زكريا الزبيدي..وحيّ محراب ونبوءة شهادة
علي زعرور
بإيمان ملؤه أربعة عقود من هم القضية، كان البذل الممزوج بالتضحية يهرول نحو أسوار زنزانة، يحط الرحال متوضئاً من سنابل الأمل، دخلها زكريا بعزيمة كزبر الحديد، محرابه الذي صلى فيه صلاة الخلاص، لم يتركه خائفا يترقب، خرج ثائرا من طين الأرض وامتشق مسارح الحرية زهاء خمسة أيام أضافها إلى رصيده المتخم بالنضال، أرخى بظلاله بين بساتين القرى ودساكرها، يقطف بعض ما جادت به أفئدة الوارفين صبرا والمنتظرين أن تلامسهم أكف الشجعان وتحضنهم أكاليل الحرية.
صادق وحيّ المحراب، حين كان القلب يناجي رب المعبد” أن أمطر عليّ نعمتك، إنك ترزق من تشاء بغير حساب” تلقفها زكريا بقبول حسن، مدركا أن بغايا القوم تراقبه، من سماسرة المعبد وتجار القضية، ما طرق أبوابهم لحاجة رغم الظمأ الذي خار قواه، وحدها شجرة الزيتون كانت وفية له، فتحت مسارحها لتحميه من المترصدين، لكن خيانة العيون كانت أقوى لتعيد عقارب الزمن إلى الوراء بنزف جراح وجسد يتلوّى تحت سوط جلاد وتغييب الهوية.
تحت وطأة المسكنات إن وجدت، يقبع زكريا بأضلاع مكسورة ووجه منحوت بأياد آثمة، هجرت كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والاتفاقيات المنادية بحقوق الأسرى، إنقلبت على أبسط مقومات البقاء لتجهز على ما تبقى من روح بينها وبين العزم عقيدة وثبات.
مكتومة هي حقيقة هذا الثائر المتمرد في غياهب التعذيب، لسان حالته يسطو على الأقلام التي خرست والمنابر التي غيبت بفعل متسلّط”أريد أن أمارس حلمي الأخضر على أكتاف فلسطين، بين شفاه العشق وإن كانت زنزانتي الأخيرة”
جَلد أجسادنا لن يطمس القضية وإن انتعلوا أصواتنا قهرا ”
” نحن اعتكاف حالة لا إسقاط هوية”
أضاليلهم المدسوسة لم تسقط من جعبته ما تبقى من قوة وإرادة، وظلال روحه ما زالت تخيم فوقه، تحتفي بعشقه السماوي، وبين الفينة والأخرى تعانق الجسد وتهمس في أذنيه وشوشات طفلته المغرمة بعناق أبوي وهدية من زمن الحرية،
فيعتلي الصوت” أقادم أنت؟؟ أم أنني أنا المغادرة إليك؟؟؟
حبذا لو يحضرها الجواب على أشتهاءات عودته.