الشيخ عبد القادر فاكهاني
الشيخ عبد القادر فاكهاني

يأكلون أُُسُودَهُم فتأكلُهم كلابُ أعدائهم

يأكلون أُُسُودَهُم فتأكلُهم كلابُ أعدائهم

الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”

تأملات في واقع الحياة…

يراودُني منذ فترةٍ وجيزة احتمالٌ يكاد يرقى إلى مستوى اليقينِ أن البشريةَ مقبلةٌ بعد حينٍ من الزمانِ غيرِ بعيدٍ على متغيراتٍ كبرى في مسارها ومصيرها الوجودي بعد سنواتٍ طويلةٍ عِجافٍ من القحط… لقد ظهرت علاماتٌ واضحةٌ ومؤشراتٌ كبرى طيلةَ عقودٍ من الزمن الغابر، شهِدنا بعضَها وشهِدَ مَن قَبلَنا بعضَها الآخر، على مدى الانحدارِ الذي أوصلتنا إليه شعاراتٌ زيّنتِ الباطلَ وسفّهت الحق، وجمّلتِ القبيحَ وقبّحت الجميل، ومدى الهبوطِ الحادِّ في تزييفِ المعاييرِ القويمةِ والمفاهيمِ السديدة… والقحطُ المرادُ هنا ليس قحطًا في التقدم العلمي والصناعي والعلمي والتكنولوجي… إنما هو قحطٌ في الأخلاقِ والمفاهيمِ الرشيدة…

في الماضي كان أجدادُنا يركبون الحميرَ والخيول… بعضُهم يطوي مسافاتٍ طويلةً طلبًا لعلمٍ نافعٍ أو تجارةٍ شريفةٍ أو قضاءِ حاجةِ معسرٍ أو تفريجِ هَمِّ مَكْلُوم.. أما اليوم فكثيرونَ يركبون الطائراتِ سعيًا نحو ليالٍ حمراءَ وطاولاتِ قمارٍ وحبكِ مؤامراتٍ ضد أبرياء…

لا أقولُ إن كلَّ الماضي كان جميلًا وإن كلَّ الحاضرِ سَيِّئٌ… بل أقولُ إنه في الماضي كانت الأخلاقُ أسمى وأرفع، والرجولةُ فعلَ شهامةٍ لا كلامَ تبجح، ووعدَ صدقٍ لا يزعزعُه إغراء، وكانت البطولةُ في التقوى لا في الفجور، وكانت الأنوثةُ في الخَفر والحياء لا في السفور، وكان الصدقُ ملحَ الرجال… رجالٌ رجالٌ واحِدُهُم بألف… ونساءٌ نساءٌ أقمارٌ في الخُلق والأدب…

في هذا الماضي كان غدرٌ وخداعٌ وخيانةٌ وفجورٌ وسوءُ خلق ولكنها كانت تسمى بأسمائها، وإن زُينت بألوانٍ برّاقة فسرعان ما تزولُ في الغالبِ تلك الألوان… وفي عصرِنا يُسمّى عند الكثيرين الطيبُ أحمقَ والشريفةُ بلهاءَ والصادقُ غبيًا… تغيرتِ الأسماءُ والتسمياتُ وزُيّفتِ المفاهيمُ والحقائق… في عصرِنا يحلِفون كاذبين وأياديهم على شواربِهم التي تكادُ تحطُّ عليها الحمائم… في عصرِنا يُزوِّرون المستنداتِ لإلحاقِ بضعةِ أمتار من أرضٍ بحقولٍ واسعةٍ تسرحُ فيها الخيول… في عصرِنا يأكلُ الآباءُ الحصرمَ والأبناءُ يضرسون… في عصرِنا يتقاتلُ إخوةٌ على ميراثٍ قبل قراءةِ الفاتحة أو قبل أن يُوارى ميتُهم الثرى… في عصرِنا يرمي أبناءٌ آباءَهم في المأوى انصياعًا لرغباتِ زوجاتٍ متحكمات… في عصرِنا يضربُ رجالٌ زوجاتِهم من أجلِ مذاقِ طعامٍ أو كيِّ ثيابٍ أو شربةِ ماء…

وفي عصرِنا يأكل البعضُ أُُسُودَهُم فتأكلُهُم كلابُ أعدائهم…

لم يكن كلُّ الماضي ورديًا مشرقًا… ولكنْ حبذا لو نرجِعُ إلى ما كان مشرقًا فيه…

 

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …