إتفاق إبراهام..نكسة عام 2020!
محمد نادر العمري/ خاص موقع فينيكس
كثيرة هي العناوين والمقاربات التي وصفت اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أي هذه المقاربات انقسمت وفقاً للدول والقوى الفاعلة المنقسمة أساساً مابين محورين متناقضين في المواقف والاصطفافات والاتجاهات السياسية.
فالمحور الأول: هو ما يوصف بالمحور المعتدل والذي يرى إنه لايوجد أي سبب ديني لعدم وجود “إسرائيل” بالمنطقة ووجودها هو طبيعي ولابد من إقامة العلاقات معها وفق تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 2018 لمجلة (ذي اتلانتيك)، وهذا المحور “اعتبر الاتفاق بأنه تاريخي ويمهد لمرحلة استقرار وإزدهار في المنطقة”.
في حين أن المحور الآخر الرافض لأي علاقات مع الكيان الإسرائيلي والرافض للتطبيع معها اعتبر أن الاتفاق “خيانة وخذلان” من قبل النظام الخليجي عموماً والذي يساعد في تقديم الهدايا المجانية للرئيس الاميركي دونالد ترامب ومن خلفه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في حين أن هذا الاتفاق وبالتوصيف والمقاربة الأدق والبعيدة عن التجاذبات السياسية يمثل الاتفاق “نكبة” جديدة لتاريخ النظام السياسي العربي المعاصر والذي يمكن وصفه بالنظام المهترئ المتخاذل، ويمثل نكبة جديدة لفلسطين وشعبها وللقضايا المنطقة.
وبخاصة في حالة التطرق لأهم النقاط التي يمكن ملاحظتها في اتفاق “ابراهام” الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي وأكدته كل من الإمارات والكيان الإسرائيلي:
١. رغبة الرئيس الأمريكي في تحسين تموضعه قبل الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني من خلال استرضاء اللوبي الإسرائيلي من جهة، ومن جهة ثانية إطلاق اسم “ابراهام” وهو الرئيس الأمريكي السادس عشر والأول من الحزب الجمهوري والذي يعتبر من الآباء المؤسسين لاميركا وكان الرئيس الذي حافظ على حالة الاتحاد وألغى نظام العبودية العنصرية وهي الهدف الثاني لترامب هو استرضاء الشارع الأمريكي الغاضب من العنصرية
الأمريكية فضلاً عن تداعيات كورونا وآثارها الاقتصادية المتردية، ورغبة إدارة ترامب من توجيه الراي العام العالم والداخلي للنتائج التي توصلتها روسيا في إنتاج لقاح كورونا والذي كان ترامب يمني النفس في احتكاره.
٢. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو من أكثر المستفيدين من هذا الاتفاق في ظل تنامي الغضب بين المستوطنين الإسرائيلين الذين طالبوا بقتله وتحميله مسؤولية تراجع الوضع الاقتصادي الناجمة عن كورونا، وهذا الاتفاق أيضاً يحسن من تموضعه في المشهد السياسي المنقسم والذي من المحتمل أن يقود لانتخابات تشريعية رابعة في ظل عدم التوافق مع نده الحكومي “بني غانتس”، وهذه الخطوة بحد ذاتها تثبت زعامته لليكود وتقدمه كشخصية تاريخية مؤثرة في الكيان الإسرائيلي.
٣. الاتفاق لايلغي الضم بل يؤجله فقط، فالتجميد هو قرار مؤقت، وبالتالي الذريعة التي تحدث عنها الإمارات بأن الاتفاق جاء لوقف الضم غير صحيحة، لأنه من المؤكد ان ترامب ونتنياهو يريدان في هذا التوقيت ضمان تفردهما بالسلطة مرة جديدة وسيعاودان استكمال صفقة القرن مابعد ذلك، فضلاً عن أن تجميد قرار الضم لم يكن نتيجة هذا الاتفاق او غيره بل نتيجة خشية واشنطن وتل أبيب من ردة فعل محور المقاومة.
٤. الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي هو اتفاق الثالث بين دول عربية والكيان الإسرائيلي، والأول خليجياً وهو يمهد لإتفاقات متلاحقة في دول خليجية وغيرها، وهو مادفع وزير الخارجية الإسرائيلي “غابي اشكنازي” لاعتبار الاتفاق بأنه يشكل ممراً أمام اتفاقات مع دول أخرة، ومن المحتمل أن تكون البحرين هي الدول الثانية وقد تكون بوقت قريب جداً وبشكل يخدم السياساة الداخلية لترامب ونتنياهو في كسب الانتخابات ومواجهة الخصوم السياسيين، وبما يخدم تطبيق “صفقة القرن” والتي تتطلب تطبيع سياسي خليجي إسرائيلي.
٥. هذا الاتفاق سيزيد من تأزم الوضع بين دول الخليج وكذلك إيران ومحور المقاومة، فوصف وزير الأمن ورئيس الحكومة البديل “بني غانتس” بأن الاتفاق يعبر ((عن الحلف بين دول المنطقة المعنية بالإزهار والاستقرار )) هو جزء من مقاربة قسمها الآخر هو لمواجهة دول محور المقاومة التي توصف من قبل أميركا وإسرائيل بأنها محور الشر والتخريب في المنطقة.
٦. هذا الاتفاق هو ليس بجديد فالعلاقات السياحية والتجارية والرياضية والأمنية والزيارات المتبادلة قائمة مابين إسرائيل وكل دول الخليج، فمحمد بن زايد هو الذي قدم نصيحة لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عام 2015 بأن أقرب طريق باتجاه البيت الابيض وكسب ثقتهم ودعمهم يكون عبر تل أبيب، كما أن السفير الإماراتي في أميركا “يوسف العتيبة” نشر في حزيران الماضي وعبر صحيفة (ايديعوت احرنوت) مقالاً يؤكد من خلالها ((وجود إمكانات ضخمة لعلاقات أكثر دفئاً وتطوراً بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والامارات في حال تراجع الاولى عن قرار الضم)).
٧. عراب هذا الاتفاق هو رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي الملياردير “حاييم صبان” وهو الصديق المشترك لكل من صهر ترامب جاريد كوشنر وولي العد محمد بن زايد.
٨. لن يكون هذا الاتفاق هو الأخير وليس فقط في دول الخليج، بل هناك من يؤيد هذه العلاقات في العراق ولبنان وسوريا، فزيارة ثلاث وفود حزبية عراقية للكيان الإسرائيلي عام 2018 – حسب إعلان الخارجية الإسرائيلية- جاء بطلب من السعودية ويأت في إطار التعاون لاستهداف التواجد الإيراني، كما أن القوى والأحزاب اللبنانية التي توظف أي تطور سياسي أو اقتصادي أو أمني لقطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود معها، هم من أشد المؤيدين لفتح الحدود مع فلسطين المحتلة، أما في سوريا فهناك قسد التي استقبلت عدد من الوفود الإسرائيلي وهناك من يسمي نفسه بالمعارضة قدموا وعوداً لإسرائيل بالتطبيع مقابل تقديم المساعدة لهم، وهو ما يفسر إلتزام القيادة السورية في كل مناسبة وكان آخرها رسالة الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية الثالثة بأن فلسطين “باقية في قلب دمشق”.