سيجمعنا رمضان
الشيخ الدكتور أسامة شعبان*
رغم الحُجَر والحَجْر.. والذُّعْر والمُرّ..
رغم الفَقْد والبُعْد.. والهَلَع والفَزَع..
رغم السُُدود والحُدود.. رغم المسافات وقطْع الطرقات.. ومنْع التّجوال وضِيق الأحوال..
سيجمعنا رمضان.. بإذن الله..
سيجمع قلوبنا على طاعة الله.. وستزيد الرحمة والألفة والمودة والخيريّة في ما بيننا لِما فيه رضا الإله..
سنزيّن بيوتنا.. سنضيء شوارعنا.. سنعيش رمضان.. سنفرّح صغيرنا.. ونبشّر كبيرنا.. ونكرم يتيمنا.. ونطعم جائعنا.. ونَجْبُر مكسورنا.. ونرحم ضعيفنا.. ونقسِم رغيفَنا.. ونؤدّي زكاتنا.. ونصلّي تراويحنا وقيامنا.. ونتلو قرآننا.. ونلتمس ليلتنا.. ونتعلم ديننا.. ونحيي سنننا.. وننصر شريعتنا.. ونعظّم شعائرنا.. وندعو ونرجو ربنا.. وسنفتح أيدينا وقلوبنا للبِرّ، حبًّا بالخير، رجاء أجْر الشُّكر منَ الله البَرّ… وسنملأ الدنيا أملًا ورجاءً وبُشرى..
سيجمعنا رمضان.. بعون الله..
ستنزل دموعنا ويتوحَّد دعاؤنا عند استقبال هلاله: اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربُّنا وربُّك الله..
سيتبرع أحدنا ليكون الطبّال، ويسير في شوارعنا، ويذكر الله ويذكّرنا.. لن يوقظنا.. سنسهر ونتسحر..
وسيتوحّد دعاؤنا من جديد عند الإفطار.: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، اللهم ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر، إن شاء الله..
*سيجمعنا رمضان.. ولن يخيب ظنُّنا بقُرب رحمة الله.. *
اشتقنا لرمضان.. لعلّ الفرَج به ومعه.. ستُفتّح الجنان، وتُغلّق النيران، ويُكبّل الشيطان.. ستعم الرحمات، وتنزل البركات، وتعظم الخيرات..
سَيُلْهِم اللهُ أحدَهم دواء الداء.. ويجعله سببًا لعاجل الشفاء.. فالله يبتلي ويُعين.. أرحم الراحمين.. أكرم الأكرمين.. أعدل العادلين.. ولكن هل اعتبر الخَلْق؟ هل تاب العقلاء؟ هل ندموا على ما فرّطوا؟ هل وصل إنذار التخويف.. بسبب كثرة الكفر، واستفحال الحرام، وشيوع الفواحش، واستحلال المنكرات، وقلة المُؤاساة والمؤاخاة والرحمات؟! وهو – واللهِ – في زمن التقانة المتطورة، وغَزْو الفضاء، وسَبْر المحيطات، وتشطير الذرّة، وتقارب المسافات بالاتصالات… (من خلال مخلوق لا يُرى بالعين المجردة) إنذارٌ أشدُّ وأعظم وأكبر وأبلغ من.. حرب عالمية ثالثة، وقنابل جرثومية وكيميائية وذرية.. ومن أعنف هزّة بمقياس “ريختر” (10 درجات)، و”تسونامي” بأمواج كالجبال، وانهيارات ثلجية، وفيضانات نهرية، وانشقاق أرضي كبير ، وانخساف عميق، وزلزال خطير، وانفجار بركان بحُمَمه، وعاصفة هوجاء، وزوبعة مخيفة، وإعصار مدمّر، وحريق يأكل الأخضر واليابس، وارتطام نيزك… فهل اعتبرتم أيها المحجورون المحجوزون المحبوسون المسجونون في بيوتاتكم.. وما تزالون… وأرض الله واسعة؟! أو ماذا بعدُ تنتظرون؟! إنها أمارات اقتراب الساعة الموعودة.. وأقرب منها الموت.
سيجمعنا رمضان… بفضل الله.. ولن تفرّقنا دُنيا دَنيّة زائلة باطلة..
كُتبت بمداد دموع حَرَّى في جوف ليل دامس.. تفتّش عن هلال الخلاص.
- الشيخ الدكتور أسامة شعبان/ دكتور في اللغة العربية وفي الشريعة واستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية واللبنانية الدولية.