مظفر النواب ش ه يد الشعر الحي… وفتى القدس الذي لا يموت!
علي ضاحي خاص takarir.net
لم يسبق لأمة الضاد وللامة العربية ان نكلت بشاعر وعروبي وقومي مقدام بقدر ما ارتكبت الكبائر بحق الشاعر الكبير والثائر مظفر النواب قاهر السلاطين والقصور واروقة البلاط. وفي نموذج راق وحضاري معاكس تماماً لسياسيي البلاط وشعرائه وفنانيه، وللاحسي نعال الامير والسلطان والوالي طمعاً بحفنة من الريالات والدنانير.
عقدان من الزمن قضاها النواب مهجراً ومهاجراً عن وطنه، واكثر من عقد قضاه في السجون اروقة المخابرات واقبية الجلادين وصولاً الى تهجيره عن وطنه الام العراق وليموت في المنفى وفي الامارات تحديداً وحيداً. وفي قلبه الغصة ان ابناء جلدته اضطهدوه وخانوا عروبتهم وباعوا اوطانهم مقابل عروشهم، ولهثوا وراء التطبيع ودنسوا شرف القدس الابية، وافتعلوا في طهارتها حتى التطبيع، وكأنهم مرة جديدة يعيدون قصة النبي يوسف المغدور من اخوته ومن لحمه ودمه.
مظفر النواب لم يرحل الا بالجسد الدنيوي اسوة بكل بني البشر، لكنه سيبقى انبل بني البشر وفتى القدس الحالم بالعروبة والتحرير ومقاwم فلسطين الاول والذي ترجل عن صهوة جواده امس عن 88 عاماً بعد صراع مرير مع السرطان.
فمن هو مظفر النواب؟
مظفر عبد المجيد النوّاب (1934 – 20 أيار 2022)، هو شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي بارز وناقد، تعرّض للملاحقة وسجن في العراق، عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية أخرى. وصف بأنه «أحد أشهر شعراء العراق في العصر الحديث». توفي ظهر يوم 20 شهر أيار عام 2022 في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
السيرة
ولد النواب في بغداد عام 1934 لعائلة شيعية أرستقراطية من أصل هندي «تقدر الفن والشعر والموسيقى». ينتمي بأصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الإمام موسى الكاظم. خلال ترحال أحد أجداده في الهند أصبح حاكمًا لإحدى الولايات فيها. قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند فنفي أفراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق.
أظهر موهبة شعرية منذ سن مبكرة. أكمل دراسته الجامعية في جامعة بغداد وأصبح مدرسًا، لكنه طرد لأسباب سياسية عام 1955 وظل عاطلًا عن العمل لمدة ثلاث سنوات، في وقت صعب على أسرته التي كانت تعاني من ضائقة مالية.
التحق بالحزب الشيوعي العراقي وهو لا يزال في الكلية، وتعرض للتعذيب على يد الحكومة الهاشمية. بعد الثورة العراقية عام 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، تم تعيينه مفتشًا في وزارة التربية والتعليم. في عام 1963، اضطر لمغادرة العراق إلى إيران المجاورة (الأهواز بالتحديد وعن طريق البصرة)، بعد اشتداد المنافسة بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا للملاحقة والمراقبة الصارمة من قبل النظام الحاكم. تم اعتقاله وتعذيبه من قبل المباحث الإيرانية (السافاك) وهو في طريقه إلى روسيا، قبل إعادته قسرًا إلى الحكومة العراقية. أصدرت محكمة عراقية حكمًا بالإعدام بحقه بسبب إحدى قصائده، وخفف فيما بعد إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نُقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
هرب من السجن بحفر نفق وبعد الهروب المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفيًا فيها ثم سافر إلى جنوب العراق وسكن (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة وانضم إلى فصيل شيوعي سعى إلى قلب نظام الحكم. وفي عام 1969 صدر بيان العفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية فشغل منصب مدرس في إحدى المدارس. ثم غادر بغداد إلى بيروت في البداية، وبعدها انتقل إلى دمشق، وظل يسافر بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر بهِ المقام أخيرًا في دمشق ثم بيروت. كما تعرض النواب لمحاولة اغتيال في اليونان في العام 1981.
اشتهر بقصائده الثورية القوية والنداءات اللاذعة ضد الطغاة العرب، عاش في المنفى في العديد من البلدان، بما في ذلك سوريا ومصر ولبنان وإريتريا، حيث أقام مع المتمردين الإريتريين، قبل أن يعود إلى العراق في عام 2011. قبل عودته إلى العراق، كان عديم الجنسية ولم يكن قادرًا على السفر سوى بوثائق السفر الليبية (إذ كان قد حل على العقيد معمر القذافي كشاعر كبير، وأقام في ليبيا لسنوات، واتخذ من جواز سفرها هوية رسمية). صدرت أول طبعة كاملة باللغة العربية لأعماله في لندن عام 1996 عن دار قنبر.
وغالبا ما يلقب باسم «الشاعر الثوري». شعره حافل بالرموز الثورية العربية والعالمية. استخدم عمله في إثارة المشاعر العامة ضد الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم. كما أن لغته الشعرية وصفت بالقاسية، وتستخدم الألفاظ النابية من حين لآخر. استخدمت كتاباته الأولى لهجة جنوب العراق لأنه كان يعتقد أن تلك المنطقة «أكثر ثورية». ومع ذلك، فشل استخدام تلك اللهجة في جذب جمهور كبير، وتحول في النهاية إلى اللغة الكلاسيكية في أعماله اللاحقة.