الصحافي والباحث نسيب شمس
الصحافي والباحث نسيب شمس

الأخلاق والسياسة أساس الوحدة

الأخلاق والسياسة أساس الوحدة

نسيب شمس/ خاص takarir.net

“إن ما يبرر وجود السياسة هو الحرية، حقل تجربتها هو الفعل” هكذا تقول حنة آرنت. لذلك تبدو السياسة كجسد نظري وسياسي لكل اجتماع بشري، محركها هو “الحرية” وبيئة عملها هو “الفعل”.
كانت الحرية عند القدماء تقع في مجال الإدارة، أو في إطار الذات. على هذا كان دأب الفلسفة الرواقية وخاصة الفيلسوف إبكتيتوس الذي حصر الحرية في العمق الداخلي وفي الإعتزال عن العالم، وحيث تقول آرنت بأن إيكتيتوس “بيّن أن الإنسان حر عندما يكتفي بما يطيق عليه ولا ينخرط في ميدان يجد فيه العوائق”.
لا شك أن الفوز بالحرية يجب أن يسبقه التحرر من الضرورات الحياتية والمعيشية. أي التحرر من “العمل” وهو الذي يشكل قيمة بيولوجية في رعاية الجسد والعائلة ونظام التناسل.
إذا كانت الحرية لا تنفصل عن العقل، فأنها لا تنفصل أيضاً عن القول، لأن دون القول والحكاية والجدل والمناظرة والتداول والتبادل لا يمكن الإنسان أن يظهر طابعه المدني والسياسي، فهو يتكلم لأنه ينخرط في العالم الخارجي ويتواصل مع الغير.
إن الكلام ظاهرة اجتماعية قبل أن يكون ظاهرة صوتية. ومعنى الكلام هو وجود عالم من الأفراد تحيط به التفاعلات اليومية والعلاقات. وليس الكلام مجرد وسيلة للتعبير، بل هو أيضاً بطاقة تعريف البشر. ويتميز الإنسان عن غيره من الكائنات بالكلام، فيما غيره من الكائنات تكتفي ببث أصوات تعبّر بها عن وضع معين. لكن الكلام ليس كافياً لوحده لجعل الإنسان كائناً دنياً يتواصل مع غيره، بل يريد إفهام غيره رغبة ما أو رهبة أو فكرة، أو نقل شعور ما، فالإنسان يمارس التفكير ويجسد الخواطر والنوايا في جمل صيغ وجمل لغوية وإشارات رمزية. لهذا أي حظر أو منع للكلام هو اغتيال لجوهر الإنسان وطبيعته البشرية. بناءاً عليه فإن تعزيز القوة والعنف عبر التكنولوجيا أو وضع قوانين للقمع والعنف، فإن ذلك يقتل هوية الإنسان وهي “التعبير”. نعم إنها حرية التعبير التي إن غابت يسود الصمت بالإغراء أو الإكراه. إذا كان الكلام هو الإنسان فهو ليس فقط التجسيد اللغوي للفكر أو النشاط العقلي الفعلي، ولكنه أيضاً هو “الفعل”، فالكلام والفعل، شيئان يبدأن باستمرار، ولا يتوقف أبداً عن افتتاح هوالم جديدة، وتأسيس طرائق فريدة من الإدراك. في البدء كانت الكلمة، وهي تدشن لحظات جديدة من النظر والممارسة ، إنها الكلمة هي مبتدأ الفعل وخبره.
وعفوية الكلام تغني التجارب وتعزز الخبرات. كونه يتمظهر في قوالب بلاغية أو شعرية، وليس بالغريب أن يكون نطاق السياسة شبيهاً بالمسرح في العرض والأداء، من حيث المواد الخطابية التي تؤثر على الجموع، حيث تقرع أبواب الخيال وتزيين المطلوب من القول وتحسنه بالفعل.
ولطالما كانت السياسة الأصيلة تكمن في الأداء الحر والقول الطليق، تلك السياسة التي تشغل المواقع كافة بين البشر، وليس “المجالس المنتخبة” فقط. السياسة ذات المبادئ التي تظهر في النسخة الحرة من الاجتماع البشري والتواصل الإنساني عبر التفاعلات في الاداء واللغة. وتقول حنة آرنت “معنى السياسة هو الحرية”.
فيما يعد الفعل السياسي أخص خصائص السياسي، والفعل ليس مثالياً دائماً، وكذلك الفعل السياسي ليس مثالياً دائماً وهو يهدف الى تحقيق منافع وأهداف.
وأخيراً، فإن التفكير بالحرية والفعل والتعبير في الفضاء السياسي بأنها غايات ووسائل، لكنهم مهددون بالسقوط في التناحر. خاصة بأنه لا يوجد في المجتمعات مساواة. علماً أن الخطر يكون بالإنزياح عن المبادئ وعن الاستعمال الأدائي للقيم الاخلاقية السياسسية ، وهذا يشكل خطر على وحدة المجتمع.
إذا فالحرية المسؤولة وممارسة الفعل السياسي بأخلاقية ومناقبية يحمي سلامة المجتمع والدولة وعيش الانسان بكرامة وعزة.

شاهد أيضاً

الشيخ مازن حبال يلقي كلمته

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد استقبالًا لحجاج بيت الله …