في منزلها بقرية الزاوية (غرب محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية)، تجلس غدير أبو ليلى بمحاذاة صورة قديمة لطفلٍ نحيل في روضته، هو ذاته الذي كبر وخاض اشتباكا متعددا مع الجيش الإسرائيلي حتى وصلها نبأ استشهاده ليلة الثلاثاء، وقالت “الحمد لله، ارتاح هو ونحن كذلك”.
بالنسبة للأم ذات 37 عاما، كانت الليالي الثلاث الماضية الأصعب، لم تفعل شيئا سوى انتظار خبر استشهاد ابنها عمر أبو ليلى مع كثير من الدعاء، حيث لم يمنحها ضابط القوة الإسرائيلية التي اقتحمت منزلها عدة مرات خيارات كثيرة؛ “إن لم تسلموه سنأتي به بالرصاص”، كما قال لها.
خرج عمر -الابن الأكبر لعائلته، والذي كان سيحتفل بعامه الـ19 بعد شهرين- من منزله صباح الأحد. قالت الأم “لأول مرة لم أره عند مغادرته، لكنني ظننت أنه ذهب للجامعة أو العمل”.
وهكذا استمر ظنها حتى وصلتها الأخبار عن عملية إطلاق نار قرب مستعمرة أريئيل القريبة. اتصلت به مرارا لكن بلا رد، وفي كل الأحوال لم تظن أنه كان جزءا من الحدث.
واتهم الاحتلال أبو ليلى بتنفيذ عملية مُركبة؛ بدأت بطعن مستوطن والاستيلاء على سيارته وسلاحه ثم الهجوم بإطلاق النار على مجموعة من الجنود والمستوطنين، مما أدى إلى مقتل اثنين منهم وإصابة ثالث بجروح خطيرة، قبل فرار المنفذ.
مفاجأة الجميع
تقول والدته “عمر فاجأنا.. كان مفاجأة للجميع”، وهو ما ردده الأب أمين أبو ليلى الذي جلس في استقبال المعزين في عزاء كبير نظم للشهيد وسط قريته.
قالت الأم عن نجلها -الأكثر حنانا بين أبنائها- “دمعته قريبة، يحزن على الغريب والقريب.. كنت أعطيه مصروفا ويعود ليخبرني أنه تبرع به في المسجد أو اشترى حلوى للأطفال”.
كانت مجد شقيقته الصغرى تستمع لأمها. وقالوا إنها الأحب إلى قلبه وهي أكثر من يجالس من أشقائه ويلاعبها ويشاهد التلفاز معها يوميا. وتحدثت أمه عنه كطفل لا يبتعد عن البيت، ومرتبط بها جدا ويحزنه ضيقها.
رغم ذلك، قالت إن عمر كان شجاعا من صغره وحتى استشهاده”، ثم أضافت متأثرة بتفاعل كبير من أبناء قريتها ومن الفلسطينيين عموما الذين احتفوا بعمليته “نرفع رأسنا لبطولته، وإن شاء الله بيجي أمثاله آلاف ليكملوا مسيرة تحرير فلسطين”.
حسب الأم، فقد انصب اهتمامه على إكمال تعليمه وامتهان تركيب وصناعة الألمنيوم. وتضيف “إنه شخص واع، ويقوم بالعمل الذي يريده عن قناعة، ويبدو أنه اختار الشهادة، وفتح الله له الطريق إليها”.
تعتقد الأم أن ابنها الذي كان قليل الكلام “استشهد وسرّه معه”، ولم تستطع تحديد نقطة تحول جعلته يترك كل شيء ويتجه لتنفيذ عملية مصيرها استشهاده.
أصبح “رامبو”
وكان الاحتلال اعتقل والده أمين أبو ليلى الذي فوجئ بإبلاغه أن عمر هو منفذ عملية سلفيت. وقال للمحققين الإسرائيليين إن ابنه ليس منتميا لأي فصيل فلسطيني، وغير ناشط سياسيا، لكنهم قالوا له إن عمر أصبح “رامبو”.
قال والده إنه شخص محبوب وصاحب أخلاق عالية، ثم أضاف “لم ينقصه مال ولا حب، ولديه سيارته الخاصة، وهو طالب جامعي مجتهد ولديه طموحات كثيرة”.
وكان بيت العائلة خلال الأيام الثلاثة الماضية مسرحا لاقتحامات عسكرية عديدة، وأعلن الاحتلال نيته هدم المنزل بعد أخذ قياساته وتحطيم محتوياته.
ورغم إعلان اغتياله، فإن العائلة لم تتلق اتصالا رسميا من الاحتلال، كما لم يُستدع والده أو أيّا من أقاربه للتعرف على جثمانه كما يحدث في حالات الإعدام لمطاردين فلسطينيين.
وفي المنزل الذي أعلن الاحتلال اغتيال الشاب داخله بقرية عبوين شمال رام الله، لا زال أصحاب البيت والجيران في صدمة من الدمار الذي حل في البناء القديم غير المأهول.
“سلم نفسك”
يقول صاحب المنزل عزام حمد إن قوات إسرائيلية خاصة حاصرت المكان مساء الثلاثاء، ونادت عبر مكبرات الصوت: “عمر أبو ليلى سلّم نفسك وإلا سنهدم البيت على رأسك”. ثم بدأ الجنود إطلاق النار.
حسب حمد، قصف المنزل بعدة قذائف. وتظهر آثار الدمار في جدران البيت الحجري من الخارج والداخل. وبعد انسحاب الاحتلال، قال صاحبه إنه لم يجد أثرا لعملية قتل كبيرة بالنظر لحجم النيران التي أطلقها الاحتلال، وكل ما شوهد بقعة دم صغيرة قد لا تؤشر إلى إصابة خطيرة، حسب قوله، كما أن العائلة لم تشاهد إخراج أية جثة من المنزل بعد انتهاء العملية.
وكان جيش الاحتلال بالتعاون مع جهاز الشاباك (المخابرات) أعلن أن معلومات استخبارية وصلت عن مكان اختباء منفذ عملية سلفيت مساء الثلاثاء، وبعد ساعات من اعتقال متهمين بمساعدته.
واعترف الاحتلال أن عمر أبو ليلى رفض تسليم نفسه وأطلق النار باتجاه القوة الخاصة التي حاصرته من السلاح الذي غنمه في بداية تنفيذه عملية سلفيت.
واعتبرت عملية أبو ليلى اختراقا جديدا لمنظومة الأمن الإسرائيلية في أكثر بقعة فلسطينية تكتظ بالاستيطان في الضفة الغربية، وهي الأكثر خطورة منذ عملية الفلسطيني أشرف نعالوه التي أدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة آخرين في مكان قريب جدا من موقع عملية سلفيت الأخيرة.
المصدر : الجزيرة