إلى المسيح المصلوب
ايها المسيح المصلوب المعلق على خشبة القيامة…
اغسل بدمك الطاهر آثامي…
ولتكن جراحاتك كفارة عن ذنوبي…
ها اني اجثو خاشعا أمام عظمة شهادتك…
تبلل الدموع وجنتي…
ويخفق فؤادي بنبض فدائك…
انت الذي سرت مكللا بالشوك…
منه ضفرت اكليل المغفرة…
وقطعت جلجلة آلالام حافي القدمين…
فتلبّدت غيوم السماء مخضوبة بشهب النار…
وبان وجهك المنهك مثقلا بمرارة العذاب…
صافحا عن جلاديك الذين طعنوك برمح الخطيئة…
وسقوك خلا معتصرًا من عناقيد الحقد…
لم يتعبوا…لم تستكن سياطهم…
ولم تتوقف أنت عن مناجاة ربّك…
تزرع الحب، توزعه…تغدقه …
ولا تفرّق…
اتسع قلبك لصالبيك الذين عيّروك…
وحاولوا الباسك الخزي والعار…
فأدركتهم الرعدة، وانكفأوا…أمام ثورة الضمير.. التي تبركنت…
وقذفت حممها في وجوههم …
إنهم فريسيو ذاك الزمن…
الذين أسلموك كالشاة المساقة إلى الذبح …
وعلى ثيابك اقترعوا…
ولم يفقهوا سر مجدك…
ولم يبلغوا ذرى عظمتك…
أيها الإله المتأنّس، الذي جعلت الحب زادك…
وحملت العطاء أيقونة…وقربانة…استودعت عصارة التضحية: خبزًا وخمرًا… وماء زلالا يرده العطاش إلى رحمتك…
أيها الناصري
الغائص في حزن مريم ودمعها….
المرتسم على منديل فيرونيكا…
المستجير بكتف القيرواني..
الذي مشى إلى جوارك…بعدما أنكرك بطرس ثلاثًا قبل صباح الديك …
المزروع ندمًا ووجعًا في وجدان بيلاطس…
الذي لم تفلح كل مياه التوبة في غسل يديه من إثم تسليمك إلى لصوص الهيكل…
إرحم ضعفي…وامحُ معاصي… وأمسح بكفك الرؤوم غبارة الذل عن جبيني المتعب…
أيها المصلوب
أعطني أن اصفح لمن أساء إلي …
وأن أحب من تربّص بي شرًّا…
وأن أكون عونًا لمن حجب عني يدًا رفيقة…
وأن ابذل ذاتي عن قريبي والبعيد …
وأن تكون لي شجاعة العفّ عن الانتقام…
وهبني القدرة على الاتحاد بآلامك …
لاستطيع تذوق حلاوات القيامة …
مدّني بأسباب القوة المعنوية لامتلك فضيلة الخدمة …
والانحياز إلى هؤلاء الصغار الذين اصطفيتهم، وأفردت لهم مكانًا في فؤادك الذي اتسع …واتسع حتى غمرت سنابل حنانه بيادر الكون.
أيها الناصري
المؤتزر بالمجد…المكلّل بغار القيامة …
دحرج الصخر عن قبرك … في كل يوم. بل في كل ساعة ودقيقة وثانية…ألست معنا حتى منتهى الدهر؟
واحمل إلينا زنابق الفضيلة…
حررنا من عبودية الأنا…
وارسم بدمك والعرق طريق الفجر الجديد …
إننا في مسيس الحاجة إلى قيامة مختلفة…
تحطم كؤوس كبريائنا…تحيلها نثارًا… قبل إعادة صوغها بأحرف هدايتك…
لكي نستحق مواعيدك…ونستحق أن نحمل اسمك…
وأن نخرج من وثنيتنا المسرفة…
فلا نكتفي برسم شارة الصليب…
بل بعيش روحانية هذه العلاقة التي تحملنا إلى رحاب قدسك
احملني في طي ردائك المصبوغ بارجوان كلومك…إلى إلارض المقدسة …التي شهدت ملحمة معاناتك قبل أن ينبلج فجر القيامة…
أيها الثائر الذي لم ينتضِ سيفا… ولم ينطق بطلا … غيرت وجه التاريخ وأبجدت عظاتك في جبل الزيتون إنجيل الخلاص بكلمات محيية..
تبلى الأيام والسنون… ولا تبلى …بل ستبقى مركونة في الضمائر النتنة… والقلوب المحنّطة…مرسلة هدير الندامة في نفوس أصحابها اليوضاسيين الذين يفوقون أشجار التين عدا …
تطل من كوة الزمن كسحابة تندى …كزهر معطّر بشميم التواضع … كخيوط الشمس التي توزع نورها بسخاء…على كل مستحق وغير مستحق…
هامتك المنحنية فوق الصليب… أكثر شموخا من هامات الملوك والسلاطين … وجروحك الخمسة المتدفقة ينبوع نازف يروي الظمأى إلى سلاف الحياة …
حطمت بارتقائك سيوف الطغاة…فاندحروا…
وانتصرت بصليبك قاهرا ألموت، مجسّدًا ثنائية الشهادة والقيامة…
اغفر لنا خطايانا …
واقبل توبتنا…
وارحمنا…
واجعلنا اهلا لبنوّتك…
يا يسوع المصلوب
أغرقنا بطوفان رحمتك …
وأرسل حمامة رجائك…
لترشد مراكبنا الضالة…
إلى مينائك الخلاصي.