الحقيـقة الـمُرَّة
د. علي رفعت مهدي/ خاص takarir.net
زميلاتي زملائي الأحبة
أبنائي طــــلاَّب لبنان … كل لبنان …
لن أكون مثاليَّا … ولن أكون خياليا … لا واهِما ولا مستوهِما …
ببساطة لأنني أعيش في لبنان !!!!
حيث ننام على ازمة ونصحو على أزمات …
نصحو على الكثير من الإدِّعاءات … والأباطيل … والتُّـــرهات والسخافات والأفكار(الخنفشارية) الإرتجالية وكأنَّ الذين يتسنَّمون مراكز السلطة في بلداننا وأوطاننا يعيشون خارج التاريخ والجغرافيا والمنطق والمعرفة بوقائع الأمور والمشكلات على الأرض …
من هؤلاء المسؤولين أذكر الذين تداوروا على مسؤولية الوضع التربوي التعليمي في لبنان …
هل يعلم هؤلاء أننا ومنذ استقلال لبنان ، لا بل منذ إعلان دولة لبنان الكبير، لم يدرس ابناء لبنان منهجًا واحدًا واضحًا محدَّدًا يجعل منهم مواطنين ملتزمين كل قيم المواطنية الحقّ في وطنهم ؟
هل يعلمُ هؤلاء أن الكثير من أبنائنا الطلاَّب هم أبناء عائلات فقيرة في واقعها المعيشي المادي _ ونحن منها _ ولكنها غنيَّة جدًا … جدًّا في حرصها على تعليم أبنائها بدموع الأعين … ودماء القلب والروح ؟؟ بينما كل اهل الملك والسلطة لم يجلس فردٌ من أبنائهم على طاولة مؤسَّسة رسميَّة تربوية في لبنان ، حتَّى يدرِكَ معاناتنا ؟؟
هل يدلُّنا هؤلاء على برنامجٍ تربويِّ ، تثقيفيٍّ ، تعليميٍّ ، يهدف الى تنوير طلاَّبنا وأبنائنا وإرشادهم وتوجيههم _ قدمته المحطات الإعلاميَّـــة اللبنانية _على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة على أقل تقدير ؟؟ بينما معظم الدول المحيطة بنا كانت تفرد محطَّات خاصة لتقديم البرامج والمناهج التعليمية التربوية .
هل يؤمن هـــؤلاء ويعتقدون أنَّ ما يقرِّرونه من توصيات في هذا الزمن العصيب الخؤون الضيق المهزوم هي السبل الناجعة للخروج من متاهات ودهاليز الأنفاق التي دخلها ابناؤنا _ منذ السابع عشر من تشرين الأول _ بدء موسم التعطيل للمؤسسات التربوية في الكثير من المناطق والمحافظات اللبنانية ، ما يدل على أن هذا العام الدراسي منـــذ انطلاقتِـــه كان إستثنائيا ، عصيبا ، وأكاد أقول فوضويَّـــًا .. ؟؟
هل يعي هـــــؤلاء أننا ندعو الله هذه الأيام ( الكورونيَّة ) مع كل بيتٍ في لبنان ، كلِّ عائلةٍ ، كلِّ بيئةٍ أن نبقى من الأحياء وعلى قيد الحياة ، ثمَّ نــــفكِّر بالمقبل من الأيام ، ونحن نرى الجنائز بالآلاف في العالم .
هل غاب عن بال هــــــؤلاء أن كل دول العالم المتطورة والمتقِّدمة والمتحضِّرة ومنها من أخذنا عنها البرامج والمناهج التعليمية منذ خمسةٍ وعشــرين عاما دون تعديل حرف حتى اللحظة ، هذه الدول قد أقفلت جامعاتها ومدارسها ودور حضانتها ممَّا سيترك بدء العام الدراسي التعليمي الجديد في مهب الريح وهو ما يعـــيق ويقف حاجزا أمام هدف طلابنا من إنهاء عامهم لتقديم أوراقهم ومتابعة دراساتهم العليا في بلدان العالم التي يجتاحها وباء كورونا … وها أبناؤنا يعودون منها سريعا وسراعًا … كأنهم فَراش منتشر ؟؟؟؟
قلتُ لن أكون مثاليًّا …
ولن أكون متشائما … أومتشائلا … أو واعظًا … او متفيقهًا …
لكنَّني سأكون صريحًا في ذكر وقائع الحقيقة المرة …
الحقيقة التي اوجبت على اولادنا الحجر المنزلي … وهل من هؤلاء الذين يعيشون في ابراجهم العاجية من جرَّب حجز حريَّة ابناء الطبقات الفقيرة العاملة يوميًّا لتحصيل قوتها … والتي من خلال تحسُّس ِ معاناتها ننــــاشد كل المعنيين ، المسؤولين ، المهتمِّين أن يأخذوا بعين الإعتبار الحالات النفسية والإجتماعية والمادية التي يعيشها مجتمعنا اللبناني ، وهو قبل استفحال ( الوباء الكوروني ) كان يقف طوابير للحصول على معاشه أو بعض ما آدَّخــــــره لهذه الأيام السوداء النكراء الحدباء الشوهاء .. فالوقت ليس للتنظير … والتَّعلُّم عن بعــد _ لاسيما في بيئات الفقراء ، وما أكثرهم _ لن يجدي نفعًا ، ولن يقدِّم شيئًا ، وإنما سيكون على قاعدة أننا نزعنا المسؤوليات عن كواهلنا ورميناها على الآخرين الذين _ وجلُّهم _ لا ناقة لهم ولا جمل ، ولا يميِّزون بين النَّاقةِ والجمل _ في كلِّ هذه المعمة ِ المستجدَّة علينا والتي لم يعشها أجدادنا ولا أباؤنا ولا جيلنا … وأنا ممن لن يعملوا لتوريث أبنائنا كل أزماتنا وسخافات سياسة سلطاتنا في كلِّ ميادينها السياسية والعلمية والتربوية والإقتصادية والأخلاقية والإجتماعيَّة ….
أيها المســــــؤولون !!!!
أيُّــــها الجالسون في الصفوف الأمـــامية في المؤتمرات الصحفيِّة ، الــــمحلِّلون ، العباقـــــــرة ، المتمنطقون ، فكِّروا في ما ينقِذ واقعنا ، حياتنا ، وجودنا ، وينقذ امننا … أمننا الصحي والغذائي والإجتماعي والسياسي والثقافي والمعرفي والتربوي في الزَّمن الذي يجتاحنا فيه القلق على الوجود ، وتجتاحنا الموبقات والأمراض والأوبئة القاتلة ، المميتة … كي نجلس بهدوء مع ابنائنا ونطلب منهم أن يعملوا على استئناف مسيرة عقولهم التربوية والتعليمية لانقاذ العام الدراسي …
اللهمّ آشهد أنّني قد بلّغت …!!!