حضورٌ لم يُواريهِ الغياب!
الدكتور عباس خامه يار/ المستشار الثقافي الايراني في لبنان
الأديب الجليل الهادئ البعيد عن الادعاء، الشجرة المثمرة التي تنحني تواضعاً كلما ازداد ثمرها، مصداق البيت القائل: ملأى السنابلِ تنحني بتواضعٍ .. والفارغاتٌ رؤوسهنَّ شوامخُ..
استقبلَني اليوم في بيته المتواضع الذي يحكي للزائر قصّةَ زهدِه بمجرد الدخول إليه. فيحضرُني بيت الرومي قائلاً: إنّ الدليل على الشمسِ في ذات الشمس، في نورها وسطوعِها.
“آفتاب آمد دلیل آفتاب… گر دلیلت باید از وی رو متاب”.
استقبلني بابتسامته الهادئة مثل عادته، لكني لم أسمع ضحكتَه العالية هذه المرة، التي تعبّرُ عن شغفه الذي اعتدتُ رؤيتَه في عينيه طوال ثلاثة عقود، والذي أعتبره ماركةً مسجّلة للقاءاتِنا في حوش الرافقة وفي كل الأمكنة التي كانت تجمعُنا دائماً.
استقبلَني وأنا عاجزٌ عن مقاومة البكاء، ليكونَ هو الذي يواسيني رغم حزنِه، حتى بدأ الحضور بالبكاء متأثرين بالمشهد.
نعم.. هذه المرة كانت مختلفة عن كل المرات، كان اللقاءُ مختلفاً، كان الشغفُ خافتاً بريقُه والضحكةُ منهكةٌ لا يروق لها أن تعلو. فشريكةُ حياتِه غائبة هذه المرة، هي التي كانت ترافقه دائماً لتنافسَه بل تسابقَه في الكرمِ والعطاء والمحبة والاستقبال الحسن، غابت هذه المرة عن الإستقبال كعادتها. وغابَ عني إلحاحُها عليّ بشربِ الشاي، أنا الذي لا أشربُ الشاي في العادة بل أكاد أقول إني لم أذق طعمَه في حياتي. لكني كنتُ بين الزيارة والأخرى أذعنُ بمهارتِها في إعداد القهوة، لأتذوقَ من يديها فنجاناً في النهاية.
أٌقول اليوم وبجرأة، ليس مهماً أن تملك ثروةً وتحتلّ جاهاً أو حتى تختزنَ من العلمِ ما يجعلكَ تتباهى بنفسك. المهم أن تتخلّقَ بخلق الأنبياء والصالحين، بخلق محمدٍ الذي ما زلنا في أجواء ميلاده الشريف هذه الأيام، وهو الذي خاطبه الله تعالى قائلاً “إنك لعلى خلقٍ عظيم”. وهذه الأسرة هي من هؤلاء الصالحين..
ودّعنا الدكتور علي زيتون كعادته بعدما رافقنا إلى الباب، ثم ظلّ يلوح بيده لنا حتى ابتعاد مركبنا. كان يقفُ عند الباب وحده. لكنّ أم حسن الغائبة حضرت هناك مثل كل المرات. وأما نحن، فقد خرجنا من بيتها نمسحُ دموعَنا، لكنّ كيف لصور الأحبّةِ أن تُمسحَ من الذاكرة؟!
في ذكرى أسبوعها الأليم، ليس أمامنا إلا الترحّم عليها، رحمها الله وأسكنها فسيحَ جناته. نسأل المولى أن يلهم حسن ولينا و رولا وآباد وشيرين وعهاد… ووالدهم وكل المحبين، جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.