فلسطين عصية على الاحتلال وطمس الهوية
فلسطين عصية على الاحتلال وطمس الهوية

قضية من خلف القضبان

قضية من خلف القضبان

علي زعرور

بحجم قضيتها تقبع صاحبة الأحرف الخمسة في زنزانة سجّانها، مكبّلة بقيودٍ  تروي قصة معاناة مشبّعة بقهرٍ جسديّ ونفسيّ ، يغتالها صمتٌ مدقعٌ هرول في أزقة التطبيع ومارس القهر على أنفاس الحرية، إنها “أنهار” من حبر يراعٍ كتب جرأتها الخالدة في دوواين الباحثين عن ولادة من الخاصرة، هي  التي لم تكن وليدة عشوائية في اختيار المواجهة، اختارتها فل سطين القضية لتكون الشاهد الحي على كتابة تاريخ لم ينل منه أضغاث أحلام خاوية، وأقدام حافية سابقت منعطف النسيان.

صاح الديك “حي على الجهاد”، فجال صوته في أحياء قرى فل سطين، من القدس وعكا ويافا ونابلس  والضفة وغزة، أحياء لم تكن مكتومة الهوية، ما زالت تحتفظ بمفاتيح الصمود، ومن تركوا قسرا، يعلّقون أيقونة  العودة على صدورهم، كوثيقة ولادة لرجوعٍ محتومٍ إلى أرض القضية.
هذا الصوت الذي تلقفته مسامع “أنهار” كما باقي النسوة اللواتي تحدّث عنهن الشاعر” تميم البرغوثي” في قصيدته “جداتنا”، لملمن أقدارهن من أرقام ش هداء القضية وخضن مرحلة مواجهة بأبسط المقومات، فكنّ علامة فارقة في سجل المقاومة.
كباقي النسوة اللواتي حفرن أسماءهن على جدران زنزانةٍ لمحتلٍ غاصبٍ ترفّع عن مصافي الإنسانية، هرولت سنوات عمر “أنهار الديك” التي باتت على اعتاب عام ونيف من الاعتقال، لتضع وزرها بين لاءات رافضة ومعاناة شرسة.
في حسابات التحمل لم تكن تعلم انها في ثنائية حية يشاركها ذي التسعة أشهر مرارة الإعتقال، تلوذ اليه في لحظات الألم، وينغمس ارتماسا في رحم وطن لا تهزمه الهزائم.

في وحدتها المنسدلة على هامتها، بعثرت أنهار وجعها وحوّلته إلى آحادية قطب على صفحات رسالتها، هي راهنت على ضمائر قد تصحو من سباتها العميق، تنتشي صفحات رسالتها بحنين إلى ابنتها جوليا، التي سمّتها تيمناً بصوت صدح “وين الملايين” و”يا شعب اليوم وقاف”، على مسامع أخمدتها عولمة أثلمت في العقول ترهات كلامٍ ومعانٍ بعيدة عن إرثنا المتوارث الذي نحيا به.
مذبوحة على فراش من “البرش” تخوض أنهار معركة ولادة قيصرية، ترافقها خشية مصير وليدها الذي سيتجرع أنفاس الإعتقال القهري، بدل ان تؤذن على مسامعه أبوّة مغيّبة بفعل القوة القاهرة، لا أعذار تخفيفية أمام حكم كان من خارج التاريخ لا يمت إلى اتفاقية جنيف ولا إلى قوانين راعت ظروف الأمومة واعطتها الأولوية في مندرجات أحكامها.

سوف تنجب أنهار آلاف الأمنيات العالقة في جدار ذاكرة لوطنٍ مسيّجٍ بجدران من الإسمنت، تستلهم الفرح غصبا عن غيمة حزنٍ تكدّر لونها السماوي، وتقف على أعتاب نهاية قصتها التي ضجّت بها من خلف القضبان، ترتوي من نهل الأمومة لتطعم وليدها خبز قضيته التي أضحت قلادة في اعناق الباحثين عن عودة وطن بلا محتل.

شاهد أيضاً

الشيخ شادي مرعي

شادي مرعي يوقع موسوعة سليمان الاحمد برعاية الشيخ قدور السبت في اليسوعية

شادي مرعي يوقع موسوعة سليمان الاحمد برعاية الشيخ قدور السبت في اليسوعية إصدار علمي وفكري …