الكتلة الوطنية: لا لتسديد اليوروبوندز
أكد الأمين العام ل”الكتلة الوطنية” بيار عيسى خلال مؤتمر صحافي في مقر الكتلة اليوم، “أن لبنان بحاجة لإعادة هيكلة لدينه العام وليس لإعادة جدولة، فيما عدد عضو اللجنة التنفيذية في الكتلة النائب السابق روبير فاضل 7 أسباب توجب الامتناع عن تسديد استحقاقات ال”يوروبوندز” ولاسيما ضرورة الحرص على ألا يأتي حل الأزمة على حساب المودعين، وضرورة إعطاء الأولوية لتوظيف إحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة في تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من قمح ونفط وأدوية وغيرها.
المؤتمر الصحافي الذي تزامن مع إنعقاد جلسة مجلس الوزراء حضره ممثلون عن حزب الكتائب والحزب الشيوعي، “بيروت مدينتي”، “المرصد الشعبي”، “تحالف وطني”، “لحقّي”،”عاميّة 17 تشرين”، “مجموعة القنطاري”، و”لبنان عن جديد”.
وقال عيسى: “إن سندات اليوروبوندز هي بالمختصر دين الدولة بالعملة الأجنبية والسؤال المطروح اليوم هو هل لبنان سيدفع أو لا استحقاق 9 آذار منها؟ ومن يطالب بدفع هذا الإستحقاق يختبىء وراء مصداقية لبنان، ولكن هذه المصداقية مرغت بالتراب منذ 30 عاما، والذل الذي يقاسيه المواطنون على أبواب المصارف ليقبضوا حفنة من الدولارات من أساس أجورهم يعني أن استرداد المصداقية لن يتم إلا عبر إصلاحات جدية والسؤال هو ليس إذا ندفع أو لا إنما هل نجري إصلاحات أو لا، وإذا قررنا أن نقوم بإصلاحات فأي منها ومن يقوم بها ومتى”.
أضاف: “كثر يتحدثون اليوم، بعد أن رأوا أن عدم تسديد استحقاقات ال”يوروبوندز” أصبح حتميا، عن إعادة جدولة الدين أي أن نؤجل الإستحقاقات في حين أن لبنان بحاجة لإعادة هيكلة الدين أي أن نخفض أصل الدين وقيمته الكاملة”.
4 ازمات
أشار إلى “أن كل ذلك يتطلب خطة إنقاذية، وكلنا نتحدث عن أزمة واحدة، ولكن في الواقع لدينا 4 أزمات، هي أولا أزمة اقتصادية تقوم على العبور من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج للثروات ولفرص العمل”. ولفت إلى “أن هناك الأزمة المالية التي تقوم على العجز في الدولة المستمر سنة بعد أخرى، فإذا اعتبرنا الدولة شركة وهي تخسر كل سنة قيمة العجز ولديها مجلس إدارة ومدير وكل سنة تخسر، فالمسؤولية هنا مشتركة ولكنها تقع أيضا علينا كشعب لأننا بقينا نجدد لمجلس الإدارة هذا ولهذا المدير”.
وأضاف: “هناك الأزمة النقدية العارمة حاليا بسبب فقدان العملة الصعبة في البلد عموما ولدى الدولة خصوصا. ونتج عن هذه الأزمات الثلاث أزمة اجتماعية كبيرة وهي ما زالت في بدايتها. إن سبب كل ذلك هو نموذج اقتصادي غير مستدام أي أن لدينا دولة تنفق أكثر بكثير من وارداتها فنقع في العجز، وكذلك نحن بلد يستورد أكثر بكثير مما يصدر أي أنه يدفع عملة صعبة أكثر بكثير مما يدخلها إلى البلد، وهذا الأمر كنا نعالجه عبر الاستدانة وأموال المغتربين، ولكن هذه الأموال هي كذلك دين لأنهم يودعون أموالهم مقابل فائدة وشرط استردادها واليوم حجزت المصارف أموالهم”.
واعتبر عيسى “أن هذا النموذج الاقتصادي لا يمكن أن يستمر ويجب تغييره ليصبح قائما على الاستثمار وعلى الإنتاجية”.
وعن وضع خطة للأزمات قال عيسى: “إنها تقوم على قرارات ولاتخاذ القرارات يجب توافر أمرين: أولا المعلومات وثانيا معرفة أسباب الأزمة وإلا ستقتصر معالجتنا على ظواهر الأزمة”.
ولفت إلى “أن المعلومات غير متوافرة لأنه هناك سياسة الدولة والمصرف المركزي قائمة على التعتيم فليس بمقدورنا أن نعرف ما هي الأرقام لجهة احتياطي مصرف لبنان والربح والخسارة لديه وقطع حساب الدولة التي تقر موازنات من دونه، في حين أن وضع الخطة يتطلب شفافية كاملة كي تكون فعالة”.
اضاف:”أما لجهة تحديد أسباب الأزمة فهي اثنتان: سياستنا الخارجية المتناقضة بالكامل مع النموذج الاقتصادي لدينا الذي يعتمد على التبادل مع الغرب ودول الخليج، أما السبب الثاني فهو سوء الإدارة الذي يرتكز على العلل الخمس من طائفية وزبائنية وفساد وإقطاع سياسي وتبعية للخارج”.
وذكر عيسى بما قاله النائب جميل السيد: “لقد قال النائب السيد بصريح العبارة إن التسوية التي توافق عليها كل أحزاب السلطة والتي أوصلتنا إلى هنا عبارة عن كلمتين “لكم فسادكم ولنا سلاحنا”، أي السياسة الخارجية والنموذج الاقتصادي المبني على الفساد والزبائنية والاثنين لا يبنيان أوطانا وهذه التسوية لا تحل المشكلة إنما على العكس هي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم”.
وعن المسؤوليات قال: “إنها تقع على الجميع ولكن خصوصا على أحزاب السلطة التي منذ 30 عاما ما زالت متربعة عليها وتحتكرها، وعلى المصرف المركزي وعلى قطاع المصارف أيضا”.
صمت مشكوك في امره
وتابع: “الحكومة اللبنانية تجتمع في هذه الأثناء وقصدنا أن نعقد المؤتمر الصحافي بالتزامن معه لأن مجلس الوزراء المدعوم من معظم أحزاب السلطة التي حضرت جلسة الثقة وإن لم تمنحه إياها، وهو كان عالما بوجود استحقاق 9 آذار ولم نسمع من أحد أي خطة أو رؤية أو تصريح، لا قبل الاستقالة ولا بعدها ولا قبل التكليف ولا بعده ولا قبل التشكيل ولا بعده”.
أضاف: “أستغرب كيف يمكننا أن نؤمّن لهم وكيف يمكن أن يثقوا ببعضهم بعضا؛ فكل الأحزاب سواء الداعمة للحكومة أو التي خرجت منها تحاول تصوير نفسها في المعارضة ليتنصلوا من المسؤولية على غرار الرئيس فؤاد السنيورة الذي يقول لا يجب أن ندفع، فهل معنى ذلك أننا لا يجب أن ندفع الدين الذي وقع عليه بنفسه والذي قبل به بفوائد ضخمة لتمويل الفساد والزبائنية والمحاصصة، فهذا الأمر لا يبرئ الرئيس السنيورة ولا شركاءه، وفي المقابل نرى “التيار الوطني الحر” يدعو إلى تظاهرة أمام المصرف المركزي متناسيا أنه من جدد لحاكمه وإن كان ينتقده وهو استفاد من بعض الهندسات المالية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
وقال: سرقونا وسرقوا أموالنا عبر ألاعيبهم والقوانين الانتخابية الموضوعة على قياسهم واليوم يحاولون سرقة الثورة ولكن هذه التصرفات لن تمر والناس جاعت وأصبحت ترى الحقيقة، فالمعارضة الوحيدة والحقيقية هي الموجودة في الشارع وفقط في الشارع وهي الناس”.
وأردف: “اليوم أصبح عندنا أحزاب السلطة والأحزاب – الطوائف والقطاع المصرفي من جهة، والناس في الجهة الأخرى، ولا أحد يدعي من الموجودين في مجلس النواب وفي الحكومة والإدارات بأنه في المعارضة، وبالنتيجة كل شيء يبدأ بإصلاحات حقيقية وبنيوية”.
فاضل
وأوضح فاضل أن “الحكومات تصدر سندات حين تحتاج إلى اقتراض مبالغ كبيرة من المال لتمويل العجز في موازناتها والسندات لها تاريخ استحقاق، وهذا يعني أنه في تاريخ ما، يتعين على الحكومات المستدينة أن تسدد قيمة السندات للمستثمرين وبالإضافة تدفع الحكومات للمستثمرين فوائد دورية إلى حين استحقاق تاريخ السندات”. ولفت إلى أنه “بالنسبة إلى اليوروبوندز، فهي سندات دين محررة بعملة أجنبية غير العملة المحلية للبلد الذي أصدرها”.
وذكر أن “الحكومات اللبنانية المتعاقبة امتهنت منذ ثلاثين عاما سياسة الاستيدان المفرط غير المحسوب والذي أوصل البلد إلى الإنهيار المالي والإقتصادي، والذي تتوزع مسؤوليته بين السلطة السياسية، المصرف المركزي والمصارف التجارية”.
وأشار إلى أن “هذا الملف مصيري وحيوي لعدد كبير من اللبنانيين حيث إن دفع استحقاقات الدين سيأتي على حساب قوت وصحة الشعب اللبناني، وأن المماطلة وغياب الشفافية تبقيان سمة السلطة السياسية والقطاع المصرفي وهذا يشكل عاملا إضافيا لانعدام الثقة بهما”.
وتناول المسؤولية عن الأزمة القائمة محملا إياها لكل من أحزاب السلطة والحكومة والمصرف المركزي والمصارف التجارية. ولجهة مسؤولية أحزاب السلطة والحكومة، قال: “إن المماطلة في التكليف ومن ثم التأليف، على الرغم من الإستحقاقات المالية في 9 آذار 2020 ومن الأزمات العاصفة بالبلاد، عرض الشعب اللبناني لمخاطر إضافية متقدمة تهدد حياتهم اليومية”.
أما لجهة مسؤولية مصرف لبنان، قال: “يتابع المصرف المركزي سياسة الهروب إلى الأمام والتغطية على الإخفاقات الاقتصادية والمالية التي يتحمل مسؤوليتها بالتكافل والتضامن مع السلطة، ويتعمد تعتيم حساباته للربح والخسارة وعلى تفاصيل ميزانيته وبالأخص على أرقام احتياطه بالعملات الصعبة والتزاماته الخارجية، ما يشكل عائقا أساسيا لوضع خطة إنقاذ على مستوى خطورة الأزمة الحالية”.
ومن ناحية مسؤولية المصارف التجارية، لفت إلى أنه “على الرغم من أنها حققت أرباحا طائلة من جراء تحصيلها الفوائد على الدين العام منذ 30 عاما، فهي ما زالت تتصرف اليوم بمنطق تجاري بحت تغيب عنه المسؤولية الوطنية. فقيام بعض المصارف التجارية اللبنانية ببيع اليوروبوندز في الأسواق المالية العالمية خلال الأسابيع الأخيرة يعقد مفاوضات إعادة هيكلة الدين بين الدولة اللبنانية والدائنين، ويضعف القدرة التفاوضية للبنان”.
وتابع: “لذا تؤكد الكتلة الوطنية والمجموعات الحاضرة أن لا ثقة بالسلطة السياسية وحكومتها، وأن استبدالها بحكومة سيادية مشكلة من وزراء قادرين ومستقلين وأسياد نفسهم هو الشرط الأساس للقيام بالإصلاحات المطلوبة لنجاح عملية إعادة هيكلة الدين العام”.
7 نقاط
وعن الأسباب الموجبة للامتناع عن دفع اليوروبوندز، عدد فاضل 7 نقاط هي الآتية:
1 – لا تملك الدولة اللبنانية الأموال الكافية لتسديد ال”يوروبوندز” المستحقة في 9 آذار 2020 والاستحقاقات اللاحقة.
2 – قد استعانت الدولة في السابق بالمصرف المركزي لتغطية عجزها عن سداد ديونها المستحقة، غير أن هذا الطرح مرفوض حاليا نظرا إلى تضاؤل إحتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية.
3 – ضرورة الحرص على ألا يأتي حل الأزمة على حساب المودعين، وخصوصا الصغار منهم، الذين وظفت المصارف ودائعهم في المصرف المركزي، حيث تبلغ قيمة مستحقات ال”يوروبوندز” حوالى 4.5 مليار دولار في العام 2020، أي ما يعادل ودائع 2 مليون لبناني. ويجدر الذكر هنا، أن القوانين تحفظ الأولوية للمودعين على حساب حقوق حاملي السندات.
4 – ضرورة إعطاء الأولوية لتوظيف إحتياطي مصرف لبنان بالعملات الصعبة في تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من قمح ومحروقات وأدوية وغيرها، والتي تقدر قيمتها بين 5 و7 مليارات دولار سنويا.
5 – عدم توفر العملات الصعبة سيكون له نتائج كارثية على النشاطات التجارية والصناعية والزراعية وسيؤدي إلى موجة جديدة من الصرف من العمل لاسيما أن ما يقارب 220 ألف لبناني سبق أن خسروا وظائفهم في القطاع الخاص حسب إحصاءات “Infopro”.
6 – إن الدائنين اليوم على علم بواقع لبنان المالي وبالتالي هم يتوقعون إعادة هيكلة الدين العام، خصوصا على ضوء إنخفاض قيمة اليوروبوندز حتى 30% من قيمتها الإسمية. بما أن لبنان يملك كمية محدودة من العملات الصعبة، فإن كل سند يسدده يزيد من فرص عدم سداد الاستحقاق التالي، مما يجعله أكثر عرضة للصناديق التضاربية الشرسة ويضاعف المشكلة في المستقبل، لأنه يحفز حاملي سندات ال”يوروبوندز” التي تستحق لاحقا على بيع سنداتها.
7 – إن التخلف عن الدفع وفي حال تم التعامل معه بجدية وضمن خطة إصلاحية، لن يكون عائقا أمام إستعادة لبنان قدرته على الإستدانة في الأسواق المالية العالمية، وبفوائد منخفضة، كما برهنت التجارب في أكثر من بلد”.
ولجهة الخطوات العملية لإعادة هيكلة سندات مجمل الدين العام، شدد فاضل على أن “التخلف عن الدفع يجب أن يأتي ضمن خطة إصلاحية شاملة، قبل أو بعد التخلف، لإعادة هيكلة مجمل الدين العام”.
وقال: “من أجل الموافقة على تخفيض القيمة الإسمية لقروضهم الممنوحة للبنان (قد يصل أو يتخطى 60%)، يجب أن تحظى الحكومة اللبنانية على ثقة الدائنين بقدرتها على تنفيذ تعهداتها المالية، وهذا مشروط بخطة إصلاح موثوقة تولد فائضا في الموازنة تتماشى مع ورقة الإجراءات النقدية المالية العاجلة التي اعتمدتها المجموعات الحاضرة”.
ورأى أنه بناء على ذلك، يجب تحقيق 3 مسائل هي أولا تعيين فريق لقيادة مفاوضات إعادة الهيكلة، ووضع خطة إصلاحية، ومصارحة اللبنانيين واللبنانيات.
وفي ما خص الفريق فأكد فاضل “وجوب أن يكون موثوقا ومهنيا مؤلفا من أفضل المستشارين القانونيين والماليين المستقلين المشهود لهم من خلال مناقصة شفافة، يقود المفاوضات لإعادة هيكلة اليوروبوندز ضمن خطة أوسع لإعادة هيكلة الدين العام تؤدي إلى خفض قيمته الإجمالية”، وقال: “كما يقوم الفريق بدراسة المخاطر القانونية المترتبة على التخلف عن الدفع وحماية ممتلكات لبنان الخارجية وخصوصا الذهب”.
ولجهة الخطة، نبه إلى “ضرورة وضع خطة إصلاحية شاملة تعالج كل وجوه الأزمة النقدية والمالية والاقتصادية والمباشرة في تطبيقها، وتقوم على المحاور الآتية: وقف مسارب الهدر والفساد عبر تفعيل أجهزة الرقابة وضمان استقلالية القضاء وإصلاح القطاع العام ويبدأ بقطاع الكهرباء. تعزيز إيرادات الدولة الضريبية وتوزيعها بشكل أكثر عدالة على المواطنين وذلك عبر اعتماد الضريبة التصاعدية، وإلغاء الإعفاءات الضريبية، وفرض ضريبة استثنائية لمرة واحدة على كبار المودعين، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي. خطة لتحصين شبكة الأمان الإجتماعي وحماية الطبقات الأكثر عرضة لنتائج الأزمة الاقتصادية. خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. خطة لتحويل الاقتصاد من خلال دعم القطاعات المنتجة التي لديها قدرة تنافسية تتيح لها التصدير وتخلق فرص عمل للبنانيين وتنمي مناطق الأطراف”.
وعن المصارحة، ختم فاضل كلمته بالقول:”إن التخلف من دون إصلاحات هو الاستمرار بالنهج ذاته ويشكل جريمة ثانية، وقد حان الوقت ليبادر الفريق الحكومي إلى مصارحة اللبنانيين واللبنانيات بحجم الأزمة وطبيعة الإصلاحات والإجراءات بهدف تأمين قبول مجتمعي وسياسي للشروع في تنفيذها والخروج من الأزمة بأسرع وقت ممكن”.