برسم من تظاهروا في سوريا على خلفية الغلاء.. اعرفوا عدوكم أوّلاً
خاص موقع فينيكس
شهدت سوريا, منذ مطلع الأسبوع الجاري, انفلاتاً في سعر صرف العملة الصعبة, و ارتفاعاً جنونياً في سعر الذهب (عيار 21) إلى درجة أنّه و للمرة الأولى يصبح في سوريا سعران للذهب.. السعر الرسمي الذي تحدده الجهات الرسمية المعنية, و سعر السوق السوداء الذي يفرضه التجار.. طبعاً, لحظة إعداد هذه المادة (يوم الثلاثاء, بتاريخ 9 حزيران 2020), تراجع سعر الذهب إلى 80 ألف ليرة سورية للغرام من عيار 21 قراطاً, و بالمقابل هبط سعر صرف الدولار قياساً بالصعود الصاروخي الذي عرفه مطلع الأسبوع الحالي, و هذا يؤكّد مدى قوة الدولة و حضورها متى أرادت.
قبل الغوص فيما نريد قوله, و كي لا نظهر بمظهر المحاباة للحكومات السوريّة المتعاقبة, نؤكّد أنّ لها أخطاء (في الشق الاقتصادي, موضوع مادتنا) غير مبررة, و بدءاً من منتصف العقد الماضي, عندما بدأت التوجّه نحو ما سُمي في حينها “سوق الاقتصاد الاجتماعي” و الذي كان يطلق السوريون عليه تهكماً “اقتصاد السوء الاجتماعي”, و الأهم من كلّ ذلك غياب مبدأ المحاسبة للكبار من المسؤولين, إذ ليس سرّاً أنّه كان يتم الاكتفاء بالاستغناء عن “خدمات” من تفوح رائحة فساده بحيث لم تعد تُحتمل, دون أن تتم مصادرة أمواله المنقولة و غير المنقولة و إعادتها إلى خزينة الدولة, و الأمثلة في هذا الجانب كثيرة. و مما يثير امتعاض أبناء الدولة من غلابة المواطنين هو العمل على إعادة تدوير بعض الفاسدين في المناصب و احتكارهم لبعض المغانم, و هو ما بات حديث الشارع السوري الموالي للدولة, و هذا من شأنّه إضعاف ثقة المواطن بدولته.. المواطن الذي صبر طوال سني الحرب, مضحياً بدمه و ماله في سبيل نصرة وطنه..
رجل اعمال سوري قام بتهريب كمية كبيرة من العملة الصعبة خارج البلاد الى حساب أولاده القاطنين في إحدى مشيخات الخليج العربي
ثمة ظروف موضوعية تفرض نفسها على الوضع السوري المستجد من الناحية الاقتصادية التي شهدت تدهوراً ملحوظاً, و هذه الظروف يعرفها الجميع, و هي كائنة بالحرب غير المسبوقة على وطننا, و التي يئس القائمون بها من تركيع سوريا قيادة و شعباً, و بالرغم من الحاقها الضرر الشديد بالاقتصاد الوطني إلّا أنّها لم تستطع وقف عجلة السوريين و انخراطهم في الحياة, إلى أن ظهر رجل أعمال سوري بارز و معروف, عبر بضع مقاطع تسجيلية مصوّرة, مهدداً و متوعداً السوريين بـ”زلزال” عما قريب (وفق آخر تسجيل له), دون أن يوضّح ماهية “الزلزال”, لكن اللافت أنّ التدهور الاقتصادي الذي تحدثنا عنه, أتى عقب تهديد رجل الاعمال ذاك. و قد أُشيع أنّ الرجل ذاته قام بتهريب كمية كبيرة من العملة الصعبة خارج البلاد الى حساب أولاده القاطنين في إحدى مشيخات الخليج العربي. ما دفع بالكثيرين للتساؤل عن مدى “وطنية” ذلك الرجل؟ و بماذا يختلف تهديده بتجويع السوريين من خلال “زلزاله” عما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية و توابعها و أذنابها في الحرب على السوريين و بمختلف الوسائل؟
و بخصوص رجل الأعمال صاحب التهديد بـ”الزلزال”, و المنظّر الأوّل لـ”ثورة الجياع” في سوريا, و الذي تملّكته “الغيرة” فجأة ممن أسماهم “الأثرياء الجدد”, قلّة يعرفون أنّ له دوراً في ارتفاع سعر الدولار في فترة من الفترات, عندما لجأ الى سحبه من الأسواق على خلفية عقده بضع صفقات مع شركة “هواوي” الصينية, قبل نحو العامين.
و كان من الأسباب العامة التي أدت إلى تدهور عملتنا الوطنية (بشكل عام) هو وقف الخط الائتماني الإيراني, الذي توقّف, على خلفيّة ضغوط و صعوبات عانت منها الجمهورية الإسلامية الايرانية, في تشرين الثاني عام 2018, فكان من الطبيعي أن يساهم إيقاف ذلك الخط في تدهور اقتصادنا الوطني, و بالآتي عملتنا.
لا يمكن تجاهل استغلال الولايات المتحدة لكافة حقول النفط السوري التي كان عائدها يشكّل رافداً مهماً لخزينة الدولة
إضافة لما سبق, لا يمكن تجاهل استغلال الولايات المتحدة لكافة حقول النفط السوري التي كان عائدها يشكّل رافداً مهماً لخزينة الدولة, ناهيك عما فعلته الولايات المتحدة و تابعها التركي بحقول القمح في منطقة الجزيرة السورية من حرائق قضت على جزء لا بأس به من غذاء السوريين. عدا أن مناطق زراعة القطن و تواجد معظم الماشية السورية (الأغنام) هي في مناطق خارج سيطرة الدولة حتى اللحظة, و هذه كلّها أمور تساهم في تدهور الوضع الاقتصادي.
و لعل الكثيرين منّا قرأوا كيف ساهمت بعض الفصائل الكردية المتأمركة, على لعبة قذرة, من خلال اقدامها, و بتوجيه من أسيادها الأمريكان, على سحب العملة الصعبة من الأسواق السوريّة من خلال مضاربات غير مسبوقة. ناهيكم عن الحواجز التي تقوم بها “قسد” بغية مصادرة القمح السوري, في مناطق سيطرتها أو القريبة منها.
عطفاً على كلّ ماسبق, نفيد بما يقوم به المدعو “رامي العطّار” من مكان اقامته في “غازي عنتاب” من خلال اشرافه لعدد من صفحات الفيسبوك المختصة بالمضاربات على سعر صرف الدولار في سوريا, و معلوم أن “العطار” و شركاه, يعملون بإشراف مباشر من قبل المخابرات التركية و من ثمّ القطرية.
و لا بأس أن نذكّر بعض “فاقدي الذاكرة” من السوريين, كيف وقفت واشنطن, العام الفائت, بوجه الانفتاح العربي على سوريا؛ فلعلكم تذكرون كيف حاولت الامارات العربية المتحدة إعادة علاقاتها مع سوريا, و بدأت منذ أقل من عام العمل على إعادة فتح سفارتها في دمشق, و مثلها السعودية, إلى أن أتاهم التهديد من قبل وزير الخارجية الأمريكية, بعدم المضي قُدماً في هذا الاتجاه.
خلاصة القول: تريدون التظاهر و التمرد؟ هذا حقكم, لكن تظاهروا و تمردوا على مسببي مجاعتكم و شقائكم و هم معروفون جيداً.. تظاهروا ضد الامريكان الذين يحتلون نفط بلادكم.. تظاهروا ضد الامريكان و أذنابهم الذين يحرمونكم قطن و قمح وطنكم.. تظاهروا ضد الأمريكان الذين أدخلوا معظم مرتزقة الكرة الأرضية الى دياركم كي يعيثوا فيها فساداً و خراباً.. تظاهروا ضد رجل الأعمال الذي هددكم بـ”زلزال”.. تظاهروا دون أن تضيعوا سمتكم الوطني, و من غير أن تتوه بوصلتكم عن جذرها و أرضها.