الناصرية تجسيد حي للوطنية الصادقة وللروابط القومية الأصيلة
احمد مرعي/ نائب رئيس حزب الاتحاد
كناصريون عندما نحيي ذكرى ثورة 23 تموز يوليو التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر، لا نحييها لأننا نريد إحياء حدثا تاريخيا من الماضي، بل لأن الاحتفال بهذه الثورة الأم هو تعبيرا حيا لقوانا على أن هذه الثورة بما حملته من قيم نضالية سامية كانت استجابة لما تختزله الأمة من حاجة إلى تغيير في الواقع العربي الذي يعاني من هوان وخنوع تدنى خلاله العمل العربي إلى مستويات أضاعت السيادة وفككت روابط الأمة وأفقدتها فلسطين وأصبح يتحكم بمصيرها قوى الاستعمار والرجعية، فجاءت ثورة الثاث والعشرين من تموز المجيدة لتعيد إحياء أمل الأمة في النهوض والاستقلال والوحدة، فأنهت هذه الثورة الكبرى الاستعمار البريطاني الجاسم على أرض الكنانة وأصبح قرارها بيد أبناءها المخلصين وأممت القطاعات المنتجة وقناة السويس وحققت العدالة الاجتماعية ووضعت مصر على طريق النهوض الاقتصادي وحولتها إلى قاعدة منتجة صناعية وزراعية ووضعت في رأس أهدافها إقامة حياة ديمقراطية سليمة وإنشاء جيش وطني قوي ليكون في طليعة مهماته تحرير فلسطين، ولقد حققت هذه الثورة التلاقي بين القيادة التاريخية المتمثلة بجمال عبد الناصر ومصر الدور والتاريخ والثقل العربي الكبير وارست قواعد العلاقات الدولية على مقولة نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا، فنقلت مصر من دولة محتلة تتحكم بها الملكية والإقطاع في حماية الاحتلال البريطاني إلى الإقليم العربي المؤثر في الحياة العربية ودول العالم الثالث، وأصبحت ثورة 23 تموز يوليو في عمقها القومي ثورة كل العرب مدافعة عن قضايا الأمة، تحمل لواء المشروع الحضاري العربي المستقل، حتى بات الوطن العربي الكبير محط آمال ومشاعر الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج،
واليوم وبعد مرور 68 عاما على قيام الثورة فإن مبادئها ما تزال تمثل الأمل والخيار الأفضل لنهضة عربية كبرى تعيد للأمة دورها على الخريطة الإقليمية والدولية وتوقف حالة الانهيار الكبير في الحياة العربية وتحقق للاستقلال الوطني والقومي حصانته الأساسية تجاه محاولات تفكيكه عبر مشروعات الشرق الأوسط الكبير وصفقات القرن المشؤومة وسياسات التهويد المستمرة التي تحاول اميركا فرضها على الأمة من أجل قيام نظام إقليمي يفكك روابط الأمة ويجعلها إمارات ضعيفة منهكة لا تستجمع مقومات القوة والصمود ولا مقومات الدولة التي تحمي وتصون سيادتها على أرضها وتجعل من شعبها سيدا يمتلك سيادته وثرواته الوطنية، وتحقيقا لمشروع الشرق الأوسط الكبير كان لا بد مع تفكيك نسيج الامة وروابطها واستهداف عمقها الأكبر عبر قوى الإرهاب ليكون قاعدة لهز أمن واستقرار مصر وعندما فشل هذا المشروع في تحقيق هذه الغاية دفعت بقوى إقليمية لإضعاف مصر كونها الثقل العربي الأكبر، من خلال بوابتها الشمالية الغربية ومن خلال إقامة مشروع سد النهضة الأثيوبي الذي يمثل محاولة خبيثة لإفقاد مصر شريانها المائي الحيوي.
وإن استهداف مصر كان دوما استهدافا للأمة العربية بأمنها ودورها ومستقبلها، وهذه المعادلة ليست وليدة المرحلة السياسية الراهنة لأن التاريخ العربي يؤكد على أن الترابط بين مصر وعمقها العربي هو الذي يحمي الأمة ويصون سيادتها واستقلالها ومن حق مصر الدفاع عن أمنها تحقيقا للأمن القومي العربي، فالخليفة عمر بن الخطاب عندما سأل قائد جيشه في الشام عمر بن العاص كيف يمكننا ان نحافظ على أمن بلاد الشام فرد عليه ابن العاص قائلا من الصعب حماية أمن بلاد الشام إذا لم نستطع الاستناد إلى مصر ودورها في حماية الأمة ونسيجها.
إن استعادة مصر دورها الريادي في الوطن العربي هو الوحيد القادر على وقف المشاريع الإقليمية على حساب الأمة لأن أي فراغ قد تملأه دولا إقليمية بمحركات دولية مستفيدة من غياب المرجعية العربية وفي قلبها مصر، وإن الوقوف مع مصر اليوم هو واحد من قضايا العرب الكبرى التي يجب أن تكون محل إجماع عربي لأن كل مس بأمن مصر هو مس بالأمن القومي العربي، لهذا كله ولأن الناصرية تمثل الوطنية الصادقة وللروابط القومية الأصيلة فإن ثورة 23 يوليو ستبقى ثورة لا تهدا ومبادىء لا تموت