هذا ولدُ ولدي…هل نريد أولادًا صالحين أم ذئابًا متوحشين؟
تأملات من واقع الحياة
الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”
منذ صغرك تلاحقُك مجموعةٌ من القيودِ والتوجهات الاجتماعية الكثيرة منها ما هو أصيلٌ منسجم مع ثقافتنا ومنها ما هو مفتعلٌ تجرنا إليه رغباتٌ شخصية أو التزاماتٌ خاصة أو أمراضٌ نفسية…
منذ أن ينشأَ الطفلُ ويبدأَ بتوزيع الابتساماتِ ثم الضحكات لاحقًا ويلتقطَ الحروفَ في فمه الصغير ويحبو حبوًا ثم يصول في منزل أهله تنهمرُ عليه عباراتُ “التغنيج” و”التدليل” مثل “تقبرني”… “يسلمولي هالعيون والخدود”… ثم عبارات “بتسم البدن” مثل “أحلى من كل ولاد عمومتو”… “أحلى من ابن فلان وبنت فلان”… “شو عاقل مش متل ولاد فلانة”… منذ البداية يقحمُ بعضُنا أطفالَه في حسابات الكبار!… يدخلُهم إلى عالم الغيرة والمقارنات الشكلية الجمالية ثم يدخلُهم وهم في أطوارِ ترعرعِهم اللاحقةِ في المقارنات الاجتماعية والطبقية وحسابات الزواريب!… ثم إذا شبوا يغرزُ فيهم كلَّ نزاعاتِه المتوارثةِ ومشاكلِه المستحدثةِ ويدربُهم ليكونوا على منواله وحاملين لرايةِ مسيرةِ الخلافاتِ الأُسرية والعشائرية والقروية ومسيرةِ أحقادٍ لم يطوها الزمان!…
ولا ينسى بعضُنا مع تلقين طفلِه توجيهاتِ قل ولا تقل وافعل ولا تفعل أن يعلّمه بعضَ الشتائم تحت عنوان “يقبرني صار يعرف يحكي”… وأن يعلّمه ردَّ الصاع صاعين وأن لا يسكتَ لزميله في المدرسة عن هفوة… “إذا ضربك ضربة بتكسّرو”… يقول له “لا تكذب” ولكنه يكذبُ أمامه في اليومِ مائةَ كذبة… وهكذا دواليك من أفعالٍ وعباراتٍ يلتقطُها الطفلُ في بيئة مشحونة بالتناقضات… يريدُ البعضُ أن يحبهم أبناؤهم ويحترموهم فيما هم لا يقيمون وزنًا لآبائهم وأمهاتهم!… يريد البعض أن يكون أبناؤهم بارّين بهم فيما هم مهملون لوالديهم بل وعاقّون لهم!…
يروى أنه كان قوم من العرب يسكنون ناحيةً من الصحراء وكان فيهم رجلٌ له أمٌّ طاعنةٌ في السن وهو وحيدُها، وكانت تفقد ذاكرتَها في أغلب الأوقات لكبر سنها، وكان كثيرَ الانزعاج منها… في أحد الأيام أراد قومُه الرحيلَ فقال لزوجته: إذا ذهبنا غداً اتركي أمي في مكانها واتركي زادًا وماءً حتى يأتيَ من يأخذُها ويخلصُنا منها أو تموت!… فعلتِ الزوجةُ ما طلب منها، ولكنها فعلت أمرًا عجيبًا فقد تركتْ ولدَهما وعمره سنة مع جدته… سار القوم، وفي منتصفِ النهار توقفوا للراحة، فسأل الرجل عن ابنه فقالت زوجته: تركتُه مع أمك. قال وهو يصيح بها: ماذا فعلتِ؟!! قالت: فعلتُ ذلك لأنه قد يرميك ذاتَ يوم في الصحراء كما رميتَ أمك… نزلت هذه الكلمةُ عليه كالصاعقة، فأسرج فرسَه وعاد مسرعًا عساه يدرك ولدَه وأمَّه قبل أن تفترسهما السباع… وصل ووجد أمه تضم ولدَه إلى صدرها، وحولهما الذئاب، وهي ترميها بالحجارة، وتقول لها: ابتعدي، هذا ولدُ ولدي!… فما كان منه إلا أن أبعد الذئابَ وقبّل أمه وحملها وولده وهو يبكي، وعاد بهما إلى قومه…
ترى هل الذئابُ هي تلك نعرفُها في البراري فحسب… أليس بين ظهرانينا ذئابٌ بصورة بشر؟!…
أليس فينا من يأمرُ بأشياءَ ويرتكبُ نقائضَها؟!…
أليس فينا من يفترسُ كما تفترسُ الذئاب؟!…
أيُّ أثرٍ سيكون في ذلك الطفلِ لو علم ما فعله أبوه بجدته في الصحراء؟…
هل نريد أولادًا صالحين أم نريد ذئابًا متوحشين؟!