المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين
خامه يار والحوار الثقافي العربي- الإيراني
معن بشور
خلال انعقاد الدورة الخامسة للمنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين في 2018/5/15 في بيروت، وبحضور المئات من المناضلين والمثقفين من أقطار عديدة في العالم، حرصنا في المنتدى أن تكون الكلمة الأولى للمشاركين بعد كلمات من القدس لسماحة خطيب المسجد الأقصى الشيخ الدكتور عكرمة صبري ، ولنيافة مطران القدس د. عطا الله حنا، هي لسعادة المستشار الدكتور عباس خامه يار الذي كان يرأس وفد بلاده الى المنتدى.
بعد الانتهاء من الجلسة الأولى مازحت الصديق المستشار قائلاً : ” من سيصدّق بعد اعطائك الكلمة الأولى في هذا المنتدى إلاّ ان الجمهورية الإسلامية هي المموّلة له، فيما كل منتدياتنا ومؤتمراتنا تقوم على التمويل الذاتي من أعضائها والمشاركين فيها الذين يتحملّون نفقات سفرهم واقامتهم.”
لم يكن اختيارنا يومها للدكتور عباس، ولم يكن قد عيّن بعد مستشاراً ثقافياً في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت، نابعاً فقط من تقديرنا العميق لدور الجمهورية الإسلامية في دعم القضية الفلسطينية وكل مقاوم على أرضها ومن أجلها، بل كان أيضاً تقديراً لدور المستشار الدكتور عباس في الحرص على بناء علاقات عربية – إيرانية عميقة تتجاوز كل ما يشوب هذه العلاقات من سوء تفاهم او سلبيات أو رضوخ لاملاءات استعمارية .
ولقد اختار الدكتورخامه يار البعد الثقافي لهذه العلاقات مجالاً لعمله، انطلاقاً من قناعته وايمانه أن ما يبنى على الثقافة يصمد ويستمر وما يبنى في المجالات الأخرى مهدّد بالضياع في أول خلاف بين المسؤولين هناك او هنا ، بل أن في العلاقات الثقافية بين ايران والعرب جذور تاريخية عميقة ومغروسة في عمق حضارتنا العربية – الإسلامية.
من هنا كان حرص رابطة الثقافة و العلاقات الإسلامية بطهران في الجمهورية الإسلامية وكان للدكتور عباس دور رئيسي فيها ان تقيم مؤتمراً للحوار الثقافي العربي – الإيراني في المدن الايرانية الكبرى في الفترة من 21-24 كانون الثاني/يناير 2017، وكان لي شرف المشاركة مع اخي د. ناصر حيدر في اجتماعاتها التي انعقدت في طهران وقم ومشهد، بحضور لفيف من الشخصيات العربية والإيرانية.
وأذكر يومها انني في كلمة المشاركين في جلسة المؤتمر الختامية في مدينة مشهد المقدسة قلت :
” ان أي مستقبل للعلاقات بين الدول العربية وايران مرهون بأمرين وهما: 1- ادراك عربي على المستوى الرسمي والشعبي ان ايران تشكل عمقاً استراتيجياً وحضارياً للأمة العربية لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله،
و 2- ادراك إيراني رسمي وشعبي لطبيعة الهواجس والمخاوف التي تحيط بنظرة بعض العرب تجاه ايران ودورها وسياساتها والسعي الحثيث لطمأنتهم ومعالجة الأسباب والجذور”.
وما زلت مقتنعاً ان هاتين القاعدتين تشكّلان أساساً صلباً للعلاقات العربية – الإيرانية، بل للعلاقات بين العرب ودول الجوار الحضاري، الاسيوي والافريقي، والتي كان العمل من أجل تعزيزها وتنقيتها من الثغرات والسلبيات العالقة بها واحداً من أهم أهداف مشروعنا النهضوي العربي الذي التأم المؤتمر القومي العربي على أساسه، تماماً كما كانت هذه العلاقات موضوع ندوتين نظمها مركز دراسات الوحدة العربية برئاسة الراحل الكبير د. خير الدين حسيب، الأولى في الدوحة عام 1995 والثانية في طهران عام 2002، بالإضافة الى العديد من الندوات الأخرى ، بل الذي جعلنا في لبنان من أول الداعمين للثورة الإيرانية عام 1979، حيث كان لي شرف تولي موقع أمين السر في لجنة التضامن مع الشعب الإيراني في ثورته.
ولعل انعقاد هذا اللقاء التكريمي لأحد رموز الحوار الثقافي العربي- الإيراني، في هذه الأيام بالذات، التي نشهد فيها عملية نوعية نفذّها الحرس الثوري الإيراني ضد قاعدة عسكرية صهيونية في شمالي العراق يكتسب أهمية مضاعفة لأنه يؤكد ان معركتنا مع هذا الكيان الغاصب ممتدة على امتداد أمتنا العربية والإسلامية ، وان الاحتلال الأمريكي للعراق، كما لأجزاء من سورية، والتدخلات الأميركية في كل قطر من أقطارنا، ليست إلاّ مقدمة للتوغل الصهيوني في أرضنا، وان رفضنا للحرب الأميركية – الأطلسية على العراق عام 2003، كان جزءاً لا يتجزأ من حربنا المستمرة ضد المشروع الصهيوني الاستعماري القديم والمتجدّد في هذه المنطقة.
كل التحية للصديق العزيز الذي مرّت السنوات الثلاث على وجوده في لبنان بسرعة البرق لكثرة ما ملأها الدكتور عباس ، رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان، بنشاط لم يترك منطقة أو مرجعاً أو مثقفاً إلا وتواصل معه، مؤمناً ان صروح الثقافة هي التي تبقى، أما الأمور الأخرى فمهدّدة دوماً بالتبدّد والانهيار.