علي ضاحي
بقدر ما افجعتنا صورة الضحية جورج زريق والذي التهمته نيران اشعلها بنفسها احتجاجاً على رفض إدارة ثانوية بكفتين الأرثوذكسية في الكورة اعطاءه افادة مدرسية عن ابنته لتسجيلها في مدرسة أخرى بعدما ان كان نقل ابنه من المدرسة الى مدرسة رسمية للاسباب الاقتصادية نفسها، افجعتنا اكثر صورة الراحل مع ابنته والتي ايضاً عبرت عن مدى تعلق الابنة بابيها وتعلقه به وحرصه على ان تتلقى تعليماً لائقاً رغم كل اوضاعه المادية والمعيشية الصعبة وعمله كسائق اجرة لتأمين خبزه وكفاف يوم عائلته.
قُتل جورج زريق مرتين، الاولى عندما دُفع الى حرق نفسه والثانية عندما قتل الامل وانهى حياته في حين ان طفليه في حاجة الى والدهما وليس بالانتحار حرقاً تحل الازمة. ربما كان من الممكن تفادي قتل الضحية زريق مرتين، الاولى كان من السهل والمنطقي والمنصف ان يمنح مدير المدرسة افادة لابنة زريق وتنتقل الى مدرسة اخرى وبذلك تحل المشكلة الاولى اما المشكلة الثانية وهي تسديد ما هو متوجب للمدرسة في ذمة الضحية لاحقاً. المشكلة الثانية او القتل المتعمد لزريق او دفعه الى هذا الموت الفظيع هو ان هناك مسؤولية على من يتولون السلطة في لبنان وتبدأ منذ العام الماضي حين اقرت سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام والاساتذة في القطاع الخاص، وبقي موظفو القطاع الخاص والعاطلون عن العمل بالالاف بلا “زودة” ولا من يحزنون وعليهم دفع كلفة السلسلة المحقة عبر ضرائب مباشرة او غير مباشرة. ومن هذه الضرائب التي تدفع يومياً كلفة التعليم الخاص والتي افلتت اقساطها من عقالها عندما تمت زيادة بضعة مئات الاف من الليرات اللبنانية. كما تم صرف آلاف الاساتذة في القطاع الخاص على مدى الجغرافية اللبنانية.
وتكمن مسؤولية الدولة ووزارة التربية تحديداً في لجم المدارس الخاصة وكبح جماحها للتنكيل بالطلاب واهاليهم وخصوصاً ممن يعجزون عن سداد الاقساط، فيجب في هذه الحالة لمن يريد ان ينقل اولاده من المدرسة الخاصة الى المدرسة الرسمية ان يُعطى افادة لمتابعة تعليمه لا ان تحجز ويبتز الولد والوالد لدفع الاقساط المتاخرة وهي ستسدد عند توفرها لانها حق مكتسب للمدرسة ولو كانت فاحشة وغير عادلة مقارنة بالاوضاع المأساوية التي يمر بها لبنان واللبنانيون في غالبيتهم الساحقة.
افجعنا جورج زريق وافجعتنا مأساة عائلته من بعده ولا تكفي ادانات المسؤولين او اجراءات وزارة التربية للتحقيق والتكفل بتعليم طفلي الضحية ولن تعيده الى الحياة. وللاسف لا يتحرك لبنان وضمير مسؤوليه والحس الانساني عند الشرفاء الكثر من اللبنانيين الا عند وقوع الكارثة، وبالتالي كلنا مسؤولون ان لا يسقط جورج زريق ثان ومثله 3 او 4 ملايين لبناني يئنون من الفقر والعوز والجوع والذل والقهر والاستعباد. فآن لنا ان نترك جبننا وخوفنا واستسلامنا وان نقول لا وان نضع حداً لكل ما يجري ونقول كفى. حتى لا نقتل جورج زريق مرتين فعذراً وسامحنا اننا خذلناك واطلب الغفران لنا من الله …