الشيخ عبد القادر فاكهاني
الشيخ عبد القادر فاكهاني

رسالة إلى صديقي

رسالة إلى صديقي

الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”

أخط لك قبل مطلعِ عامٍ لا أدري أندركُه أم تسقطُ أوراقُ عمرِنا قبلَه رسالةً قصيرةً إلى حد ما لا سأمًا من مكاتبتك ولا تهربًا من إطالة هادفة بل لأنني أدرك أن الاختصار معك يحقق المراد ويلامس تفكيرك فتفهم مرادي دون عناء.
كلماتي أكتبها بقلبٍ مفعم بالحب ونفسٍ تؤمن بالصداقة حتى في زمن الألاعيب والأكاذيب وعقلٍ يدرك أن حياتي بلا صداقة كأرض جدباء وصحراء بلا ماء.

يا صديقي،
هل تذكرُ لحظاتِ لقائِنا الأول؟ أنا لا أذكرها فقد كانت لحظاتٍ عاديةً أما ما بعدها فقد كان غيرَ عاديٍ فعلق هو في ذهني ورسخ في ذاكرتي كما ترسخُ في ذهن الطفل كلماتُ معلّمِه… مضى على صداقتنا زمنٌ طويل كان فيه الحلوُ والمر، والسرورُ والحزن، والأبيضُ والأسود. كان فيه بعضُ ما في الحياة من عواصف ورياح… ولكن كلما عصفتْ ريحٌ كنا ننهضُ من تحت التراب ونمضي نحو الأمام.
كم صارعتنا النوائبُ فغلبتنا أحيانًا ووقفنا في وجهها أحيانًا أخرى… ولا أخفي أننا ابتعدنا قليلًا عن بعضنا فتراتٍ قليلةً غير أنه كان كابتعاد نقطة المطر عن أختها ثم التقينا كما تلتقيان على أديم الأرض.
صداقتي معك كبنيان شامخ أو قلْ كناطحة سحاب بدأ عمرانُها من تحت الأرض وارتفعت أعمدتُها وأركانها وجدرانها شيئًا فشيئًا حتى غدت عصيةً على كثير من الرياح العاتيات.

يا صديقي،
كم استودعتني من أسرارك وكم فعلتُ مثلَك… وكم تلاقت أفكارُنا دون نقاش… وكم اختلفنا في آراء فحاولتَ إقناعي وحاولتُ إقناعك… ولم يُنقصْ هذا الاختلافُ من المودة بيننا شيئًا… ولِمَ ينقصُها أو ينغّصُها؟! أَنفترقُ لاختلافٍ في فكرة تحتملُ وجوهًا عديدةً أم في تقديرٍ لأمرٍ دنيوي قد أكونُ مخطئًا فيه أو قد تكونُ أنت؟ على أي شىء نتصارع أو نتخاصم؟! أَعلى دنيا فانيةٍ أم مالٍ يحول بيننا وبينه قبر؟! تبًّا لدنيا يتقاتلُ فيها الإخوةُ ويختصمُ الأصدقاءُ لأجل نعيم زائل وبريق خدّاع.

يا صديقي،
العمر قصير ولكن كم كان عمري معك جميلًا… وكم وقفتُ أنظرُ إليك كما أنظر في المرآة واستمعُ إليك لأصلح عيوبي… استفدتُ منك كثيرًا ولعلك استفدتَ مني ولو قليلًا… كانت صداقتُنا نعمةً في زمن النقمة، وما زالت وأحسبُها ستبقى حتى يأتينا اليقين… كانت نورًا وما زالت في زمن العتمة والليالي الحالكة… قد لا ندركُ كل آثارِ هذه الصداقةِ الآن… ربما بعد حينٍ، إن كان مكتوبًا لنا، ينكشف لنا أهميتُها ونفعها.

يا صديقي،
أحسبُك أفضلَ مني فلا تبخل علي بنصيحة أو فكرة مفيدة وتذكّر أن ما بيننا أكبرُ من ترهاتٍ صاخبةٍ أو ألاعيبَ مبطنةٍ. لقد سمي السفرُ سفرًا لأنه يسفِر عن طباع الناس… وكان الحضرُ معك كالسفر فأسفر لي عن طباعك ومعدنك… لا أراك كل يوم ولكن كأنني أراك كل ساعة… فيما نجد في الحياة قريبين وأقرباء يطعنون ظهورَ بعضِهم البعضَ فلم يحل قربُ المكان بينهم وبين الأذى والغدر.
من دونك أنا كطائر جريح يحلق قليلًا ثم يسقط فخُذ بيدي لأشدَّ عضدي بك.

يا صديقي،
لن أذكر اسمك الآن فالقضية ليست قضيةَ أسماء بل قضية مبادئ… كلماتي هذه كتبتُها قبل أن أغمضَ عينيّ للنوم مخافة أن أغمضهما للموت قبل أن أكتب شيئًا عن معنى الصداقة في زمن الفتور والجفاء والفجور والعلاقات الباردة والصداقات الملتبسة… أردت أن يقرأ أبناؤنا شيئًا عن صداقتنا حتى تكون درسًا وعبرة.

يا صديقي،
كتبتُ ذاتَ يوم: “يا صديقي، عندما تقرر يومًا أن تنقلب على صداقتنا أرجوك أن تفعل ذلك بصمت لأنني لا أرغب أن يقول الناس لم يعد للصداقة وجود في هذا الزمن”… ولم أكن أعنيك أنت بالتحديد… فلا إخالك ستفعل ذلك يومًا…
ولكنني اليوم أقول لك أنت: “يا صديقي، للصداقة ألفُ فائدة وفائدة لا يدركها إلا الصادقون الأوفياء. أثرُ الصداقة باقٍ حتى لو مات الأصدقاء”.

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …