كتب ابراهيم ناصرالدين في الصفحة الاولى في جريدة الديار ليوم الثلاثاء 12 شباط 2019
«الاستنفار» الغربي والعربي لاحتواء تداعيات زيارة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى بيروت، لاقاه في الداخل اللبناني «جوقة» من المستفيدين والمنتفعين من «مافيا» الدواء والكهرباء في محاولة «لقطع الطريق» امام اي مقاربة جدية للتعامل مع العروض الايرانية القديمة- الجديدة للبنان، وسجلت «عشية» انعقاد مؤتمر وارسو غدا، تحذيرات غربية على شكل «نصائح» للمسؤولين اللبنانيين بعدم اعطاء اي انطباعات خاطئة اتجاه طهران قد تفهم على نحو «خاطىء» لدى المجتمع الدولي، فيما «عبّد» الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط «الطريق» امام المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الذي سيستكمل غدا المهمة بابلاغ المسؤولين اللبنانيين بان الانفتاح على سوريا قد تمت «فرملته» ويجب عدم التسرع في التطبيع مع دمشق، كما سيحاول «اصلاح» «ذات البين» بين الحلفاء في بيروت لاعادة «الاصطفاف» تحت شعار استعادة التوازن المفقود مع ايران على الساحة اللبنانية… اما الحكومة فمن المؤكد حصولها غدا بعد جلستي الثقة على اغلبية مريحة تتجاوز عتبة المئة صوت مع توقع «عنتريات» نيابية لزوم «النقل المباشر».
فقد انهى رئيس الدبلوماسية الايرانية زيارته الى بيروت مساء بحضور احتفال السفارة الايرانية في الذكرى الاربعين لانتصار الثورة الاسلامية في فندق فينيسيا، وهو ما يحمل دلالة شديدة الاهمية لما توليه طهران للبنان في ظل «الكباش» الاقليمي والدولي المفتوح لمحاصرتها والحد من نفوذها في المنطقة، ووفقا لاوساط وزارية بارزة شهدت الساعات القليلة الماضية «استنفارا» دبلوماسيا عربيا وغربيا وصل الى حد «الهلع» لتطويق مفاعيل زيارة ظريف الذي جاء الى لبنان في «رسالة» دبلوماسية واضحة تؤكد الحضور السياسي الايراني الوازن على الساحة اللبنانية، والذي ترجم في نتائج الانتخابات النيابية، وفي تشكيل الحكومة الجديدة التي يعرف القاصي والداني ان «كفتها» على المستوى الاستراتيجي تميل على نحو كامل لصالح «حلفاء» طهران… وحضور حزب الله الوازن سياسيا في لبنان والمنطقة لا يحتاج الى دليل او زيارة لتثبيته..
لماذا جاء ظريف الى بيروت؟..
ووفقا للمعلومات، لم يحمل ظريف معه اي ملف ناجز او «خطة عمل» حيال استعداد ايران لمساعدة لبنان في كافة المجالات، لان هذه الملفات ليست من اختصاصه، والبحث في هذه القضايا تحصل على مستوى البلدين من خلال الوزراء المختصين، لكن ما حمله الوزير الايراني موقف سياسي ايراني ثابت حيال استعداد الجمهورية الاسلامية لتقديم اي مساعدة تحتاجها السلطات والشعب اللبناني، وهو لم يكن ينتظر «اجوبة» من المسؤولين اللبنانيين غير الذي سمعه من مواقف عامة «مرحبة» مشروطة بـ «لكن»، بات الايرانييون يعرفونها عن «ظهر قلب» وهم يعرفون «حراجة» موقف البعض «وتذبذب» مواقف البعض الاخر ربطا «بمسايرة» جميع الاطراف، ولذلك فان ما جاء ظريف لتحقيقه في بيروت انتهى بنجاح، فالدبلوماسية الايرانية جاءت لتثبيت الحضور الايراني الذي ادى الى «ازعاج» الكثيرين في الداخل والخارج، وهذا «الاستنفار» في «وجه» الزيارة دليل كاف على حجم «الارباك» السائد لدى الاخرين القلقين من خسارة ما تبقى لهم من «نفوذ» على الساحة اللبنانية..
وفي هذا الاطار، تشير اوساط سياسية مطلعة في 8 آذار الى ان الدخول العربي على «خط» «المشاكسة» في مواجهة زيارة ظريف بدأ مع رئيس الحكومة سعد الحريري حيث «نصحه» مسؤولون عرب بضرورة التنبه الى عدم الانجرار في «مسايرة» الضيف الايراني «عشية» مؤتمر وارسو ووضعوه في اجواء ارتفاع منسوب التوتر بين الخيج وطهران، ودعوه مجددا الى الاستمرار في التأكيد على سياسة «النأي بالنفس»، في مرحلة يتوقع الخليجيون ان تكون حافلة بالتطورات مع زيادة الضغوط على الايرانيين…
واشنطن على «الخط»..
وفي السياق نفسه، تكشف تلك الاوساط عن اتصال هاتفي تلقاه الرئيس الحريري من مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد، وكان المسؤول الاميركي واضحا من خلال تأكيد تفهم بلاده لغياب لبنان عن مؤتمر وارسو، لكنه حذر من اي خطوة غير محسوبة اتجاه الايرانيين، وقد وعده الرئيس الحريري بعدم حصول اي تغيير في السياسة اللبنانية حيال الملفات الاقليمية، وجدد التأكيد على تفاهمه مع رئيس الجمهورية ميشال عون على «ابعاد» لبنان عن سياسة المحاور، وهو ما وعد بقوله صراحة للوزير الايراني في بيروت..
«رسائل» العلولا الى المسؤولين..؟
هذا «التدخل» الاميركي المباشر الذي «تقاطع» على تعميمه اكثر مصدر محسوب على فريق 14آذار لتأكيد اهتمام واشنطن بالملف اللبناني، سيستكمل «شقه» العربي المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا غدا، من خلال «انزال» سياسي له اكثر من هدف، وبحسب اوساط نيابية مطلعة على الزيارة، فان المبعوث السعودي يأتي اولا للرد على زيارة نظيره الايراني، من خلال التأكيد ان الحضور السعودي لا يزال فاعلا في بيروت، والهدف الثاني هو تقديم «جرعة» دعم لحلفاء المملكة في بيروت بعد الانقسامات الحادة بين النائب السابق وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري، وكذلك «التوتر» بين رئيس الحكومة ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وسيكون تأكيد من السعودية على تمسكها بمتانة هذا الحلف «اثر» استغاثة «المختارة» مؤخرا وطلبها التدخل مباشرة مع الحريري، وسيحمل العلولا معه التزاما سعوديا بتنفيذ الشق الاقتصادي الذي تعهدت به المملكة في مؤتمر «سيدر»، كما سيحمل معه «رسائل» واضحة لجهة عدم «الاستعجال» في «التطبيع» مع دمشق وانتظار مفاعيل مؤتمر وارسو وما سيليه من خطوات اتجاه ايران…
«علامات استفهام حول النازحين»!
وفي هذا السياق، تبدو المملكة مطمئنة الى ان «التوازنات» الداخلية اللبنانية لا تسمح بتعزيز الحضور الايراني الاقتصادي في لبنان، وكذلك تدرك ان المساعدات العسكرية غير واردة في ظل «الفيتو» الاميركي، لكن ما يهم العلولا في زيارته ثلاثة «رسائل» رئيسية سيحاول تمريرها للمسؤولين اللبنانيين، الاولى تأخير زيارة رئيس الجمهورية الى طهران، وكذلك تأخير اي انفتاح دبلوماسي «رفيع» على دمشق، والامر الثالث يتعلق بعدم الاستعجال في البت في ملف النزوح السوري، قبل تبلور الشق السياسي لحل الازمة السورية..
وفي هذا الاطار، كان لافتا اشارة الرئيس الحريري من دبي بان النازحين السوريين يشكلون بالتأكيد تحديا، لكن في كل تحد يمكننا أن نرى الجانب الإيجابي الذي يمكننا من أن نستثمر فيه. واضاف نحن في لبنان بالعامين 1996 و1997، في زخم ورشة الإعمار، كان لدينا 800 ألف سوري يعملون في كل مشاريع البنى التحتية. فلماذا لا نستخدم الطاقات الموجودة لدينا والنازحين لكي نقوم بالمشاريع الاستثمارية التي علينا القيام بها؟ يجب ألا ننظر إلى النصف الفارغ من الكوب، علينا أن ننظر إلى النصف الملآن ونفكر كيف يمكننا أن نملأ الباقي… هذا الكلام اثار «الريبة» واكثر من علامة استفهام في بيروت حيال الجدية في التعامل مع المبادرة الروسية، من قبل رئيس الحكومة، وكذلك حيال كيفية معالجة هذا الملف، والسؤال اذا كان الحريري يريد اعادتهم فكيف يقدم فرص عمل لهؤلاء النازحين تطبيقا «لشروط» سياسية في «سيدر»، الا يعني هذا الامر اغرائهم بالبقاء في لبنان وعدم العودة الى سوريا… وقد توقعت تلك الاوساط ان تكون هذه القضية جزء من النقاشات في المجلس النيابي كما ستكون على جدول اعمال الحكومة في اولى جلساتها.
ماذا دار بين نصرالله وظريف؟
وبانتظار اكتمال المشهد الدبلوماسي والسياسي، اشارت اوساط سياسية مقربة من حزب الله، الى ان اللقاء الاهم لظريف كان مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيث تم استعراض الملفات الجدية في المنطقة والتطورات الاقليمية في ضوء الاستحقاقات الداهمة التي تبدأ غدا في مؤتمر وارسو، وذلك بعيدا عن «كليشيهات» المجاملات اللبنانية التي انتهت اليها جولته على المسؤولين اللبنانيين، وكان اكثر الملفات حضورا بين الرجلين الاوضاع والتطورات في سوريا عشية انعقاد مؤتمر سوتشي الثلاثي بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيريه الايراني محمد جواد ظريف والتركي رجب طيب اردوغان والذي سيعقد يوم الخميس المقبل، حيث سيكون هذا الاجتماع مفصليا في تحديد طبيعة المرحلة المقبلة في سوريا وفي المنطقة، كما تم بحث ملفي اليمن والعراق، وقد جرى تقويم عميق للتطورات بتداعياتها ومخاطرها…
استنفار» عربي وغربي لـ «تطويق» «النفوذ» الايراني عشية وارسو
وقد شكر السيد نصرالله ظريف وقيادة الجمهورية ومسؤوليها وشعبها على كل ما قدمته للبنان وفلسطين وحركات المقاومة وشعوب المنطقة في مواجهة العدوان الصهيوني والإرهاب التكفيري… وقال إنّ «هذه المساندة أدت إلى صنع الانتصارات في أكثر من ساحة وميدان»، متمنياً أن تواصل الجمهورية الاسلامية دعمها واهتمامها بالرغم من كل المؤامرات والضغوط التي تتعرض لها.. من جهته، أكد ظريف موقف الجمهورية الاسلامية الثابت إلى جانب لبنان دولة وشعبا ومقاومة، وإستعدادها لتقديم كل أشكال المساعدة والتعاون في مختلف الملفات المطروحة..
هل يزور عون طهران ؟
وكان وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف قام بجولة على المسؤولين اللبنانيين ناقلا استعداد بلاده لمساعدة لبنان على الصعد كافة. وقد حرص على التأكيد ان لا قوانين دولية تمنع ايران ولبنان من التعاون. وفي وقت نقل الى الرئيس عون في بعبدا، رسالة شفهية من الرئيس الايراني ضمنها مجددا الدعوة التي كان وجهها اليه لزيارة الجمهورية الاسلامية الايرانية، مشيدا بالعلاقات اللبنانية- الايرانية التي تصب في مصلحة البلدين والشعبين، منوها بحكمة الرئيس عون التي ادت الى تشكيل حكومة جديدة.. وفيما اعرب رئيس الجمهورية عن امتنانه للدعم الذي يلقاه لبنان من الجمهورية الاسلامية في المجالات كافة، انطلاقا من علاقة الصداقة التي تجمع بين البلدين، تشير اوساط سياسية مطلعة الى ان تلبية الزيارة الى طهران غير محددة بعد وهي لا تزال «معلقة» بانتظار ما ستشهده الاشهر المقبلة من تطورات اقليمية، وعندها سيتخذ الرئيس القرار المناسب بعد الاعداد الجيد لها..وقد ابلغ الرئيس عون ظريف، ان مسألة النازحين السوريين في لبنان تحتاج الى معالجة تأخذ في الاعتبار ضرورة عودتهم الامنة الى المناطق السورية المستقرة، لاسيما وان تداعيات هذا النزوح كانت كبيرة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية في لبنان، معتبرا ان لايران دورا في المساعدة على تحقيق هذه العودة.
الحريري والحفاط على «التوازنات»
ومن بعبدا، انتقل ظريف الى عين التينة حيث استقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري،وكان اللقاء وديا وتمت خلاله مقاربة كافة الملفات في المنطقة.. اما في الخارجية، فالتقى ظريف نظيره جبران باسيل الذي أكد في مؤتمر صحافي عقده مع ضيفه «اننا متفقون معه على وجوب التسريع بالحل السياسي لسوريا، ومسار أستانة يهم لبنان من ناحية الإستقرار وتهيئة الأجواء لعودة النازحين». وأعلن باسيل اننا «سنتغيب عن مؤتمر «وارسو» بسبب حضور إسرائيل، ولأن لبنان يتبع سياسة النأي بالنفس». وأشار الى انه ذكّر بقضية نزار زكا، مؤكدا في الموازاة انه «لا يوجد حرج بالتعامل الإقتصادي مع إيران إذا وجدت الأطر التي تحمي لبنان.. من جهته، اعلن الوزير ظريف «ان هناك ترويجا لأخبار وهمية وواهمة». واذ لفت الى «اننا نثمن عاليا الموقف اللبناني في ما يخص مؤتمر وارسو». قال ظريف عن قضية زكا: «هناك فصل للسلطات في إيران واستقلالية تامة للسلطة القضائية، لكننا نقوم بالجهود اللازمة لحل الأمر». واشار الى ان «ليس هناك قانون دولي يمنع ايران ولبنان من التعاون، حتى ان القرار 2231 يطلب من الدول كافة تطبيع علاقتها الاقتصادية مع ايران»… وكان لقاء ظريف الاخير مع رئيس الحكومة وقد استمر لنحو 40 دقيقة، وانتهى بتكرار الرئيس الحريري التزام لبنان امام المجتمع الدولي وعدم اتخاذ اي اجراءات تضره بمصالح، وبحسب المعلومات، ابدى رئيس الدبلوماسية الايرانية تفهما عميقا لظروف لبنان وتوازناته الداخلية والخارجية.. وكان الحريري وفي ظل الكباش الاقليمي الخليجي – الايراني الذي سيتظهر مجددا على الساحة اللبنانية، قد غردعبر تويتر قائلا «الخلافات الإقليمية لن تؤثر على وضع لبنان الداخلي، لأن الجميع متفق على التركيز على الاقتصاد اللبناني والقيام بكل الإصلاحات التي وضعت في «سيدر» والموجودة في البيان الوزاري».
مقاربة الحريري حول «النازحين» تثير «الريبة» والحكومة «لثقة» مريحة
«فرملة» العلاقة مع سوريا
وعلى خط مواز، كان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يجول على القيادات اللبنانية . وفي محاولة منه «للتبرؤ» من تهمة «تطويق» زيارة ظريف أكد انه «لا يوجد سباق بين الجامعة العربية وايران على لبنان لسبب واحد وهو ان لبنان دولة عربية وعضو في الجامعة، واللقاءات معه امر طبيعي للغاية»، وبعد لقاءه الرئيس عون، تطرق مع الرئيس الحريري الى عودة سورية للجامعة العربية، وقال من السراي «شرحت التطورات المحيطة بالمقعد السوري وشغوره . لكن حقيقة الامر، ويجب ان نكون امناء مع انفسنا، هناك حديث متكرر في الاعلام وصخب اعلامي ولكن لا توجد حركة حقيقية من قبل الدول الاعضاء في الجامعة لاعادة سورية…وفي «حركة لافتة» تحمل الكثير من الدلالات اتصل ابو الغيط برئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط تناولا في خلاله آخر المستجدات السياسية في المنطقة العربية»،واتفقا على لقاء قريب في القاهرة… كما تلقى رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع اتصالاً من الأمين العام لجامعة الدول العربية بحثا خلاله في الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة…
متى يزور ماكرون بيروت؟
في غضون ذلك، وفيما كان لافتا حضور السفير الفرنسي برونو فوشيه حفل السفارة الايرانية في بيروت، توقعت أوساط ديبلوماسية أن يزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت في أوائل الربيع المقبل، ومن المرجح أن يزور الموفد الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات سيدر بيار دوكان بيروت في 18 الجاري للمشاركة في الاجتماع المخصص للتنسيق بين المؤسسات المالية المانحة، مرجحة أن يشكل هذا الاخير فرصة لحسم الجدل الذي أثاره التباين بين لبنان فرنسا في مقاربة ملف اللاجئين السوريين، قبل زيارة ماكرون.