عودة النقاش حول الدولة المدنية: أين خارطة الطريق؟

عودة النقاش حول الدولة المدنية: أين خارطة الطريق؟

قاسم قصير (موقع عربي ٢١)

عاد النقاش مؤخرا في أكثر من دولة عربية حول الدعوة لإقامة الدولة المدنية، باعتبار أن هذا الخيار هو الطريق الوحيد لمواجهة المشكلات السياسية والاجتماعية والدستورية، وإنهاء التعصب المذهبي والطائفي.

وقد أدت الحراكات الشعبية في أكثر من دولة عربية؛ إلى قيام بعض الأحزاب والجهات الدينية والسياسية والفكرية لإقامة جلسات الحوار والنقاش حول إمكانية تبني خيار الدولة المدنية، كحل وحيد لكل الأزمات القائمة اليوم.

ولا بد من الإشارة إلى الدولة التونسية هي أكثر دولة عربية اقتربت كثيرا من مفهوم الدولة المدنية بعد الثورة الشعبية عام 2010، والدستور التونسي والقوانين التونسية تتبنى كثيرا هذا المفهوم.

فما حقيقة الدولة المدنية؟ وهل يمكن أن تكون الحل للمشاكل القائمة في عدد من الدول العربية وخصوصا لبنان والعراق؟ وهل من خارطة طريق نحو الدولة المدنية؟

يثير مصطلح “الدولة المدنية” لدى الحركات الإسلامية والمرجعيات الإسلامية الكثير من الالتباس وعدم الوضوح، مما يجعل الباحث في حيرة من أمره لتحديد الموقف النهائي لهذه الحركات والمرجعيات من “الدولة المدنية”.

فرغم أن هذا المصطلح بدأ يتردد كثيرا في الأدبيات الإسلامية الحركية ولا سيما بعد “الثورات العربية”، فإنه من غير واضح ماذا تريد هذه الحركات من هذا المصطلح وكيف ستتعاطى معه واقعيا وعمليا.

ما هي الدولة المدنية؟ لا يوجد تعريف موحد للدولة المدنية، ففي دراسة أعدها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية ونشرها في كتاب صادر عنه في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، جاء أن “الدولة المدنية مصطلح حديث يقضي بأن تضمن الدولة حقوق جميع مواطينها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والإثنية والثقافية واللغوية، وتقوم على المساواة التامة في ما بينهم في الحقوق والواجبات، وتؤمّن حرية المعتقد وحقوق الإنسان، ويكون مرجعها محصورا بالقانون والدستور. وينطبق مفهوم الدولة المدنية على الدولة التي تقوم على المساواة التامة في المواطنية، ولا تستند إلى احكام الدين في قوانينها، لكنها في الوقت نفسه ليست معادية له.

أما على صعيد موقف الحركات الإسلامية من “الدولة المدنية”، فإننا لا نجد موقفا موحدا لدى هذه الحركات. ففي حين أن هناك قسما من هذه الحركات تؤكد تبنيها لهذا المصطلح ورفضها مصطلح “الدولة الدينية” (الإخوان المسلمين والشيخ يوسف القرضاوي)، مع أنها من الناحية العملية تدعو لاعتبار الإسلام المرجعية الأساسية للدولة، فإن أحزابا إسلامية أخرى، كحزب التحرير وبعض التيارات السلفية، ترفض كلية مصطلح الدولة المدنية، وتدعو لإقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل دون أي تنازل.

أما الأحزاب الإسلامية ذات الخلفية الشيعية (كحزب الله في لبنان وحزب الدعوة الإسلامية في العراق..)، فإنها تحرص على عدم تحديد موقف نهائي من مصطلح “الدولة المدنية”. ويغيب هذا المصطلح عن أدبياتها، لكنها من الناحية العملية توافق على الالتزام بالقوانين والأنظمة الديمقراطية، كما يجري في لبنان والعراق، مع أننا نلحظ أحيانا بعض التباين في مواقف بعض الشخصيات المحسوبة على حزب الله أو القريبة منه من هذا المصطلح، في حين أن المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله كان يدعو دوما لإقامة ما يسميه “دولة الإنسان كبديل عن الدولة الطائفية”، دون أن يحدد بشكل مفصل رؤيته لهذا المفهوم.

وعند الحديث عن اعتماد قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، فإن نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يفند أسباب رفض الزواج المدني ويؤكد على اعتماد الزواج الشرعي الإسلامي، ويعتبر أن مشروع الزواج المدني الاختياري خطوة على طريق علمنة الأحوال الشخصية لإبعاد الدين بالكامل عن مسرح الحياة، “وهو حل لا ينسجم مع ظروف المجتمع اللبناني”.

اما رئيس الدائرة السياسية في “الجماعة الإسلامية” في لبنان، النائب السابق الدكتور عماد الحوت، فيقول “إن الإسلام لا يقر الدولة الدينية وليس فيه امتيازات لطبقة رجال الدين على صعيد الحكم. فالحكم فيه لعامة المسلمين حسب الكفاءة والأهلية ورضا الناس. والدولة الإسلامية دولة مدنية، وهي دولة تساوي بين مواطنيها بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم، وينص نظامها على حرية جميع الناس في الاعتقاد وممارسة الشعائر”.

وفي الإطار نفسه، يتحدث زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي عن رأيه بالدولة ودفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان. وقد أعلنت حركة النهضة التزامها بالدولة المدنية، وعدم اعتبار الإسلام المرجعية الوحيدة للتشريع.

يمكن القول إذن إنه ليس هناك موقف موحد وحاسم من قبل الحركات والقوى الإسلامية من الدولة المدنية. وأما على الصعيد العملي والتطبيقي، وخصوصا في الدول التي لديها قوانين للأحوال الشخصية مستندة على الانتماء الديني والمذهبي، فإن التطبيق الكامل للدولة المدنية قد يواجه الكثير من الإشكالات والنقاشات، وهذا ما يحصل في لبنان عند الدعوة لإقامة قانون مدني للأحوال الشخصية.

وكي تكون هذه الدعوة عملية وممكنة التطبيق، فإن على الداعين للدولة المدنية تحديد مفهومهم للدولة المدنية، وماذا يريدون من هذه الدولة، وما هي الحدود التي يقبلون بها والحدود التي يرفضونها. وعلى ضوء ذلك يمكن أن نجيب ما إذا كانت الدولة المدنية هي الحل، أو أن هذه الدعوة ستطرح مشكلة أخرى إلى جانب المشاكل القائمة اليوم.

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …