مشكلة ارتفاع الأسعار في سوريا… ما الأسباب؟
كتب الدكتور كنان ياغي/موقع فينكس
…………………………………………………
لقد دفع فايروس كورونا بالاقتصاد العالميّ إلى حافة كساد كبير، يُشبه في حدّته الكساد الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك في ضوء التراجع الكبير في القطاعات الاقتصادية والمالية كافةً والارتفاع الكبير في معدلات البطالة، إذ أصابت تأثيراته السلبية أسواق النفط والعملات، وحتى السّلع الأساسية انخفضت أسعارها بشكل كبير، في ظل أزمة مركّبة صحية ومادية ومالية وضعت قيوداً طوعية أو قسرية على الحركة والإنتاج والتوزيع والنقل، الأمر الذي سيعقّد طرق وأدوات الخروج منها.
كلّ ذلك زاد من مخاوف المستثمرين، الأمر الذي دفع بهم نحو الاستثمار في الملاذات الآمنة ويأتي في مقدّمتها كلّ من المعادن الثمينة (الذهب والفضة) والدولار الأمريكي والين الياباني، وبالتالي عصفت هذه الأزمة بالكثير من العملات العالمية كالريال البرازيلي والروبل الروسي والليرة التركية وغيرها. كما تأثرت الليرة السورية سلباً بالأزمة الحالية الناجمة عن أزمة فايروس كورونا، فازداد الطين بِلّة بالنسبة للاقتصاد السوري –والذي يعاني أساساً من ضغوط اقتصادية كبيرة نتيجةً للحرب التي دخلت عامها العاشر– إضافة للإجراءات القسرية أحادية الجانب التي فرضتها الدول الغربية على البلاد وآخرها قانون سيزر الأمريكي. وفيما يأتي جدول يبين أكثر العملات تأثراً بالأزمة الحالية والتي يبدو فيها أن سعر صرف الليرة السورية رغم تراجعه كان في حال أفضل من الكثير من الاقتصادات التي لا تعاني من حرب أو تُصنّف ضمن الاقتصاديات العالمية القوية.
التسلسل العملة نسبة تراجع سعر الصرف
1- الليرة اللبنانية 75%
2- ريال برازيلي 29.80%
3- بيزو مكسيكي 28.50%
4- الروبل الروسي 25.90%
5- الراند – جنوب أفريقيا 21.50%
6 – بيزو الأروغوي 18%
7- الليرة السورية 19.90%
8 – الدولار الأسترالي 13%
9- الليرة التركية 10.90%
10- الدرهم الإماراتي 10.90%
11- الدرهم المغربي 7.50%
12- الدولار النيوزلندي 6.50%
13- الجنيه الاسترليني 6.13%
14- الدينار الجزائري 5.80%
ومن جهة أخرى، إذا كان المتهم الرئيس في ارتفاع الأسعار هو تراجع سعر صرف الليرة السورية بإزاء الدولار الأمريكي، فإننا نبين هنا بأن نسبة تراجع سعر صرف الليرة في السوق السوداء منذ بداية أزمة الفايروس وحتى الآن هي بحدود 20% تقريباً (تراجع من 1070 ليرة إلى نحو 1275 ليرة) ولكن الذي حدث هو ارتفاع جنوني في أسعار المنتجات الغذائية الرئيسة (سكر – رز – برغل – معلبات….. وغيرها) بنسب تراوحت بين 50 و100% وحدث ذلك في الأمدِ نفسه الذي انخفض فيه سعر الصرف بالنسبة المذكورة. وبالتالي إذا كان سعر الصرف هو المتّهم، فمن المفترض أن ترتفع الأسعار بالنسبةِ نفسها (20%). مع العلم أن مصرف سورية المركزي ما يزال يموّل مستوردات السورية للتجارة كافةً بسعر صرف مدعوم وهو438 ليرة سورية، في حين يموّل مستوردات التجّار من السلع الأساسية بسعر 704 ليرة. وبالتالي لا مبرر للجهتين في تسعير منتجاتهما وفق سعر الصرف في السوق السوداء. (مع علمنا بأن التمويل من المركزي قد يكون جزئياً إضافة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، ولكن في الحقيقة هذه الأسباب لم تتغيّر قبل أزمة كورونا ولا بعدها).
وبالتالي ما الذي يبرّر ويفسر هذا الارتفاع غير المنطقيّ في الأسعار سوى جشع التجار ورغبتهم في استغلال الأزمة لتحقيق أرباح غير عادلة، ووجود حلقات إضافية من السماسرة والمنتفعين، في حين تتسابق الأمم والقطاع الخاص في الدول البرجوازية والإمبريالية (حسب تعبيرهم) إلى تخفيض أسعار السلع الأساسية إسهاماً منهم في تخفيف عبء الأزمة عن جميع المواطنين. يبين الشكل البياني في المرفق مع النص تراجع أسعار السلع الأساسية في كلّ من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، وهي دولٌ تعاني من انتشار الفايروس بشكل مضاعف بعشرات المرات عن الوضع في سورية.
وأخيراً لابد من العمل على إعادة الدور الحقيقي لمؤسسة السورية للتجارة كذراع حقيقي للحكومة في التدخل الايجابي في الأسواق وخاصة في حالة الأزمات. وأن يكون هناك عقوبات صارمة وحقيقية للمتلاعبين بالأسعار لتكون رادعاً لهم في تحقيق ثروات على حساب المواطنين، إذ ثبت بالتجربة أن اللين والمشاركة والتعويل على فئة كبيرة من التجار هو خيار غير صائب.