التنقيب شرارة الحرب!
محمد الايوبي/ باحث سياسي
التنظير ما بين الحرب الاقتصادية والعسكرية على المنطقة؟ وهل سيتحقق الردع على هذه الدول؟
إن المراقب للأحداث في لبنان وكامل المحيط الشرق أوسطي يستطيع أن يجمع دلالات ومؤشرات تقود متضافرة إلى القول إن الحرب على لبنان في مقاومته ومعارضته، وعـبره على محور المقاومة والممانعة في الشـرق الأوسط باتت أمراً لا مفر منه، وأن توقيتها مسـألة أيام ولا يمكن التحدث عنها بالأسابيع، ونستطيع الاستدلال على ذلك بما يلي:
أـ قرر ترامب أن يحتفي مع إسرائيل بالذكرى المئة لإنشائها على أرض فلسطين بعد أن اغتصبتها وشردت أهلها، وكان إنشاء لكيانٍ لم يستقر حتى الآن ولم يطمئن إلى مستقبله أو قدرته على الاستمرار. إن التهديد الملح لها الآن يتمثل في المقاومة الفلسطينية خاصـة في قطاع غزة والمقاومة الإسلامية في لبنان، وفي النظام الممانع في سوريا والنظام المتحدي في إيران، مع هذه المصادر للأخطار يرى ترامب أن ضربة عسكرية لإحداها أو لجميعها يمكن أن تدخل الطمأنينة لإسرائيل فتكون هديته لها في يوم ميلادها، هدية تتمثل بـحرب أقلّه على لبـنان أو غزة.
ب ـ إن إسرائيل التي هُزمت في حرب 2006 وهُشمت قدرتـها الردعــية ترى أن الطــريق الأفعل والأسرع لاستعادة ذلك هو الحرب التي تضعها في الموقـع الذي كانت فيه قــبل الهزيمة، قوة عسكرية مرهوبة الجانب تصل إلى ما تريد وتنفذ ما تخطط. وعليه فإن الحرب التي هي حاجة للفريق السلطوي في لبنان، وحاجة إسرائيلية، وحاجة أميركية، هذه الحرب بدأ محتاجوها يعلنون عن التحضيرات لها حيث نسجل في هذا المجال:
- فرض عقوبات على سوريا وحلفائها من محور المقاومة من خلال قانون قيصر.
- قرار الاحتلال الإسرائيلي بالتنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها.
- دعوة أميركا والسعودية والكويت لرعاياها بالامتناع عن السفر إلى لبنان أو توخي الحيطة والحذر في تنقلاتهم فيه.
- تزايد الحديث عن توزيع الأسلحة وإجراء عمليات التدريب في صفوف جماعات السلطة، مترافقاً مع التعميم أن عليهم الدفاع بأنفسهم عن ثورتهم التي يهددها «المحور السوري الإيراني» على حد تعبيرهم.
- إعلان إسرائيل عن مناورات ضخمة خلال الشهر السابقة لاختبار جهوزية الجبهة الداخلية.
- الإعلام السلطوي في لبنان الذي يضــخّم أي حالة أو حادثة بقصد التأكيد على اقتراب الحـرب مع ما يثار من سيناريوهات للحرب القادمة، كما يشيعون في صفوف اتباعهم بأن الحرب قريبة جداً وأنها ستكون عبر هجوم تدميري إسرائيلي (جواً بحراً وبراً)، يرافَق بعمل ميـليشيوي سلطوي لتجميد المقاومة وتمكين إسرائيل من اجتثاثها وتطبيق القرار 1559، وعندها تستقيم السلطة لهم وتكون كل أزمّتها في قبضة هذا الفريق.
إن الدوافع والخلفية والكــثير من الوقائع الميدانية تقـود في ظاهر الأمور إلى القــول إن الحرب على لبنان والمنطقة إسرائيلياً وأميركياً ومع الأتباع والحلفاء باتت محسومة وهي واقعة لا محالة خلال أيام، والمسألة لم تعد مسألة سؤال هل تقع الحرب بل متى ستندلع شرارتها ومتى ستنتهي… ولكن؟
إن المسألة في جوهرها وعمقها تتعدى ما ذكر وتتعدى تمنيات وطموحات هذا الفريق أو ذاك إسرائيلياً كان أم اميركياً وقبلهما لبنانياً أو عربياً وللأسباب التالية:
أسباب إسرائيلية
لم تستطع إسرائيل حتى الآن أن تخرج من نـتائج حـرب تمـوز ولم تنته من معالجة مواطن الضعف التي قادت إلى الإخفاق والهزيمة، وإذا كانت معضلة «الميركافا» لم تُحل فهي تبقى صغيرة أمام معضلتين أخطر:
الأولى أمن الجبهة الداخلية التي لم تتماسك ولم يطمئن المسؤولون حتى الآن حيالها، وما تلك المناورات التي تعتزم تنفيذها في تموز المقبل إلا وجهاً من وجوه المعالجة لما كانت عليه الحال في حرب تموز 2006 لكن ما سرّبته أو أعلنت عنه إسرائيل من أن حزب الله امتلك صواريخ لمدى 300 كلم، هذا الإعلان من شأنه أن يعقد المعالجة ويجعل اتخاذ القرار بالحرب أكثر صعوبة.
والثانية تتعلق بالوضع السـياسي الداخلي الذي لم يحسم اتجاهه الآن والذي لن يتجه إلى الاستقرار إلا بعد نجاح الحكومة المشكلة حالياً، وخاصة أن الإدارة الأمريكية قالت للإسرائيليين ليــس لديكم قيادة قادرة الآن. وعليه فإننا بالمنطق العسكري الاستراتيجي المراقب نقول إن إسرائيل ليست جاهزة للحرب الآن رغم أنها تريدها بــأقرب فرصـة ممكنة، ولم يكن عبثاً أو لهواً ما كانت الإدارة الأمريكية قد ألمحت إليه من حاجة للوقت حتى تمتلك مثل هذه الجهوزية.
أسباب أميركية
إن أميركا الغارقة في وحول مواجهة كورونا والأزمة الاقتصادية والتظاهرات في مختلف الولايات الأمريكية والأوضاع في الشرق الأوسط، والتي تتحضر لانتخاباتها الرئاسية، والتي تآكلت قوة التدخل العسكري لديها فضمُرت ولم يبق بيدها أكثر من 400 ألف جندي قابل للاستعمال، والتي هي بحاجة إلى 300 ألف منهم لإجراء عمليات البدل الروتينية كل ست أو تسعة أشهر، والتي تئنّ وتشــتكي من عدم استجابة الحلف الأطلسي لطلباتها في إرسال المزيد من الجند إلى العراق وسوريا، أميركا هذه لن تكون جاهزة للدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط، وقد تراجعت كما يبدو عن «استراتيجية القوة الفارضة للقرار من غير دبلوماسية»، إلى إستراتيجية «الدبلوماسية المدعومة بالقوة» أي تحقيق الأهداف بدبلوماسية تسندها القوة العسكرية المحدودة الاستعمال أو المقتصرة على التهويل.
أسباب لبنانية
- يرى البعض بأن القرار الإسرائيلي في التنقيب عن النفط والغاز هذا من شأنه رفع منسوب التوتّر في المنطقة إلى الحدود القصوى، فملفّ النفط والغاز بالنسبة للبنان هو خطّ أحمر، كما إنّ القرار الإسرائيلي الجديد هو بمثابة إعلان حرب على لبنان لأنّه وإن كان لا يتعلق بالبلوك 9 بشكل مباشر إلا أنه يشكّل سرقة موصوفة لحقوق لبنان المتنازع عليها معه، وبالتالي فإن العمل بالقرار قبل التوصل إلى اتفاق حول الحدود، قد يكون مؤشراً سلبياً لما ينتظر المنطقة في الأشهر المقبلة من إمكانية اندلاع مواجهة عسكريّة مع إسرائيل، بالإشارة إلى أن القرار الإسرائيلي ربما يكون جزءاً من حملة الضغط على لبنان لتسوية ملف الحدود البحرية، والدفع باتجاه القبول بالطرح الاميركي حول هذا الملف، علماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنهاء هذا الملف قبل انتهاء ولايته، وبالتالي فإن القرار الإسرائيلي قد يكون في هذا السياق، مشدّدة على أنه يأتي في وقت تُعيد فيه السفيرة الأمريكية في بيروت دوروتي شيا فتح ملف الحدود البحرية والتفاوض عليها مع مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوي، ولكنها تؤكد أن ” لبنان لن يساوم على حقوقه في هذا الإطار، ويستمسك بالحقوق كاملة”. كما أن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي غانتس هدد بأن “لبنان سيكون مسؤولاً عن استخدام حزب الله لصواريخه ضد إسرائيل”. ومن هذا المنطلق يبدو أن عملية تسخين المنطقة مستمرّة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى نتيجتين، إما انفجار يفتح الطريق أمام التسويات، وإما تسويات تمنع حصول الانفجار.
- كما أنه لا يريد الحرب حقيقة في لبنان إلا شخصان، وهما يحاولان أن يغررا بحلفائهما اللبنانيين من جماعات السلطة، وتحديداً تيار المستقبل والقوات لزجّه في هذه الحرب، لكن المعطيات الميدانية والنفسية تمكّن من القول إن مــعظم جمهور تيار المستقبل ليس على استعداد لتقديم نفسه وقوداً لنار تُنضج طبخَ الآخرين أو تعــطيه دفئاً يساعده على البقاء فاعلاً على الحلبة السياسية اللبــنانية في الوقت الذي لا يؤهّله حجمه الشعبي لمثل هذا الدور. ومــن جهة اخرى فإن كل من «الشاكر لأميركا» و«العديم الخجل» من دعمها، كلاهما لا يملكــان القدرة الميدانية على حرب ينتصران فيها، وبالتالي إن خوضها من قبلهما تكون بميزان الخبير انتحاراً وليست حرباً تكتب انتصاراً، فإن لم يجدا من يقاتلان به فلن يقاتلا.
على ضوء ذلك نستطيع القول إن الحرب التي يكثر الحديث عنها ما زالت مستبعدة، ولكن لماذا كثرة الحديث عنها وقرع طبولها؟ في الجواب هنا نلفت إلى مَن يتحدث عن الحرب، ونجد أن الفريق الاميركي هو من يفعل، ونحن نفسر ذلك بأنه وجه من وجوه دبلوماسية القوة، إذ أن التهويل بالحرب هو طريق أميركا اليوم للضغط على أعدائها وخصومها لإخافتهم وحملهم على التنازل.
وبالخلاصة إن كل ما نسمع ونرى من تحضير أو تدبير أو إعلان، لا يعدو كونه تهــويلاً أميركياً لن يقود إلى حرب الآن أو في القريب المنظور في هذا العام، ولا يغيّر رأينا ما تتخذه الجـهات المســتهدفة بالحرب من تدابير احتــياطية دفاعية، فما هو إلا لتعزيز قناعتنا ببعد الحــرب لأن في مثل هذه التدابير وسائل إضافية رادعة تمنع اتخاذ قرار بالحرب بخفة ورعونة من قبل الخصوم. ونقول إن إسرائيل وأميركا لن تتخذا قرار الحرب إلا بعد الاطمئنان إلى النصر فيها، وهذا الاطمئنان هو بعيد المنال اليوم، وبُعدُه يُبعد شبح الحرب، وهي حرب إن وقعت اليوم فإنها لن تكون إلا مفاقمة لهزيمة المهزوم في 2006 ومعقّدة لمآزق المأزومين فيها.