وترجَّل حكيم الكويت وكلمتها الحرة
سعاد فهد المعجل/ القبس الكويتية
جاء مساء السادس من مارس لعام 2022 غير كل المساءات، مساء ثقيل مُلبّد بظلمة الفَقْد والغياب، في ذلك المساء ترجّل حكيم الكويت وفارسها وكلمة الحق ومنبر الحكمة والعدالة. هكذا رحل والدي الروحي الدكتور أحمد الخطيب مخلّفًا وراءه إرثًا تعجز الكلمات عن حصره وسرده، وغصّة تحتار كلمات الرثاء في إطلاقها.
تاريخ الدكتور الخطيب السياسي معلوم ومعروف ومدوّن لمن يريد التبحّر في إرث هذه القامة الكويتية العروبية، فهو السياسي القومي العربي، وأول طبيب كويتي يفتح قلبه قبل عيادته للجميع ومن دون استثناء، أسّس مع رفاقه اثناء دراسته في لبنان حركة القوميين العرب، وحَل نائباً كرئيس للمجلس التشريعي الكويتي، كوّن شبكة من العلاقات شكّلت حلقة ربطت الكويت بمحيطها العروبي، عاصر وصادق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وزامل أبو الدستور الكويتي المغفور له الشيخ عبدالله السالم، وارتبط عروبيًا وقوميًا بأكثر من مؤسسة نضالية دافعت ودعَمَت كل القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ذلك كان الجانب المُعلَن من مسيرة فقيد الكويت والأمة العربية الدكتور أحمد الخطيب، لكن البعض قد يغيب عنه الجانب الإنساني الذي عَمّدَ الراحل كإنسان قبل أن يكون طبيباً أو سياسياً، وهو الذي كان دائماً ما يُردّد أن الطبيب إن لم يكن إنساناً أولاً فهو ليس بطبيب.
في ديوانه الشهير في مقر جريدة الطليعة كان للجميع حظوة من انتباه واهتمام الدكتور، كان للشباب منزلة لا تَتَغيّر عن منزلة المخضرمين من أهل السياسة الذين دأبوا على التوافد على مجلسه من كل دول العالم العربي.
مُستمع جيد لكل رأي ولكل كلمة، بغض النظر عن مرتبة أو عمر قائلها، كان للجميع في مجلس الدكتور دور ومنزلة ومكانة، لم يُفرّق فيها يوماً بين صغير أو حديث عهد بالشأن السياسي وبين مُتَمرّس مُخَضرم، سناً وتجربة، كانت حلقة الحوار مفتوحة لكل الآراء ولجميع الرؤى وبشكل جعل من مجلس الدكتور أحمد برلمانًا مُصغّرًا يعكس طبيعة المناخ السياسي والفكري والاجتماعي في الكويت.
لم يُجمِع الكويتيون يوماً على شخص كما أجمعوا على محبة واحترام الدكتور أحمد الخطيب، كانت شجاعته وصراحته وصدقه ووطنيته مَبعَث إلهام لكل مريديه وجميع حضور مجلسه، بلاغته وأفقه المعرفي ومطالعته ومتابعته للشأن السياسي العربي والكويتي والعالمي جعلته أقرب للمرجع الشفاف والنقي والصادق، مرجع لطالما استعان به المفكرون وأصحاب الرأي والعامة من الناس وصنّاع الحدَث.
الوجود في مجلس الدكتور كان بمنزلة الحضور في عدّة أزمنة من التاريخ، والحوار معه كان أقرب الى رؤية الاحداث التاريخية عن قرب وبمنظار محايد وطني شجاع وصادق.
لم تفقد الكويت رمزاً وعلماً وقامة من رموزها ورجالها فحسب، بل فقدت إنساناً وقلباً كبيراً هام بحب الكويت والعرب جميعًا. لم تفقد الكويت حكيمها وحسب، بل فقدت نفسًا طاهرة وقلبًا صادقًا وضميرًا لم تَشُبه يوماً واحداً شائبة، ومَن مثله لا شك يستحق أن يكون خالداً بما خلّف من إرث وشجاعة وطنية وسيرة نضالية ناصعة البياض.
عودة نادي الاستقلال كانت على رأس أمنياته ومطالبه، ولعل الفرصة اليوم أصبحت سانحة امام الحكومة لترد بعضًا من عطاء هذه القامة العالية وذلك بإعادة نادي الاستقلال الذي كان ضحية لتحالفات خاطئة من قِبَل السلطة، كانت هذه أمنيته وتحقيقها بلا شك سيفي بشيء، ولو قليل، مما تدين له الكويت واهلها للراحل الكبير من مواقف ومحطات نضالية ووطنية وضعت الكويت على قائمة الدول الحرّة والديموقراطية.
اليوم، ونحن نبكي ونرثي ترجّل حكيمنا وفارسنا وكلمتنا الحرة الصادقة، لا نملك إلا أن ندعو لزوجته الوفية بالصبر، ولبناته بالسلوان، ولنا جميعاً في الكويت والعالم العربي العزاء بفقدانه.