“عاشوراء لبنان”: واحة للتلاقي ومساحة للفكر المتحرر
الشيخ بلال الملا
ذكرى عاشوراء هي في أساسها مناسبة لانتصار الحق على الباطل والعدل على الظلم، وهي ذكرى تتجدد لتحكي قصة الحق في مواجهة الظلم والفساد والاستبداد. بدأت عاشوراء مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام في التصدي لتسلط فرعون وفساد قارون، وهما رمزان كبيران لفساد اجتماع المال والسلطة. وتكرست عاشوراء مع الإمام الحسين في مواجهة محاولات إفساد الدين بالمال وبالسلطة.
فرعون غرق ليكون لمن خلفه آية، والحسين انتصر شهيدا ليكون استشهاده عبرة في انتصار الدم على السيف. في رمزية فرعون لفساد السلطة أنه “استخف قومه فأطاعوه”، ولما أطاعوه قال لهم “لا أريكم إلا ما أرى”، فلما سكتوا قال لهم “أنا ربكم الأعلى”.
واستشهاد الإمام الحسين في عاشوراء شكل منارة للسالكين في ظلمات الجور، وأنشأء مدرسة إصلاحية للمجتمع والفرد. عاشوراء الحسين ليست مناسبة لنتوقف عند الحزن ونكتفي به، الحسين استشهد لنعيش عيش السعداء أو نموت ميتة الشهداء. هكذا شاءها الإمام الشهيد أن تكون دعوة حثيثة لتكريس الحياة الحرة المجيدة والعيش العزيز الكريم، أرادها أن تكون حافزا قويا لتحقيق الإصلاح والعدالة والتنمية والتحرر والتقدم الدائم والثابت نحو حياة العدل والإحسان والإصلاح السياسي والإصلاح الديني والإصلاح الأخلاقي والإصلاح الاجتماعي والمالي والاقتصادي. وبذلك تكون عاشوراء دعوة دائمة لمواجهة الظلم والظالمين أيا كان الظالمون ومهما عنفت بطشتهم أو قست سطوتهم، دعوة تؤكد دوما أن انتصار الدم على سيوف الظلم والجهل والاستعباد والخنوع هي نظرية حتمية التحقق لا محالة”.
وعاشوراء في الواقع اللبناني تجمعنا، ولقد أصبحت هذه الذكرى في لبنان واحة للتلاقي ومساحة للفكر المتحرر، يشارك فيها المسلم والمسيحي بنفس أيماني واحد”.
نمر اليوم في مرحلة استثنائية غير مسبوقة من الخوف والجوع في تاريخ البلد، لم يشهد لها مثيل. والمطلوب منا جميعا أن نأخذ العبرة من الماضي ونتصالح مع الحاضر لنبني المستقبل، بدل أن نتناحر على الماضي فيضيع الحاضر ونخسر المستقبل ولا نتصالح على التاريخ”.