قصة قصيرة لمسيرة عظيمة
الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”
خَطَّ قلمي هذه الكلماتِ تأريخًا وإخبارًا وإنصافًا.
منذ نحو سبعين عامًا قدِم من بلاد الحبشة (أثيوبيا) إلى بلاد الحجاز ثم بلاد الشام فقيهٌ مفسّرٌ لغويٌّ حافظٌ للأحاديث النبوية تقيٌّ ورِعٌ هو العلامةُ الشيخُ عبدُ الله الهرريُّ (المعروف بالحبشي)، ومع مرور الزمان ذاع صيتُه واشتهر اسمه وكثر أتباعه.
وقد قال رحمه الله: “نحن فئةٌ من المسلمين لا نتبع منهجًا جديدًا ولا فكرةً مستحدثة، إنما نحن على المنهج الذي ينتسب إليه مئاتُ الملايين من المسلمين، أشعريةٌ شافعية. أشعريةٌ من حيثُ العقيدة، وهي عقيدة مئات الملايين من المسلمين، ومن حيثُ الأحكامُ العمليةُ نحن شافعية. والإمام الأشعري هو إمام أهل السنة الذي لخّص عقيدةَ الصحابة والتابعين، كان في القرن الثالث الهجري، وتوفي في أوائل القرن الرابع، لم يأت إلا بإيراد الأدلة العقلية والنقلية. ومذهبُ الشافعي مضى عليه ألف ومائتا سنة”.
وسارت قافلةُ الحق رغم المصاعب والافتراءات وتوفي الشيخ رحمه الله عام 1429 هجرية (الموافق لعام 2008 ميلادية)، وما زالت القافلةُ ماضيةً في صراطها المستقيم وعلى دليلها القويم.
وخلاصةُ القولِ إنه لا وجود لتنظيم بالمفهوم الرائج الضيق اليوم عند الناس يُسمى “الأحباش” إنما هناك أناسٌ درسوا على يد هذا المرشدِ المربّي الشيخِ عبدِ الله الهرري رحمه الله رحمةً واسعة وعلى أيادي من تلقى منه العلوم، وهم منتشرون في كافة فئات المجتمع في لبنان ودول أرجاء المعمورة.
وقد قام هؤلاءِ الطلابُ والمريدون ببناء مساجدَ ومصلياتٍ ومدارسَ ومعاهدَ وجامعاتٍ ومراكزَ ومؤسساتٍ صحيةً واجتماعيةً وإعلاميةً ونسائيةً وشبابيةً وكشفيةً ورياضيةً وغيرِها من مؤسساتٍ تنشرُ الاعتدالَ والخير والعلم الديني الصافي والفضيلة، فضلًا عن العلوم العصرية النافعة، وتسهم في الرقي والتقدم وخدمة المجتمعات والأوطان.
وجميع هذه المؤسساتِ مرخّصٌ لها بحسب قوانين البلدان ومضى على بعضها زمنٌ طويل، وعلى بعضها زمنٌ قصير، وبعضُها قيدُ الإنشاء. وقد بُنيت بأموال “الهرريين” وفاعلي الخير الذين يثقون بهذا المنهج وهذه المسيرة.
وهذه المؤسساتُ تمارسُ أعمالها بهمة العاملين فيها، ولها تاريخٌ وحاضرٌ يشهدُ لها بالنصاعة والنجاح والسداد.
وفي لبنان انضوى “الهرريون” في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وهي جمعية كبيرة بما تمثله على الصعيد الشعبي وبما حققته وتعملُ على تحقيقه من إنجازات. ومعروفٌ عنها أنها تنتهجُ نهجَ الاعتدالِ والوسطيةِ وهذا أمر يشهد لها به أداؤها في زمن الرخاء وزمن الشدة، وعند السراء والملمات، ويشهد به تاريخُها وواقعُ حالها، ومثلُها في هذا أخواتُها من الجمعيات التي أسسها مريدو الإمام الشيخ عبد الله الهرري في بقاع الأرض حيث اشتهر عنهم ذلك وعُرِف حيث حلوا.
إن لذةَ الانتسابِ إلى هذه المسيرة لا يعرفُها إلا من ذاقها، والحق يُقال إن من ذاقَ عَرف ومن عَرف اعتَرف واغترف.
القصة لم تنتهِ بل لها بقيةٌ يكتبُها كلَّ يومٍ أطفالٌ وشبابٌ وشاباتٌ ورجالٌ ونساءٌ سائرون على درب الحق.