صادق المهدي
عباس خامه يار/ المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان
ربما قليلون هم أبناء جيلي ممن لا يعرفون «صادق المهدي» رئيس الوزراء السوداني الأسبق ورئيس حزب «الأمة» الذي توفي ليل (الأربعاء 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) إثر إصابته بفيروس كورونا بعمر 85 عاماً. وقليلون هم مَن لا يعرفون حضوره الفاعل في مجال السياسة الإقليمية والدولية.
لقد كان لصادق المهدي وحزبه السياسي خلال النصف قرن الأخير، دور بارز ومؤثر في تحوّلات شمال أفريقيا والمغرب العربي والى جانب ترؤسه حزب الأمة في السودان، تولى منصب رئيس الوزراء في البلاد منذ العام 1986 حتى 1989، حيث أطيح به خلال انقلاب عمر البشير، ثم حلّ البشير منصب رئاسة الوزراء في السودان.
حزب الأمة الذي كان صادق المهدي يترأسه كان أكبر حزب سياسي في السودان وبقي مناهضاً شديداً لتطبيع العلاقات بين هذه البلاد والكيان الصهيوني.
كان صادق حتى آخر لحظات حياته رغم التهديدات وإغواءات القوى الإقليمية، بقي ثابتاً على موقفه بصلابة وصدق ولم يتمكّن أيّ تهديد وترغيب من زعزعة إرادته.
كان صادق المهدي في غاية الذكاء والوعي، واقعي الرؤية. كان يعرف النهضة الشعبية والثورة الإسلامية الإيرانية وكان يكنّ احتراماً خاصاً لشعب إيران، وكان دائماً ما يدافع عن مواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية؛ سواء في عهد حكومته او ما بعد خروجه منها.
لقد عرفت صادق المهدي منذ سنوات والتقيته في طهران والخرطوم والدوحة. المرة الأخيرة كانت عندما كنا نشارك سوياً في المؤتمر السنوي لمركز الجزيرة للدراسات في قطر في 15 و16 نيسان 2017، حيث كنا ضيوفاً عند القطريين في مؤتمر «أزمة الدولة؛ ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط».
أكثر ما يذكرني به في هذه الظروف الإقليمية الصعبة وفي غيابه المحزن، عبارة قالها لي عند انتهاء كلمتي في المؤتمر.
كان موضوع كلمتي وعنوانها «مرور 100 عام على وعد بلفور: أسباب وجود ومستقبل إسرائيل في المنطقة»، حيث لقيت ردّ فعلٍ من قبل عددٍ من المعارضين الذين اجتمعوا في المؤتمر من الدول المختلفة!
المرحوم صادق المهدي أجلسني بقربه (تماماً كما في الصورة) وإذ أشاد بأفكاري وأيدها قائلاً: «برافو عليك»، وأضاف: «لا تحزن يا دكتور! ثلثا المجتمعين في هذه الصالة هم مع إيران ومعك. لكن ماذا نفعل… (أكمل عبارته بحركة احتكاك إبهامه وسبابته تكراراً والتي تعني كما هو متعارف الحصول على المال!) أومأت برأسي وسألت: «سيادة الرئيس! أيّ كما يقول سيد الشهداء: قلوبهم معنا وسيوفهم علينا؟!»
أجابني بإيماءةٍ برأسه…
طوبى لروحه…