الوزير السابق عدنان منصور
الوزير السابق عدنان منصور

قراءة في كتاب السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران للدكتور عباس خامة يار

قراءة في كتاب السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران للدكتور عباس خامة يار

الدكتور عدنان منصور/ وزير خارجية سابق

يتوقف القارئ ملياً أمام كتاب د. عباس خامه يار المعنون: السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في ايران، دراسة في المبادئ والنظريات 1979-1990، والذي يتناول فيه موضوعاً حساساً يتعلق بالسياسة الخارجية لإيران منذ انتصار ثورتها وحتى التسعينات من القرن الماضي. وهي سياسة ترتبط مباشرة بثوابت الثورة ومبادئها وقيمها التي أطاحت بالعرش البهلوي، ووضعت الأسس والمبادئ والركائز المستقبلية للنظام والدولة والمؤسسات.
غالباً ما نجد في العالم، سياسات خارجية لدول تتغير مع انظمتها ومصالحها وأهواء حكامها، فنراها تنتقل من موقع إلى ٱخر، تلبي في أحيان كثيرة أمزجة حكامها وارتباطاتهم، لتصبح السياسة الخارجية لهذه الدول مرهونة بسلوك وموقف حاكم او حزب او سلطة عسكرية أو غيرها .
حالة إيران في هذا الشأن تختلف تماماً، إذ أن السياسة الخارجية فيها واضحة المعالم، والتوجه والثوابت.فهي لا تميل مع كل ريح، بل تستند إلى مبادئ محددة لا تحيد عنها مبينة في الدستور والقوانين .
كان على الجهورية الاسلامية ان تحدد هويتها تجاه شعبها ومحيطها والعالم كله.دولة لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية ترفض بالمطلق سياسات الهيمنة والتسلط والتبعية والعمالة، وكل أوجه الإستبداد والسيطرة والاستغلال من أي جهة اتت. دولة تمد يدها للأشقاء والاصدقاء ،لبناء مجتمع العدل والحرية والرفاهية، وتتصدى لقوى العدوان والإحتلال. دولة تريد الحفاظ على استقلالها، وسيادتها، وبناء مجتمع الرفاهية وتكافؤ الفرص، وإقامة الدولة القوية القادرة على الدفاع عن أرضها وسيادتها وصون كرامة شعبها..
من هنا كانت مسيرة السياسة الخارجية لايران، ومنطلقاتها الواضحة لكل من يتتبع تطورات الاوضاع في ايران، والمنطقة المحيطة بها، والتي لاحظها جيداً د. خامه يار وهو يتابع مسارها بكل تفاصيلها الواضحة بشفافية ودقة كاملة.
إيران التي هي جزء من العالم الاسلامي، تقع في منطقة جيوسياسية استراتيجية حساسة في الشرق الاوسط. ما يحتم عليها ان تتفاعل معها، تؤثر وتتأثر، تفعل وتتفاعل، وهذا ما لا يرضي القوى العالمية الكبرى التي هيمنت وسيطرت على دول المنطقة لعقود وقرون، والتي تريد ان تبقى إيران في دائرة نفوذها مجردة من اي قوة او تأثير.
جاءت الثورة لترفض سياسات التبعية والانحياز، فكان على إيران الثورة، ان تدفع ثمناً باهظاً بسبب مبادئها ومواقفها الثابتة، فرضته عليها قوى العدوان والتسلط، مجسدة بنظام صدام حسين، فكانت الحرب المفروضة عليها عام 1980،بعد سنة من قيام ثورتها. وكان على إيران أن تتحمل العقوبات الإقتصادية والمالية والتجارية القاسية، كونها تقف مع قوى التحرر في مواجهتها لدولة الإحتلال الصهيوني في فلسطين، وتدعم قوى المقاومة التي تواجه قوى الإرهاب التي تهدد وحدة وسيادة وأمن دول المنطقة كلها .

امام ما تقدم،كان على السياسة الخارجية الايرانية أن تعكس القيم والمبادئ التي تمسكت بها، وقامت عليها. لذلك كانت صناعة قرار السياسة الخارجية الايرانية، تعبر عن روح النظام بكل مؤسساته الدستورية، ولترسم العلاقات العميقة مع الدول الشقيقة والصديقة المحبة للعدل والسلام، ولتنسج معها روابط متينة على مختلف الصعد، دون أن يثنيها ذلك عن التصدي لسياسات الدول الكبرى وتدخلاتها في شؤون إيران الداخلية، وشؤون دول المنطقة كلها، نظرا لما تشكله هذه
التدخلات من تهديد مباشر للأمن القومي الايراني، ولأمن المنطقة كلها، وهي المحاطة بقواعد عسكرية أجنبية .
لقد سلط د. خامه يار الضوء بشكل لا لبس فيه على مسار إيران قبل الثورة عام 1979، وما عانته من قوى التسلط والنفوذ والاستغلال على مدى أكثر من قرنين من الزمن، مروراً بالسنوات الاولى للثورة، والحرب المفروضة المدمرة، والعلاقات الايرانية الاميركية، والايرانية الاوروبية، والايرانية العربية، ووقوفها الى جانب الأنظمة الوطنية.
كتاب د.عباس خامه يار، جدير بان يتوقف القارئ أمامه، نظراً لغزارة المعلومات، ودقة المراجع، وأهمية الموضوع المتعلق بالسياسة الخارجية لدولة لها مكانتها الإقليمية والدولية، مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
هذا الكتاب يأخذنا به د.خامه يار، في رحلة تاريخية طويلة ممتعة، تغوص في عمق تاريخ إيران، حتى وقتنا الحاضر. كتاب حمل في ثناياه، حضارة وثقافة وعمراناً وفكراً وسياسة لا زالت ٱثارها تسطع حتى اليوم.

شاهد أيضاً

القادة الكشفيون خلال اللقاء

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع”

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع” لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس جمعية كشافة المشاريع نظمت المفوضية …