الحراتيق والجزار وإنتصار العدو بحكم القضاء العسكري!
المحامي رفيق غريزي
كم يوم مر ونحن نلازم منازلنا؟
ماذا فعلنا في بهذه الأيام؟
هل نشعر بالملل؟
هل ضاقت بنا الدنيا؟
ما هي الأفكار التي راودتنا، أو التي تراودنا؟
هل تذكرنا شيئا؟
هل استعدنا شعورا قديما؟
هل مررنا بمثل ما نمر به اليوم؟
حقيقة، هناك ما دفعني الى سكب ما يخالجني على حين غرة، بخاطرتي هذه.
أتلمس غضب الناس وهي تتلقى خبر الجزار!
في هذه اللحظة بالذات، كنت أراقب ابني وهو يلعب ببعض “الحراتيق”.
هو صغير جدا، ولا أفهم ما هي هذه اللعبة التي يلعبها، وكيف يقسم الأدوار، وأي من هذه “الحراتيق” هو بطل الحرب أو بطل روايته الخيالية.
ولكن، تزامنا مع خبر الجزار، رحت أراقب حركات طفلي الصغير وأتكهن ماذا يدور في خاطره.
لم أستطع، لأنه صغير جدا، أصغر من العمر الذي أتذكر فيه ذكرياتي مع “الحراتيق”
وبالمناسبة، تذكرت.
نعم الجزار، وابني والحراتيق أعادوا الي بعضا من الذكريات.
لقد مررنا بفترة الحجر القسري من قبل، ليس لدواعي الوقاية من الوباء، بل لدواعي الحرب..
لقد تذكرت حرب 1996، وعناقيد الغضب وقانا.
كنت أبلغ من العمر 9 سنوات.
لقد كانت الحرب في الجنوب، وكنا نقيم في بيروت، لكن الشعب اللبناني بأسره كان ملازماً لبيوته حول نشرات الأخبار، مراقبين عداد الشهداء والجرحى والأطفال، أطفال قانا يتزايدون.
وأتذكر أنني منعت في حينه من النزول إلى الحي للعب.
واستعضت عن ذلك باللعب على الشرفة بـ”الحراتيق” وهي كانت ملاقط الغسيل.
ومن وحي الحرب، كانت مقسمة إلى لونين، لو يرمز إلى لبنان، ولون يرمز إلى العدو الصهيوني.
وكنت ألعب لعبة الحرب، وينتصر لبنان في نهاية المطاف.
وبين الحين والحين، تنقطع مراحل اللعبة، بأغنية أناديكم، تعلو من مواكب السيارات التي تجول في المدينة.
أقف متفاعلا مع تلك الأغنية التي هزت الضمائر والوجدان.
وبعدها أعود لأكمل الحرب، والتي تنتهي بانتصار لبنان على أعداءه.
وأعود لأراقب عداد الشهداء، وبعدها أعاود اللعبة من جديد.
اليوم، حكم الجزار، ذكرني بلعبتي.
تحرك وجداني.
اما القضاة الذين سطروا قرارهم، فهم يكبرونني سنا، أتعجب، هل لا زالت قانا حية في ذاكرتهم؟!
لربما لعبوا لعبتي، بالملاقط.
ولكنهم اختاروا اللون الأزرق.
وبحكمهم، انتصر العدو في لعبتي التي ابتدعتها أنا.
إنتصر العدو بحكم القضاء العسكري!