِّ، فاتّعِظْ.
ولَنقطُفَنْ من وردِ القرى هذا، قلائدَ للمساجدِ والكنائسِ، ونمشي الدربَ معًا لنكونَ خبزَ الحياةِ وملحَها، من أجلِ مواطنين في وطنٍ، متساوين في الحقوقِ والواجباتِ، لننتهيَ من نظامِ الفصلِ العنصريِّ المقيتِ، فما بين الدينيَّ والمدنيِّ وهمٌ لا صراعٌ.

شاهد أيضاً

الصحافي والباحث نسيب شمس

الحريديم… والأصولية الص.هيونية

الحريديم… والأصولية الص.هيونية نسيب شمس/ مختارات من موقع “الميادين.نت” نشأت «الأصولية اليهودية» في الكيان المؤقت …