رحيلُ مقرِّبِ القلوب ومسخرها
الدكتور عباس خامه يار/ المستشار الثقافي الايراني في لبنان
كان نبأً حزيناً جداً هذا الصباح، رحيل آية الله العارف الشيخ محمد علي التسخيري عن هذا الكوكب الذي كلّما ضاقَ بالصادقين والأطهار، راحت السماءُ تحتضنُ أرواحهم لتودعَها في قلبِ نجمة، فتخجل من نورهم، وتفضل الانطفاء.. عزيزٌ عليّ أن أنعيَ صديقاً للروحِ ومعلّماً. عزيزٌ أن أرثيَه وكأنه ما عاد بيننا. بل هو ما عاد بيننا. لقد غادر هذه الأرضَ القريحة، فهو المرضيُّ ونحن المساكين.
وميضٌ آخر أفَلَ اليوم. فقد العالمُ اليوم كوكباً من العلم والأخلاق، وفقد العالمُ الإسلامي قامةً كبرى من قامات العلم والفقه والاجتهاد، وفقدتُ أنا أستاذاً قديراً فاضلاً تعلّمتُ على يديه الكثير ومن مسيرته وشخصيته أكثر، فكان نعم الأب وخيرَ أخٍ وصديقٍ ومعلمِ طريق.
إنه هكذا تفتقدُ الأرضُ العلماء وهكذا تخسرهم البشرية، فكيف إذا كان يداً بيضاء تمرّست تقريب الناس والمذاهب والأديان وامتهنَت خدمةَ الإسلامِ ووصاياه المحمدية. لقد كان الشيخ التسخيري مجتهداً مجدّاً تتلمذ على يد كبار العلماء من أمثال آية الله الشهيد محمد باقر الصدر. وكان خلال دراسته يقوم بعملية تدريس تلك العلوم والدروس التي درسها وعلمها، إلى جانب اهتمامه بالأدب والشعر والعلوم العربية. فتصدقُ فيه آيةُ “فإذا فرغتَ فانصَب وإلى ربّكَ فارغب”. فنحن قد عرفناهُ جاداً في عمله يحملُ شعور المسؤولية تجاه الأمة الإسلامية جمعاء، فيحملُ همومَ المسلمين في سائر أقطار العالم ولم يكن من الذين يفكرون بشكلٍ محليٍّ أو محدود. فرسالة الإسلام كانت بالنسبة إليه عالمية، تشهد على ذلك مساعيه ودروسه الحوزوية وانتماءاته لجالس الفقهاء والجمعيات ورئاسة المجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية حتى تولى في أواخر حياته منصب المستشار الأعلى للسيد القائد دام ظله. وقد كان ذائعَ الصيتِ بحُسنِ الخلُقِ والصدق والأمانة وجمال الحديث، فكان السنة والمسيحيون والشيعة يعرفونه رجلاً فاضلاً يحملُ رسالةَ المحبة، ويعرفون شمائله ويتحدثون عن مواقفه الوحدوية والتقريبية بين المسلمين في كل مكان، حيث كان مناهضاً بشدة للتفكير التكفيري بين المذاهب. كان عاشقاً للإمام الخميني (قده) الراحل بحيث لم يحضر مجلساً إلا وجرى على لسانه تواضع الإمام وعرفانه وشيمُه الإنسانية المتعالية، فكأنما كان المريدَ له السائرَ على خطاه، حتى المثوى الأخير..
أعزي العالم والأمة الإسلامية خصوصاً برحيل هذا الشيخ الجليل، داعياً المولى أن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.