اغتصبوا الأرض…ولكنهم لم يغتصبوا الرجولة
تأملات من واقع الحياة…
الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول إعلام “المشاريع”
ألا تلاحظونَ أننا بِتنا قليلًا ما نتحدثُ عن فلسطينَ والقدسِ ومدنِ الصمود وقرى الشموخِ والإباء… بتنا قليلًا ما نروي حكاياتٍ من فلسطين… شغلتنا الدنيا وأموالُها ومباهجُها… وكأننا نسينا محمد الدرّة… ونسينا سجونَ الاعتقالِ والتنكيلِ الإسرائيليةَ وعذاباتِ أمهاتِ المعتقلين ظلمًا المتفجعاتِ المنتظراتِ بحُرقةٍ ونسينا شوقَ أزواجِهم المنكوباتِ وصغارِهم المتلوعينَ التواقينَ لقبلة!…
كأننا نسينا شجرَ زيتونِ فلسطينَ وأجودَ زيتِ زيتونٍ في العالم… لم نعد نتحدثُ إلا قليلا عن غزةَ ورام الله والخليلِ وحيفا ويافا ونابلس… لم نعد نذكر إلا قليلا المسجدَ الإبراهيمي… وأما الأقصى فنراه صورةً معلقةً على جدرانِ بيوتنا… صارت جائحةُ كورونا ومتعلقاتُها شغلَنا الشاغل… وكأننا نسينا تلك الجائحةَ الصهيونيةَ الرابضةَ في ديارِنا في فلسطينِنا… وسأقول ما هو أقسى… بات البعضُ مهتمًا بأخبار “برشلونة” و”ريال مدريد” أكثرَ من اهتمامِه بطفلٍ فلسطينيٍ باكٍ يعتصرُ قلبُه على فراقِ أبٍ شهيد!… وصارت ألسنةُ بعضِنا تصدحُ بأسماءِ المسلسلاتِ وعارضاتِ الأزياءِ وحتى الألعاب الإكترونية ولا تصدحُ بأنشودةٍ عن فلسطين!…
في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين اكتُشفَ البترولُ في بلادنا فاحتل الصهاينةُ فلسطين… هل هو محضُ مصادفةٍ تاريخية؟! هل هما حادثان لا ترابطَ بينهما؟! سبحان الله… ظنَّ البعضُ أن البترولَ سيعيدُ حاملي مفاتيحِ العودةِ مفاتيحِ بيوتِ فلسطينَ إلى ديارِهم ولكنَّ البترولَ أغرقنا في محاورَ ونزاعات!… بدل أن نشمَّ رائحةَ فلسطينَ وترابِها صرنا نشمُّ رائحةَ البترول!… وأزكمتْ أنوفَنا روائحُ المؤامراتِ وتطايرتِ الرؤوسُ وعُلّقتِ المشانق… وبقيتْ فلسطينُ معلقةً على مشنقةِ الاحتلال!… ظن البعض منذ نحو ثمانين سنة أن تحرير فلسطين وشيك جدًا وقابَ قوسين أو أدنى!… فالمال موجود… البترول موجود… الإنسان موجود… السلاح موجود… ثم انتبهوا أن ثمةَ شيئًا ناقصًا هو الإرادةُ والعزيمة… لقد بيعت فلسطين… ولن يُنقَضَ هذا البيعُ الرخيصُ إلا بإرادةِ الصادقين وعزيمةِ المخلصين.
لقد أصابتِ البلادةُ كثيرًا من العقول… ولم تعد كلمةُ التصحر مقتصرةً على معناها المعروف فهناك قلوبٌ متصحرة… ونفوسٌ متصحرة… وضمائرُ متصحرة… وعقولٌ متصحرة… إنها كأشجارِ الشوك وطعمِ الحنظل…
لقد أشغلونا بحروبٍ داخلية وفتنٍ متنقلة ومجازرَ دامية… لقد أنسونا المجازرَ التي ارتكبها أعداءُ الخارج…
لقد أَشغلونا عنهم بزملائِهم في الداخلِ أو لنقل بعملائِهم الذين لا يشبهونهم صورةً ولسانًا بل يشبهوننا نحن… أشكالُهم مثلُ أشكالِنا وألسنتُهم مثلُ ألسنتِنا… ولكنَّ قلوبَهم ليست كقلوبِنا… قلوبُهم خزائن خُبئت فيها الخبائثُ والضغائن… وبأيديهم حِيكتِ المؤامرات… هذه المرة لا أتحدثُ عن نظريةِ المؤامرةِ بل عن واقعِها وحقيقتِها… نعم هناك مؤامرةٌ وهناك ألفُ مؤامرة ومؤامرة…
الغنمُ تُساقُ إلى مَرعاها كما يريدُ الراعي وحولَها كلابٌ تحميها بأوامره… وتساق سوقًا إلى مذبحها.
أما النسور فتحلق في الأعالي بلا كلاب… والرجال الرجال يمشون بإرادتهم الحرة نحو أهدافهم المنشودة…
وفي فلسطين اغتصبوا الأرض ولكنهم لم يغتصبوا الرجولة.