السياسي الكويتي الراحل عبدالله النيباري
السياسي الكويتي الراحل عبدالله النيباري

عبدالله النيباري…رحيل مكافح عتيق

عبدالله النيباري…رحيل مكافح عتيق

تركي المغامس/ الراي الكويتية

المسيرة والمصير، ففي ليلة تأبين الرمز الوطني أحمد الخطيب، فقدت الكويت النائب المخضرم عبدالله محمد النيباري، أحد أبرز الرموز السياسية في العمل الوطني الكويتي، حيث حملت حياته التي امتدت على مدى 85 عاماً، محطات من الكفاح ضد الفساد، وساهم في النقلة الحضارية لدولة الكويت في الميدان السياسي، وسال دمه من أجل «كلمة الحق» و«نبش عش الفاسدين» وحمل في جسده النحيل آثار التضحية الوطنية، وظل شامخاً رغم محاولة التصفية الجسدية التي تعرض لها في حياته البرلمانية مصارعاً الفساد والفاسدين.

لم تكن مسيرة النيباري السياسية مفروشة بالورود، بل كان مناضلاً لتحقيق الدولة المدنية، دولة المؤسسات، وعاصر أحلك الحقب السياسية، وكان له أثر بارز مع إخوته من المناضلين السياسيين في تعديل المسار السياسي، ومكافحة الفساد المنظم الذي عاث في البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكابد مرارة الغزو العراقي الغاشم على الكويت، وواصل مسيرته في التسعينيات حتى امتدت له يد الغدر في 1997 بمحاولة اغتيال فاشلة لم تثنه عن قضيته، رغم آلامها التي استمرت حتى غادر الحياة أول من أمس.

تقلد النيباري العديد من المناصب خلال حياته السياسية، وساهم في عزة الكويت وإعلاء شأنها على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو أحد مؤسسي المنبر الديموقراطي الكويتي وأمينه العام حتى وفاته.

المولد والنشأة

ولد عبد الله محمد عبد الرحمن النيباري، في أحد أحياء دولة الكويت عام 1936، وتلقى مراحله التعليمية الأولى بمدارس الكويت، حتى حصل على الشهادة الثانوية، وقرر الانتقال إلى القاهرة لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأميركية. وفي عام 1961 حصل على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وانتقل إلى لندن وبالتحديد إلى جامعة اكسفورد البريطانية للحصول على دبلومة في الاقتصاد، وحصل عليها عام 1963.

مناصب وإسهامات

تقلد النيباري العديد من المناصب، حيث عمل كرئيس لإدارة البحوث والرقابة على الصرف بمجلس النقد (بنك الكويت المركزي حالياً) خلال الفترة بين عامي 1964 و1966، وكان أمين سر مجلس إدارة شركة البترول الوطنية خلال الفترة بين عامي 1966 و1968، بالإضافة إلى أنه عمل كمدير لإدارة التخطيط والاستكشاف بشركة البترول الوطنية، خلال الفترة بين عامي 1968 و1971.

وساهم النيباري في تأسيس العديد من جمعيات النفع العام، منها الجمعية الاقتصادية الكويتية، وجمعية الخريجين الكويتية، وجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام، وجمعية حقوق الإنسان في الكويت.

الرحلة السياسية

ترشح النيباري في انتخابات مجلس الأمة عام 1967، وحصل على المركز السادس في الانتخابات وخسر، كما شارك في انتخابات عام 1971، وحصل على المركز الخامس وأصبح عضواً بمجلس الأمة.

وشارك أيضاً في انتخابات مجلس 1975، وحصل على المركز الثاني، وفاز، وشارك في انتخابات عام 1981، وحصل على المركز الرابع وخسر، كما شارك أيضاً في انتخابات مجلس 1985، وحصل على المركز الثالث وخسر، وأخيراً شارك في انتخابات مجلس 2006 عن الدائرة الثانية، وحصل على المركز الثالث.

ومثّل النيباري الأمة في عدة مجالس، وهي مجلس 1971 – 1975، ومجلس 1975 – 1976، ومجلس 1992 – 1996، ومجلس 1996 – 1999، ومجلس 1999 – 2003.

الخلق الرفيع وكلمة الحق

اشتهر النيباري في المجتمع الكويتي وخارجه بدماثة الأخلاق والود والتسامح، ولم تمنعه صفات الطيبة الإيجابية والأدب الجم، من أداء واجبه العام في قول كلمة الحق أو كشف سوء إدارة عامة، أو شبهة فساد يطال المال أو الشأن العام، بل كان ديدنه الوقوف الصريح ضد سوء الإدارة العامة، وضد شبهات الفساد الذي قد يمس المال العام أو المصلحة العامة، بغض النظر عن موضع شبهة تلك التعديات، بهدف الإصلاح.

وكان صوت النيباري دائماً عالياً ومسموعاً في مجلس الأمة وفي المجتمع، إذا امتلك الدليل واطمأن عقله واستراح ضميره إلى ما قد يطال المال والشأن العام من تجاوزات أو تطاول على الدستور.

النيباري واحتياطي الأجيال

بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، تصدى النيباري لتعرض احتياطي الأجيال القادمة المستثمر في الخارج إلى سوء إدارة وشبهة هدر، من قبل بعض المشرفين على استثمار ذلك الجزء من احتياطي الأجيال القادمة، وكانت مسألة تعرض بعض استثمارات الكويت في بريطانيا وإسبانيا على وجه الخصوص، قد طفت على السطح، وتعرض لها مواطنون بالمتابعة في التقارير الاقتصادية الرزينة وفي الصحافة والديوانيات.

محاولة الاغتيال لم تلغِ إنسانيته

النيباري تسامى على الجراح… وعفا
تعرض النيباري لمحاولة اغتيال هو وزوجته فريال الفريح، في 6 يونيو عام 1997، أثناء عودتهما إلى منزلهما من منطقة الشاليهات، وأصيب حينها بجروح في الكتف الأيسر والفك السفلي.

كما أصيبت زوجته بطلق ناري أسفل الكتف، وكان منفذو عملية الاغتيال في سيارتين، وقاموا بنصب كمين في طريق مهجور، وقد زاره في المستشفى سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، وكان وزير الخارجية آنذاك.

وفي يوم 22 مارس عام 1999 أيدت محكمة حكمها في المتهمين بالقضية بالحبس.

وفي فبراير 2015 تسامى النيباري عـلى كل آلامه وقبل باعتذار ســلمان الشملان، فتم العفو عنه، وأطلق سراحه.

المدافع عن حقوق البلاد النفطية

أولى المعارك التي تصدى لها النائب السابق عبد الله النيباري، وشكلت توجهاً عاماً في الدول العربية المصدرة للنفط، هي وقوفه مع أغلبية نواب مجلس الأمة ضد اتفاقية مشاركة حكومة الكويت، في عام 1972، في ملكية شركة بترول الكويت بنسبة 20 في المئة فقط، التي اقترحتها شركة بترول الكويت المملوكة بالكامل آنذاك، لاثنتين من كبرى شركات النفط العالمية المعروفة بالأخوات السبع.

وذكر الكاتب الدكتور علي خليفة الكواري، في معرض استذكار إنجازات النيباري النفطية، أن النيباري تبنى منذ نعومة أظفاره في مجلس الأمة، ضرورة أن تكون هناك سياسة نفطية وطنية في الكويت، تتقدم بها الحكومة ويقرها مجلس الأمة، في ضوء ما تواجهه صناعة النفط في العالم وفي المنطقة من تغيرات جوهرية بعيدة المدى، برزت منذ أواخر عقد ستينات القرن العشرين.

وبيّن أن «النيباري واجه مع زملائه في مجلس الأمة عقبات ومحطات مهمة، خاض فيها معارك متصلة من أجل تحسين شروط استغلال النفط، من قبل شركات النفط الدولية وتنمية دور وطني وتشريعي للمجلس، من أجل مواجهة الغبن الذي كانت شركات النفط تمارسه ضد الدول المصدرة للنفط».

وأضاف «كان دور عبد الله النيباري، بما اكتسبه من معرفة فنية واقتصادية بالنفط، بارزاً في تلك المعارك، حتى قبل أن ينتخب عضواً في مجلس الأمة عام 1971، وذلك بحكم خبرته المهنية في قطاع النفط في شركة البترول الوطنية الناشئة في الكويت، هذا فضلاً عن تخصصه في علم الاقتصاد وانتمائه السياسي الوطني واهتمامه بالنفط وباقتصاديات النفط وعلاقاته السياسية».

اتسم بالكرم والشجاعة الباهرة والمروءة والرأي المستقل

منسجم مع نفسه ومحيطه… باعتدال وعقلانية

ذكر الكاتب العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان أن «الكنز لا يكون صديقاً على الدوام، ولكن الصديق يكون كنزاً في كل الأحوال»، معدداً في ذلك مآثر الراحل عبدالله النيباري.

وقال «النيباري له الدور الريادي الفكري والثقافي على الصعيدين الكويتي والعربي، ومساهمته متميّزة في حركة التنوير، من خلال دراسات وأبحاث وكتب ومواقف ومقالات ومقابلات في الصحافة والإعلام على مدى يزيد على خمسة عقود من الزمان، وخصوصاً دوره في رئاسة تحرير جريدة الطليعة لأكثر من عقد ونصف من الزمان».

وأضاف شعبان «لا أتذكّر متى تعرّفت على الصديق الصدوق عبدالله النيباري، لكن ما أعرفه أنني كنت على صلة به عبر جريدة الطليعة، وتعزّزت علاقتنا خلال العقود الأربعة الماضية، واقترن اسم عبدالله النيباري بجريدة الطليعة التي تعتبر مدرسة حقيقية لمن يعرفها ولا يعرفها، وقد تأسست كمجلة مع استقلال الكويت في العام 1961 بطبعة أسبوعية، وكانت تمثّل لوناً متمايزاً عن لون الدولة، ولعمري يمكن اعتبارها أول مطبوعة خليجية علنية معارضة تصدر بصورة قانونية مرخّص بها، وذلك دليل على وجود نفحة حريّة جنينية في دولة الكويت منذ بداياتها».

وذكر شعبان أن «أربع صفات كريمة إذا امتلكها المرء يكون في غاية الانسجام مع نفسه والمحيط ومع الاعتدال والعقلانية، وهو ما امتاز به عبدالله النيباري: الأولى كرمه اللّا محدود، والثانية شجاعته الباهرة، والثالثة المروءة الفائقة، فلديه حس إنساني شفيف فهو ينتصر للمظلوم بعفوية ويدافع عن الحق ببساطة متناهية، والرابعة رأيه المستقل، فقد كان صاحب وجهة نظر، يكافح وينافح عنها».

محطات سياسية

• ناضل من أجل سيادة الدستور ودولة المؤسسات ورفض كل أشكال الانفراد في السلطة.

• ساهم في حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية، وأن تكون شريكاً فاعلاً في بناء الكويت.

• تبنى قضايا الدفاع عن المال العام والهدر المالي، وقدم العديد من الاستجوابات للتصدي لشبهات العبث في المال العام.

• حمل همّ القضية التعليمية، وإبرازها كركيزة أساسية في بناء الكويت، وتصدى للمتاجرة في التعليم.

• تصدى لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحقة للمواطنين، وخصوصاً ذوي الدخول المحدودة وتخفيف أعباء المعيشة عنهم ومنع الاحتكار، وتحسين الخدمات العامة وتمكين المواطن من الوصول الى حقوقه المكفولة قانوناً دون إذلاله عبر الواسطات.

• في قضية تزوير الانتخابات في عام 1976، وقّع على عريضة للاعتراض على عملية التزوير، مع عدد من الفعاليات السياسية في ذلك الوقت.

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …