يحدّثونك عن كورونا… أرجوكم حدّثُوا أنفسَكم
عبد القادر فاكهاني/مسوؤل اعلام “المشاريع”
بات اسمُ كورونا نجمَ السهراتِ والمنتدياتِ ومالىءَ الدنيا وشاغلَ الناس ورفيقَنا في الليل والنهار ومن أكثرِ الكلماتِ تداولًا في جميع أرجاء المعمورة… وطغى على أسماءِ كثيرٍ من المشاهير الذين باتوا اليومَ كآحادِ الناس منعزلين في بيوتهم بعيدين عن أضواء الشهرة… لا كاميراتٌ ولا استديوهاتٌ ولا ملاعبُ ولا تسلقٌ على ظهور الناس… وقَلّتِ الإطلالاتُ التلفزيونيةُ السياسيةُ وغيرُها التي كنا نشاهدُ فيها ونسمعُ بطولاتٍ عنتريةً وقصصًا وهميةً ووعودًا مستقبلية و”جعجعةً” وكلامًا وشعاراتٍ رنّانةً في السعي للإصلاحِ والنهوضِ الاقتصادي وخدمةِ الناس وتحقيقِ آمالِهم وتطلعاتهم!!!…
قبل جائحة كورونا كان رائجًا استعمالُ الأقنعةِ وأساليبِ تخديرِ العقول وعملياتُ ومساحيقُ التجميل للرجال والنساء… أما في بيوتنا الآن فقد سقطتِ الأقنعةُ والمساحيق… أمامَنا المِرآةُ التي تُظهِرُنا كما نحن… وأمامَنا واقعُنا حيث في الغالب لا التباسَ ولا تزويرَ ولا طمسَ للحقائق… في بيوتِنا لن نقدِرَ أن نتجبّرَ على الناس إلا إذا كنا متجبرين حتى على أزواجنا وأولادنا!!!…
لم أكن في الماضي من هواة النظر في المِرآة… أما هذه الأيام فبتّ أراها وتراني كلَّ يوم… أنظرُ إليها فأجد نفسي كما أنا… لا قناعَ… سقط القناع… وتنظر هي إلي وكأنها تقول لي: هذا أنت فلا تخدعنَّ نفسَك ولا تخدع الآخرين!!!…
بمكوثِنا في بيوتنا قلّ تواصلُنا مع الناس… قلّ الكلامُ وقلّ الكذبُ وقلّ الخداع… انخفض منسوبُ الغيبةِ والنميمةِ والبهتان… ليس لأن كثيرا منا من غير هواةِ هذه الممارساتِ بل لأنهم لا يلتقون بالناس إلا قليلًا فلا يلتقطون أخبارَهم ولا يتتبّعون عوراتِهم كما كانوا يفعلون… بعضُنا اشتاق للخروجِ من البيت من أجل تحصيلِ أمرِ معيشتِه… وبعضُنا شوقًا للأرحامِ والأقاربِ والأصدقاء… وبعضُنا حنّ للصخبِ والقيلِ والقالِ وكشفِ المستورِ والتلصصِ على الناسِ وتتبعِ مشاكلِهم وزيادةِ همومِهم…
ونحن في بيوتنا قد يغيبُ عن بالنا متألمون منكوبون بأمراض أخرى… ماذا عن مرضى السرطانِ والتلاسيميا والسيدا والقلبِ والضغطِ والأعصاب.. تُرى ماذا يفعلُ المحتاجون لغسلِ الكلى مراتٍ كلَّ أسبوع… ماذا يفعلُ المصابون بأمراضٍ شديدةٍ ومزمنةٍ تتطلبُ الأدويةَ الباهظةَ الثمنِ والعنايةَ الطبيةَ والمراقبةَ الحثيثة… ماذا عن الأطفالِ المرضى حديثي الولادة… بل وماذا عن العجائزِ في غرفٍ مُعْتمةٍ أو دورِ رعايةٍ يعيشون منذ سنوات ما يُشبهُ قصتَنا مع كورونا اليوم… وكذلك حالُ الأيتامِ الذين لا كافلَ لهم والأراملِ الذين لا يجدون معيلًا… ماذا عن الفقراءِ اللائذين بالصمت… هذه أمورٌ لا نجدُها في المِرآة… هذه أحاسيس لا تُخبِرُنا عنها جماداتٌ صماءُ بل نفوسُنا إن صَحَتْ ووَعَتْ… يمكننا إدراكُها قبل النوم حين يحلُّ الظلام… أو حين نفكّرُ في حالنا… ألا يرغبُ أحدُنا حين يصبحُ يوما كهؤلاءِ بِلمسةِ حنان… ألا يحتاجُ حين يصيرُ عجوزًا إلى من يتفقدُه ويسألُ عنه… وإذا افتقر إلى من يعينُه على مصاعبِ الحياة…
في ظلّ جائحةِ كورونا كم يحتاجُ كاتبُ هذا المقالِ إلى أن ينظرَ في نفسه ويحدّثَها أكثرَ من الحديثِ عن كورونا والنظرِ في المِرآة.. النفسُ تكشِفُ لك أسرارَك إن كنت صادقًا معها… المِرآةُ مجرد شىءٍ جامد… أما النفسُ فشىءٌ آخر…
النَّفْس في كلام العرب على ضربين أَحدهما كقولِك: خرجَتْ نَفْسُ فلانٍ، أَي رُوحُه، والآخر كقولِك: في نفسِ فلانٍ أَن يفعلَ كذا وكذا، أَي في رُوعِه… ليكنْ في رُوعِك أن تفكّرَ بأمر الناس كما تفكّرُ في أمرك أو على الأقل فكّرْ بهم عُشْرَ هذا المقدار.
لقد كثُر الحديثُ عن كورونا… أرجوكم فلنحدّث أنفسنا قبل أن نفقِدَها.