حتى بعد كورونا… سيبقى في نفوسٍ ما يُشبِهُهُ بل وأخطر
الشيخ عبد القادر فاكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”
سأضعُ قلمي جانبي وأتوقفُ عن الكتابة عن كورونا فقد بدأتُ أخشى أن أقعَ في قبضته… أريدُ أن أخلصَ منه… سبق أن قلتُ “أشعرُ أنني في سباقٍ معه للوصول إلى خط النهاية، أيسبقُني أم أسبقُه، أيفوزُ هو أم أفوز”… وها أنا ذا أغادرُ المضمارَ غيرَ منهزم… دخلتُه بإرادتي وخرجتُ بإرادتي… أدركتُ أن خطَّ الوصول في هذا السباقِ غيرُ معلوم… وأيقنتُ أن السباق ينبغي أن يكون مع نفسي… ما لي ولكورونا سأدعُه وشأنَه محترِزا آخذا بالأسباب… ولن أتركَه يجرُّني إليه ويوقعُني في أسرِه…
كم أخشى أن يصيبَنا كورونا بالتَّوَحُّدِ أو ما يُشبِهُه أو أن نعتادَ على الانعزالِ فننعزلَ عن واقعِنا وأهلِنا وأحبابِنا… أن نصرفَ وجوهَنا عمّن أحبّونا وصدَقوا معنا وكانوا نِعمَ الصديق ونِعمَ الرفيق… أن نتخلى عن الآخرين… أن نقعَ في قبضةِ هذا المرضِ فنصبحَ مرضى في نفوسِنا حتى بعد رحيله!!!…
قبل كورونا كنتُ أحبُّ أحفادي حبا جما مع أنني كنتُ أراهم دوما… واليومَ صرتُ أعشقُهم ولا أراهم إلا قليلا… صرتُ أزورُهم تسللا ولوقتٍ قليل… صار حفيدي محمد صالح يقولُ لي ببراءة: “جدو” لا أستطيعُ أن آتيَ لزيارتِكم بسبب كورونا!!!”… إلى متى سيبقى كورونا في ذاكرتِه وذاكرةِ النشءِ الصغير… بل وفي ذكراتِنا نحن الكبار الذين اعتاد كثيرٌ منا ابتكارَ ذرائعَ واهيةٍ وكلامٍ مُنمّقٍ للتهرب من تحملِ المسؤوليةِ وفعلِ الخير… ماذا سنقولُ بعد كورونا؟؟؟…
أما ابني المسافرُ الذي اشتقتُ له كذلك، كما اشتاق الناسُ لأبنائهم المغتربين عن بلادهم التي لم تحتضنهم، فهو كما نحنُ في عُزلةِ بيتِه في بلدٍ من بلادِ الغرب التي تملكُ أسبابَ القوةِ والنفوذِ وشنِّ الحروبٍ ولم تملكْ حتى الآن وسيلةً مجرّبةً لمكافحة فيروس أفرغ شوارعَهم ومدنَهم وجعلها خاويةً على عروشِها… غريبٌ هذا الزمنُ الذي يصبح فيه الناسُ في قريةٍ إفريقيةٍ أو آسيويةٍ صغيرةٍ خائفين كما حالُ الناسِ في مدنِ ناطحاتِ السحاب… المستعمِرُ والمستعمَرُ سواءٌ في القلق… مديرو البورصاتِ العالميةِ وأصحابُ شركاتِ ما وراءَ البحار منعزلون كما أفقرُ فقراءِ العالم… إلا أن هؤلاءِ ما زالوا يملأونَ بطونَهم أما هؤلاءِ فكانوا وما زالوا لا يجدون ما يَقتاتون به!!!…
أكررُ سؤالي: لماذا يتكبّرُ المتكبرون؟!! لماذا لا يحنّ المترفون؟!! لماذا تقسو القلوبُ وتتحجَّرُ النفوس؟!! لماذا نتعلقُ بالقصور والبروج وهي ليست بمانعتِنا عن زلزالٍ يزلزلُ ارضَنا أو إعصارٍ يطمرُنا تحت المياه؟!!
مقالي اليومَ أقصرُ من ذي قَبل… وأوقفُ الكتابة الآن قبل أن يَجرَّني كورونا من جديد…
قيل ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأمل…
وأقول ما أضيقَ الأمل بالأحسن بوجودِ كثيرٍ مما يُشْبِهُ كورونا في نفوسِنا…
حتى بعد رحيلِ كورونا سيبقى في نفوسٍ كثيرةٍ ما يُشْبِهُ كورونا بل وأخطرُ منه بكثير.