خاص موقع تقارير. نت
منذ مطلع القرن الماضي ولبنان يتصدر الدول العربية في الطباعة والنشر حتى قال الاديب والمفكر المصري طه حسين عن النهضة اللبنانية وكثرة دور النشر والمطابع، ان :”القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ”. ومنذ خمسينيات القرن نفسه ولبنان يعيش طفرة ونهضة في الصحافة المكتوبة وجعلت من بيروت عاصمة الصحافة والعربية وكانت مقر الثورات والتحرر والنضال من اجل فلسطين والنهضات العمالية والشعبية ومناهضة العدو الصهيوني والتصدي له ومناصرة “الثورة الناصرية” وزعيمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومساندة الثورة الفلسطينية والمد الشيوعي والاشتراكي وصولاً الى دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية والاسلامية والثورة الاسلامية في ايران. كما شهدت بيروت ومقاهيها على لقاء عمالقة الشعر والكتابة والصحافة والادب العربي واللبناني.
فما حدث لتصبح بيروت وصحفها عنوان ازمة قطاع بأمه وابيه وازمة صحف ورقية تنازع وتتبع احداها الاخرى نحو الاغلاق الكامل ووقف الصدور؟
فهل هي ازمة صحافة ورقية ام ازمة مهنة صحافة؟ وهل هي محصورة بالكتاب والجريدة والمجلة ام انها ازمة اعلام بكل وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة؟ كما ان هناك سؤالاً جوهرياً وكبيراً وهو: هل فقدت الصحافة اللبنانية دورها التاريخي والعروبي والاستراتيجي العربي؟
الازمة في وقف التمويل الاعلاني والسياسي و”المأزق” يطال الورقي والمرئي والمسموع
ازمة تمويل وإعلان
الاجوبة في كل الاسئلة كلها الواردة اعلاه ولكن المؤكد ان الازمة الاولى هي ازمة تمويل وازمة اعلان تجاري. فمعروف ان الصحف الورقية في لبنان تعتمد في موازاناتها على الاعلانات الرسمية والقضائية التابعة للقطاع العام وهي تمول من الدولة وتتقاضى الصحف بدلاً مادياً عن نشرها من وزارة الاعلام عبر عقود تنظمها. اما الاعلان التجاري والوفيات واعلانات التوظيفات والمناقصات الخاصة فهي تؤمن مورداً لا بأس به كان يمد الصحيفة بالاموال. وفي اسباب توقف هذا التمويل تؤكد الاحصاءات ان وقف سوق الاعلانات التجارية مرتبط بالاوضاع الاقتصادية في لبنان وفي منطقة الخليج العربي اذ تحولت الاعلانات الى صحف ومؤسسات في بلد المنشأ اي اصبح لكل دولة عربية وخليجية اعلامها وصحفها وقنواتها التلفزيونية ولم تعد تحتاج الى السوق اللبنانية والصحف لنشر اعلاناتها يضاف اليها الازمة المالية العالمية التي ضربت العالم والخليج في العام 2008.
اعلام ترويجي
بالاضافة الى الاعلان وماله، استفادت الصحف اللبنانية وطيلة القرن الماضي من تمويل سياسي كان يأتي من دول عربية وخليجية عدة وكان هدفها الترويج لحزب وفكر ورئيس دولة ونظام ما ولكن مع حلول العام 2011 وبدء مرحلة ما سمي بـ”الربيع” العربي حيث تلاشت انظمة عدة وتنحى زعماء بعض الدول والآخر إما نفي او قتل او حوكم. في المحصلة فقدت بعض الصحف اللبنانية مصادر تمويلها السياسي الخارجي كما فقدت دورها في ان تكون منصة للترويج لهذا الزعيم او الدولة.
توقف المال الاعلاني والسياسي لم يضرب الصحف فقط لكنه امتد ليشمل قنوات التلفزة اللبنانية الخاصة التي كانت تتلقى مالاً من الاعلان التجاري ودعم سياسي مشروط من جهات خارجية.
لذلك تعيش معظم قنوات التلفزة المحلية ازمة تمويل على غرار الصحف التي وجدت اسلم الطرق في تخفيف خسائرها هو الاغلاق والحفاظ على رأس اموال اصحابها من دون الاهتمام باموال الموظفين المصروفين بحكم الاغلاق اوالتوقف عن الصدور وهو يجعلهم بلا حقوق وتعويضات وعاطلين عن العمل.
واللافت ان محطات التلفزة استطاعت الصمود وايجاد مصادر دخل اخرى فيما اختارت ادارات الصحف الاغلاق لوقف الاستنزاف وربما التوجه نحو قطاعات اخرى.
ازمة مضمون
ويؤكد مختصون ان ازمة الصحافة الورقية في لبنان هي ازمة مضمون او مادة صحافية حيث ان الصحف في معظمها التحقت بالاعلام الالكتروني متاخرة عن باقي دول العالم حيث الثورة التكنولوجية والرقمية كما لم تواكب العصرنة بجيل صحافي شاب ومتمرس. وبعضهم يقول ان الاعلام الالكتروني لا يجب ان يلغي الصحيفة ودورها ولكن كلفة الورق والاصدار والتشغيل والتوظيف اكبر من الاعلام الالكتروني. فإذا كانت الصحيفة تحتاج الى كادر من 100 موظف فإن الموقع الالكتروني لا يحتاج الى اكثر من 20 موظفاً ومحرراً وتقنياً.
منافسة الكترونية
ويطرح اغلاق الصحف الورقية بسبب عدم وجود قراء ومتابعين ومشتركين في العدد المطبوع واستسهالهم اللجوء الى الانترنت لقراءة العدد ومواد الصحيفة، مشكلة امام الموقع الالكتروني الذي صحيح انه أخذ مكان الصحيفة الورقية في لبنان وخصوصاً التي اغلقت منها لكنه يعاني بدوره من ازمة مضمون اذ يؤكد المختصون في الاعلام ان معظم المواقع اللبنانية تنقل عن بعضها البعض مواداً ومحتويات صحافية من دون التحقق من محتواها او احترام للملكية الفكرية لاصحابها بينما تقوم بعض المواقع بعمل صحافي جاد وتوظف مختصين.
في المحصلة يؤكد معنيون بقطاع الاعلام ان خلال عامين كحد اقصى سيكون لبنان بلا صحف مكتوبة وستغلق المتبقية منها اذا لم تتعاون الدولة والقطاع الخاص في ايجاد تشريعات جديدة وابواب تمويل جديدة وان يعاد تعريف دور الصحافة ومهامها ووظيفتها فالمشكلة في التمويل في قطاع الصحافة الورقي وليس في الصحافيين او في مهنة الاعلام والصحافة بشكل عام.