“الشيخ تقي الدين النبهاني: داعية الخلافة الإسلامية” لهشام عليوان
سلوى فاضل/ موقع “الحوار نيوز”
اشتهر “حزب التحرير” بمفردة رئيسة ألا وهي: اعادة الخلافة الإسلامية إلى الحكم في الدول التي كانت تُسيطر عليها الدولة العثمانية، والتي فرطت على يد الانتدابين البريطاني والفرنسي، وباتت محصورة منذ العام 1924في تركيا فقط.
هذا ما يعرفه معظم الجمهور عن هذا الحزب، الذي كان محظورا في لبنان إلى أن جاء وزير الداخلية أحمد فتفت عام 2005 ورفع الحظر عنه. علما أن مراكز الأبحاث الإستراتيجية الغربية المُعاصرة المرتبطة بمراكز القرار في الدول الغربية ترصد “حزب التحرير” الذي أُنشىء عام 1953 على يد الشيخ الفلسطيني الأصل تقي الدين النبهاني، والذي دُفن عام 1977 ببيروت في منطقة الأوزاعي.
في كتابه “الشيخ تقي الدين النبهاني: داعية الخلافة الإسلامية” يُعرّف الباحث اللبناني هشام عليوان القارىء والمهتم على الشيخ النبهاني بشكل تفصيلي شامل طيلة 304 صفحة، الصادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” ضمن “سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي”.
ففي خمسة فصول يعمد عليوان إلى تقديم ذاك الحزب “الحديدي” القائم على الفكر، الحزب الذي لا يُشبه التيارات أو الحركات أو الجماعات الإسلامية الأخرى في العالم بشيئ.
وهو الحزب الذي عُرف عنه مخاصمته لجماعة “الإخوان المسلمين” لأن فكره قائم على مبدأ إعادة دولة الخلافة الإسلامية ورفض الكيانات السياسية المعاصرة، وفي الوقت عينه يرفض استخدام العنف لتحقيق هدفه هذا.
يستعرض عليوان في كتابه المُثير هذا كافة التيارات التي نشأت في تلك الفترة بالمنطقة، بدءً من التيار القومي إلى البعثي إلى الماركسي إلى الإسلامي…
من هو النبهاني؟
ولد في قرية إجزم 1914، وتنّقل بين مصر وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان، وأسس “حزب التحرير” في الأردن عام 1953.
كان “حزب التحرير” مناقضا للفكر الصوفي الذي كان يتبناه جده الشيخ يوسف النبهاني، والفكر التوفيقي الذي قاده كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا، لكن نُقل عنه تأثره بأدوات العمل الماركسي التي انتشرت بُعيد الثورة البلشفية عام 1917، وبالفكر البعثي على يد المفكر ميشال عفلق، إضافة إلى تأثره بالفكر القومي الذي قيل عنه إنه “شارك في بعض جلساته دون أن ينتسب إليه”.
كان لاحتدام الصراع بين العروبيين والقوميين دوره في البحث عن دور للدين الإسلامي في عملية تحرير الأراضي الإسلامية من الحكم الغربي، ورفض الانتدابين البريطاني والفرنسي، والعمل على إعادة الخلافة التي فرطت عام 1924، وإن كان التوفيقيون يرفضون هذه الخلافة التي قامت على “التغلبة”.
وكانت المواجهة بين القومية والإسلام قد أخذت تظهر بشكل جليّ مع المفكر العلماني ساطع الحصري ومع الشيخ علي عبد الرازق وغيرهم الكثيرين حيث رد النبهاني في كتبه على أفكارهم.
نكبة فلسطين
كان لنكبة فلسطين عام 1948 دورا أساسيا في رفضه مختلف الأفكار، خاصة أن الجيوش العربية قد هُزمت شر هزيمة في معركتها ضد المحتل، مما فجّر التناقضات لدى النبهاني، الأمر الذي دعاه إلى السعي للتغيير الجذري، حيث إتهم الدول العربية بالتواطؤ وبضعف الجيوش العربية في مواقفه وكتبه العديدة.
وكان النبهاني قد شهد ذروة الصدام الفكري بين “رعاة التأصيل” و”دعاة التغريب في مصر” التي حفلت بالمناظرات والمطارحات حول نقاط الاتفاق بين الإسلام والغرب.
الإخوان والضّد النوعي
ورغم أن حركة “الإخوان المسلمين” من أقرب التنظيمات في المشروع السياسي لحزب التحرير وللنبهاني، إلا أنه لم يتفق معهم على أساليب العمل، التي اختلفت بين الطرفين، فالحركة تعمل على الفرد والتربية، والحزب يعمل على الفكر والعقيدة. وقد شعر “الإخوان” أن “التحرير” انتزع منهم زعامة الحركة الإسلامية في بلاد الشام. فكان “التحرير ” بالنسبة لــ”الإخوان” الضّد النوعي.
وعُرف عن حزب “التحرير” أنه أشبه بالأحزاب غير الإسلامية من حيث الشكل والتنظيم وتقنيات التجنيد والتعبئة الإيديولوجية والدعاية الجماهيرية. فلم يكن النبهاني مقتنعا بإسلوب عمل “الإخوان”.
مرحلة عامة
والمثير أنه يمكن للقارئ أن يطلّع على الفصل الأول في الكتاب، فلا يشعر معه أنه كتاب عن شخصية مُحددة، كونه كتاب ينقل وقائع مرحلة معينة في كل من مصر وسوريا والأردن ولبنان بما يمكن القول إنه التأريخ للحركات السياسية في المنطقة في مرحلة ما قبل الانتداب وما بعده مباشرة. إذن هو كتاب تأريخي سياسي يحمل الكثير من المواقف والتحاليل، ويطيل الشرح لمرحلة ما قبل النبهاني ومحيطه، ويحكي ما ليس معروفا عن النبهاني.
الكتاب
هو كتاب بحثيّ يحرص على عرض صورة تفصيلية عن الجو السياسي القائم وقتذاك، والذي ضمّ القومي والبعثي والماركسي والإسلامي والنهضوي والتوفيقي والعروبي.. وهي اليوم جميعها تيارات باتت تُعرف بين الجمهور بالتيارات الفاشلة، كونها فشلت في تحقيق أية غاية من غايتها، فانتصرت الأنظمة برجعيتها وعمالتها للغرب.
كان النبهاني، صاحب المؤلفات العديدة، صاحب إسلوب سهل ممتنع، ومستشرف سياسي، وصاحب نظر ثاقب وإسلوب أدبي رفيع، وقد مر في حياته السياسية بمرحلتين الأولى تميّزت بالتفاعل مع البيئة السياسية والفكرية العربية إلى ما بعد نكبة فلسطين، أما الثانية فهي مرحلة الخروج من الجماعات والأحزاب واعلان قيام “حزب التحرير”.
فالبعض يقول إنه كان قوميّا، وآخرون يقولون إنه كان بعثيّا، وآخرون يقولون إنه كان مع الإخوان المسلمين وتحوّل إسلاميا تحريريا!!!.
الخلافة
هي بالنسبة للنبهاني رئاسة عامة للمسلمين لاقامة أحكام الشرع الإسلامي وحَمْل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي أيضا بنظره “الإمامة” التي تعني الخلافة.
لكن السؤال كيف سيصل هذا الخليفة؟ بالطريقة الديموقراطية التي يرفضها أصلا؟ أم بالتعيين؟ فمن سيُعينه؟ أم بالوراثة حيث كان آخر خليفة، وهو عبدالمجيد الثاني، قد خُلع عام 1922، وكيف سيوحد جميع الدول العربية والإسلامية بأية حكومة وتحت أي عنوان؟
رفض النبهاني العصمة لغير النبي محمد(ص) واستخدم مصطلحات الخلافة والاستخلاف والبيعة، وهي التعابير التي استخدمتها فيما بعد الحركات الإسلامية المتشددة كالقاعدة وطالبان و”داعش” والنصرة. رغم أن حزب التحرير يقوم في أساسه على رفض العنف في فرض أفكاره.
مبادىء التحرير اللاعنفية
التحريريون يتدرجون في الانتساب، لحزبهم هذا، بدءً من الدراسة والتعلم إلى مرحلة التفاعل إلى مرحلة تسلم الحكم، والتي تتم عن طريق “الانقلاب” لتطبيق الإسلام بشكل كامل!.
أهم ما في أفكار النبهاني هي الجهاد الذي هو واجب، لكنه يرفض “المقاومات وحرب العصابات في البلدان المحتلة!”. ومن عجائب أفكار النبهاني “أن ينهض المسلمون للجهاد تحت ظل الحاكم مهما كان حاله، ولو كان هذا الحاكم عميلا لدولة كافرة أو فاجرا!.
ويرفض النبهاني الخلاف المذهبي لأنه يُشتت الامة، فعلى الجميع طاعة الخليفة مهما اختلفت مذاهبهم، بل يذهب أكثر من ذلك برفضه القول إن الرسول عيّن خليفة له، على حد قول الشيعة في ولاية الإمام علي عليه السلام، لأن ذلك برأيه يُناقض الشريعة الاسلامية.
وكان الحزب قد أيد الثورة الإسلامية في إيران، لكنه رفض مادة في الدستور الإيراني تقول إنه “على كل مسلم أن يعمل بالمذهب الإسلامي الخاص به”، معتبرا أن هذا النص يفرّق المسلمين ولا يجمعهم، فما يتباه الخليفة أو الامام، برأي حزب التحرير، يُوجب على جميع المسلمين طاعته. كما أجاز للمرأة العمل بالقضاء والعمل السياسي، لكنه رفض لها توليّ الحكم.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل إن الخلافة بالنسبة له تشبه ولاية الفقيه اليوم؟ وهل كان ليؤيد النظام الإيراني الحالي لو كان حيّا؟
بعد 7 عقود
بعد 70 عاما على اعلان “حزب التحرير”، لا بد من اعادة النظر بالأفكار التي حملها هذا الحزب السياسي بمبادئه الإسلامية التي تسعى لعودة الخلافة عكس حركة الإخوان المسلمين التي هدفها نشر الدعوة فقط!.
ويؤخذ على “التحرير” اهماله كافة مناحي العمل الإسلامي لتحقيق هدفه الإسلامي الوحيد، متكلا بذلك على الحركات الإسلامية الأخرى لتقوية ودعم وتدعيم البيئة الإسلامية. مما يُظهر سلبيات هذا الفكر السياسي الذي حدد جيلا _بمعدل (15-30) عاماً_ لتحقيق هدفه. وركز جلّ اهتمامه على التثقيف السياسي، معتبرا أن الفكر يُغيّر الواقع. حيث “اعتمد حزب التحرير منهج العمل السري، مما أبعده عن الجمهور، فتزايدت الفجوة الفكرية والشعورية وانحصر الفكر بزوايا معزولة”، خاصة أنه “حزب انقلابي يؤسس لخلايا سرّية تحمل فكرا مضادا للنظام” ككل، مع الدعوة النبهانية لعدم الخضوع للواقع بل للمبادئ.
انتاجه الفكري
أول كتاب صدر له كان عام 1950، وصدر له أكثر من 13 مؤلفاً بشكل رسمي، عدا عن عشرات الاصدارات التي لم تصدر باسمه، وان كانت تتمتع بالإسلوب نفسه للذي للشيخ النبهاني، والتي وصلت إلى الـ 20 كتابا أو منشوراً، ومعظمها مترجم إلى لغات عدة.
المآخذ
يؤخذ على الكاتب الباحث هشام عليوان أنه لم يذكر أي شيء عن الرؤساء الحاليين لـ”حزب التحرير ” ومسيرة الحزب ما بعد النبهاني، ويتولى إمارته (رئاسته) الأردني عطا أبو الرشتة، ووضعيته السياسية في البلاد العربية؟ وأين أصبح بعد العام 1977؟ ولعل عذره أن الكتاب عن المؤسس وليس عن الحزب ولكونه صدر قبل عدة سنوات ، لكن كان حريّ به الاضاءة على خلفائه في رئاسة الحزب ولو إسميّا، وما هو شعاره ومواقفه من الأحداث الجارية حاليا خاصة في فلسطين والسعودية والخليج من تطبيع وغيره.