طرابلسي متحدثاً بإسم اللقاء التشاوري: ثقتنا مشروطة بالإنجاز والشفافية والمصداقية
تحدث النائب الدكتور عدنان طرابلسي (باسم اللقاء التشاوري) في مجلس النواب في الجلسة المخصصة لمنح الثقة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاثنين ٢٠ أيلول ٢٠٢١. واعلن بإسم اللقاء “اننا لن نحكم على هذه الحكومة الآن بل سنحكم عليها بناء على أفعالها وأدائها وسنمنحها ثقتنا كلقاء تشاوري ثقة مشروطة بالإنجاز والشفافية والمصداقية”.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة النائب طرابلسي:
دولة رئيس مجلس النواب،
الزملاء النواب،
وأخيرًا… أبصرت حكومةٌ ما النورَ بعد عتمة سياسية استغرقت سنة وشهرًا كان خلالها اللبنانيون يتلوعون ألمـًا وأسى وما زالوا كذلك. ولعل هناك من أراد للبنانيين أن يرضوا بأي حكومة ولكننا نقول بكل بصراحة إننا لن نقبل إلا بحكومة عمل وأمل وإنقاد وإصلاح.
لا نريد حكومة إدارة أزمة ولا حكومة مناكفات بالية وصراعات سياسية ونكايات تعطيلية
.
يحتار المرء في بعض الأحيان ماذا يقول وبماذا يعبّر وهو يرى هذا الحجم الهائل من التدهور الذي آلت إليه الأمور في بلد كان يقال فيه سويسرا الشرق فبات بلدًا غارقًا في الديون والعتمة والجوع والفقر والتدهور المعيشي وغارقا في التخبط السياسي والكيديات والمحاصصات التي يقال عنها محاصصات طائفية فيما هي في الغالب تقاسم لمواقع النفوذ ومواطن القوة.
عن أي نفوذ نتكلم وعن أي قوة؟ بل عن أي بلد وأي وطن؟ هل سيبقى ثمة نفوذ لأي فريق سياسي أو حزبي إذا غرق الوطن وانهار وغاب عن الخريطة؟
هل سيبقى ثمة نفوذ إذا مات جزء من الشعب من الجوع وهاجر جزء آخر إلى بلاد يبحث فيها عن مقومات العيش الكريم؟
لقد سافرنا جميعنا إلى بلاد كثيرة ولا يوجد بلد مثل لبنان، لا أتحدث عن الجمال والمناخ والطبيعة الخلابة بل أتحدث عن الفشل الذي وصلنا إليه والتخبط الذي وقعنا فيه وحافة الانهيار التي لا يفصلنا عنها سوى خطوات قليلة.
لم يعد هناك صعوبة في تشخيص أسباب استفحال الأزمة المالية الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها لبنان دولة وشعبًا. هناك عوامل وأسباب عديدة أدت الى الانهيار المالي والاقتصادي أهمها الحجم المخيف للدين العام نتيجة تراكم العجز في الموازنات منذ العام ١٩٩٢ بسبب الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة، وعدم التزام الحكومات المتعاقبة بسقف النفقات، وعدم تقديم الموازنات السنوية وقطع الحساب، وتعطيل عمل القضاء والتدخل في عمله ما عطّل القدرة الفعلية للقضاء من أجل أن يحاسب الفاسدين. أما الاقتصاد الإنتاجي الذي يحقق النمو الحقيقي ويؤمّن فرص العمل جرى تهميشه وتدميره لحساب الاقتصاد الريعي ما أسفر عن تراجع خطير في معدلات النمو سنة تلو أخرى، حتى أصبح لبنان يستورد سنويًا بنحو 20 مليار دولار ويصدّر فقط بنحو ثلاثة مليارات دولار الأمر الذي أحدث خللًا خطيرًا في الميزان التجاري ما أدّى إلى نزيف في احتياطات لبنان من العملة الصعبة كان يجري تعويضه عبر تحويلات المغتربين في الخارج من ناحية وعائدات السياحة، وكان يجري تأمين العجز في الموازنة من خلال الاستدانة من ناحية ثانية. ولكن هذه الحلقة المفرغة في الاستمرار في الاستدانة وإغراق البلاد أكثر فأكثر في مستنقعها لم يعد متيسرًا التعايش مع نتائجها المالية السلبية.
نعم نحن نعيش حالة حصار خارجي وعقوبات لم يسبق لها مثيل ولكن الحصار الداخلي هو أشد إيلامًا وفتكًا.
الحصار الداخلي الذي ارتكبته أيادي المفسدين ومهدري الأموال العامة ومدمري الاقتصاد اللبناني ومدمري الصناعة والزراعة.
الحصار الداخلي الذي وقعنا فيه بسبب غياب التخطيط والفساد في الإدارة وحشوها بالمحاسيب.
الحصار الداخلي الذي أراد أصحابه منه إيهامنا أن ليرتنا اللبنانية بخير وأن المصارف هي الملاذ الآمن فإذ بنا نجد أموالنا محجورًا عليها في هذه المصارف ونجد ما يتعرض له طلابنا في الخارج من ذل بسبب تمنع المصارف عن صرف الدولار الطالبي.
إن الحديث في هذا يطول ويطول ولكن الشعب اللبناني لم يعد يريد مجرد الكلام بل يريد الحلول وتنفيذ الوعود، ولم يعد يطيق سماع شعارات بلا تطبيق
.
إنّ إمكانية الخروج من الأزمة متوفرة لكن بحاجة إلى قرار سياسي يحدث قطيعة مع السياسات العرجاء والهوجاء لمصلحة اعتماد سياسات تنموية حقيقية، بحاجة إلى قرار سياسي يضرب الفساد والهدر وسوء الإدارة في جسم الدولة الذي أوصلنا على سبيل المثال إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت، هذه الكارثة التي نخشى أن توصل التحقيقات فيها إلى مسارات غير صحيحة وطريق مسدود أو موصل إلى أنفاق مظلمة. نحن نريد الحقيقة ونريد الحق ولا نريد الكيديات بلا طائل من أي جهة أتت.
الحكومة مطالبة بالكثير الكثير، ومن ذلك:
– أن لا تدمر الفقراء برفع الدعم دون بدائل حقيقية وسريعة.
– العمل على كشف الفساد في الدولة وخارجها ومحاسبة الفاسدين وعدم الاكتفاء بالاستعراضات الكلامية.
– المضي قدمًا في التدقيق المالي الجنائي من دون عراقيل.
– العمل على استعادة الأموال المنهوبة.
– المحافظة على أموال المودعين في المصارف وعدم المساس بها.
– العمل على وقف تدهور قيمة الليرة اللبنانية وحمايتها والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن في مواجهة الغلاء والدولار.
– المباشرة فورًا ودون إبطاء بخطة للكهرباء 24/24 وخطة للمياه وخطة للنقل المشترك.
– المباشرة فورًا بحل أزمة المحروقات ولتأتنا هذه المحروقات من أي دولة شقيقة أو صديقة ونقدم الشكر لكل دولة تساعد في إخراج لبنان من محنه وأزماته.
– الإسراع بالبدء بالتنقيب عن النفط والغاز.
– الإسراع في حل قضية النازحين السوريين من دون أي تأخير.
دولة الرئيس،
الزملاء النواب،
كل حكومة جديدة تطل علينا ببيان وزاري جديد وعبارات منمقة ووعود كثيرة. لن نحكم على هذه الحكومة الآن بل سنحكم عليها بناء على أفعالها وأدائها وسنمنحها ثقتنا كلقاء تشاوري ثقة مشروطة بالإنجاز والشفافية والمصداقية.
فاللقاء التشاوري بما يمثله نيابيًا ومن حضور شعبي في العديد من المناطق اللبنانية سيراقب الأداء ويقوم النتائج،
وكم كنا نتمنى أن يكون هناك وزارة للتخطيط ترسم الاستراتيجيات التطويرية والإنمائية وتضع الدراسات لتحديد الجدوى الاقتصادية للمشاريع الكبرى والاستراتيجية ورصد كلفتها السنوية في الموازنات السنوية، وتواكب عمل الوزارات وإدارات الدولة بدلا من الوقوع في التخبط الذي نراه على مدى أعوام طويلة.
هذه الحكومة لا تملك وقتًا طوبلًا. والبلد لا يحتمل المزيد من إضاعة الفرص. والشعب وصل إلى حافة الانفجار.
هذه الحكومة إما أن تبدأ بالإنجازات السريعة غير المتسرعة وإما أنها ستكون حكومة انفجار وهذا ما لا نتمناه لها ولا لرئيسها.