“المجلس الشيعي” اختتم مراسم عاشوراء
الخطيب: المطلوب من السلطة السياسية القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة ومواجهة الفساد
برعاية رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة أية الله الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان جرى إحياء الليلة العاشرة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس بحضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.وعرف بالمناسبة الشيخ علي الغول وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.
الخطيب
وألقى سماحة نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة قال فيها: السلام عليك يا وارث الأنبياء ورسالاتهم يا أبا الشهداء، يا أبا عبد الله، أيها المطيع لله ولرسوله أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر حتى أتاك اليقين، واستشهدت دفاعا ً عن دين الله ورسالته حتى بقي هذا الدين وبقيت هذه الرسالة سليمة من أن تعبث بها أيدي العابثين من الطامعين والمتسلطين على الأمة ومقدراتها بفضل هذه التضحيات، وَوَقفتَ حائلا ً دون أن تحوّل السلطة الأموية الدين إلى دين سلطة تتحكم به وتوجهه، حسب مصالحها وتستخدمه لتحقيق غاياتها ولتبرير القهر والظلم ولتخدير الناس، وأن يتحوّل الدين إلى خادم للسلطان، واداة قمع للمستضعفين واسكاتٍ لأصوات الرافضين لممارساته. أن يتحول الدين إلى مجرد طقوس تمارس في مناسبات معينة لا شأن له بالحياة سوى تقديس الحاكم وتبرير ممارساته، وان يتحول الحاكم إلى مقياس للحق ويقاس الحق بتصرفاته وبأقواله لا أن يقاس الحاكم بالحق، أي قلب المفاهيم والتلاعب بها. أن تتحول الأمة إلى مجموعة من العبيد في خدمة السلطان وأن يتحول السلطان إلى جبار وطاغوت وملك بل إلى إله، يمارس أُلوهيته على الناس باسم الدين وباسم الإسلام. لقد كانت حركة الإمام الحسين من أجل تصحيح هذه الصورة وتصحيح هذه العلاقة الملتبسة عند الناس بين الحاكم والدين، وأنّ القدسية للدين وليس للحاكم وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا يقاس الحق بالرجال وإنما يقاس الرجال بالحق. من أهم أهداف هذه الثورة وهذه النهضة تصحيح هذا الإلتباس، وتصحيح المقاييس.
تشويش ذهنية الانس
وتساءل العلامة الخطيب: ما هو السبب في نشوء هذا الإلتباس وفي تشويش الذهنية العامة للناس؟ فقال: ان اطلاق لقب الخلفاء على الذين تسلموا زمام الحكم والسلطة بعد وفاة رسول الله (ص) باعتقادي أحد أهم الأسباب، هذا الإطلاق هو الذي أدى إلى هذا الإلتباس لأن رسول الله (ص)، حينما كان حيا ً كانت له الولاية ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ).الأحزاب/ 6. ولما آلت السلطة إلى من جاء بعده أطلق عليه لقب خليفة رسول الله (ص)، للإيحاء بأن لهم ما لرسول الله (ص) من القدسية والطاعة، وهكذا استفاد الأمويون من هذا الإيحاء. وليضيفوا إليه ما أبتدعه الكذبة عن رسول الله (ص)، من أحاديث زعموا أنها أحاديثه تمجد بعض المدعين منهم وتحرم الخروج على الحاكم وقد أخترعت لذلك مذاهب كلامية وفتاوى باسم الشريعة والدين. لذلك كان هذا المشروع مشروعًا خطيرًا يمثل إنقلاباً على الدين من داخله. ولذلك كانت مهمة الحسين (ع) خطيرة أيضا ً، لانها تبغي القضاء على هذا المشروع، ومواجهة هذا المشروع تعني مواجهة القائمين عليه والمرتبطين به من أصحاب المصالح والمنافع، وهي مجموعة ليست قليلة بل ومتمكنة وذات قوة وشوكة أتاحت لها الظروف التغلغل في مفاصل الحكم والدولة مما هيأ لها المجال لعلاقات واسعة في المجتمع وَرَبط بها مصالح فئات مختلفة. فهي خطيرة من هذه الناحية، كما هي خطيرة من أبواب أخرى حيث مورست أساليب التنكيل لكل من عارض هذه السياسة أو اعترض عليها أو نافسها ممن لم يخضع لعملية البيع والشراء ولم تسكته أساليب الترغيب والترهيب. وبالتالي فإن هذه الثورة وهذا الصوت لم يجد من ُينصت له، ولم يلق صدى عند جمهور الناس. لكن خطورة مشروع الإنقلاب دفعت الإمام الحسين (ع) الى ركوب مخاطر الثورة الذي وأن بدا أنه مشروع فاشل لدى الكثيرين الذين لم يكن لديهم بعد الرؤية التي يمتلكها الإمام الحسين (ع) من أنها ستحقق أهدافها التي لم تكن آنية ولم تبغ نصرا ًعسكريًا عاجلًا، وإنما بعيدة الأمد، تبغي نصرًا استراتيجياً يحفظ الرسالة، ويجرد السلطة الحاكمة من الشرعية التي أرادت أن تُضْفيها على نفسها وتُبين زيف ادعائها أولاً. وثانيًا: أن تُبقي على الرسالة بعيدة عن الإستغلال والتحريف والتشويه لتؤدي دورها في الحياة في هداية البشرية والإبقاء على سلامة الفطرة الإنسانية (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)الروم / 30، في الإرتباط بالله تعالى والإقرار بالعبودية له دون غيره. وثالثًا: في مواجهة الطاغوت وقوى الباطل والإنحراف. في تحقيق العدالة الإلهية. رابعًا: بناء الشخصية الإنسانية على أساس من القيم الإلهية.
وتابع العلامة الخطيب… إننا حينما نحتفل اليوم بذكرى عاشوراء، لا لنستعيد فقط بعض صور المأساة وإنما لنستعيد معها بعض مظاهر الإنحراف للسلطة باسم الدين ونتائجه الخطيرة على سلامة الدين والمجتمع والإنسانية، ولننبه على خطورة استغلال الدين على الاجتماع الإنساني والإسلامي. ونفكر في كيفية دفع هذا الخطر عن مجتمعاتنا ولنلفت النظر الى ضرورة وضع الضوابط التي تحصن هذا المجتمع. ولا شك أن النظام الذي وضعه أهل بيت العصمة (ع)، كافٍ لتحقيق ذلك إن نحن أحسنا التطبيق والتوجيه، هذا النظام الذي وضعوه باكراً وواجهوا به كل محاولات التحريف ومحاولات التشويه، وخصوصا ً في زمن الغيبة الصغرى، حيث أرجعوا الأمر إلى الفقهاء والمجتهدين. وعلى هذا الأساس كانت المرجعية الدينية تعبيراً عن نيابة الإمام (عج)، وكانت من أهم وظائفها صيانة العقيدة وتفسير الأحكام وتبيانها، وبيان وظيفة الفرد من المؤمنين ووظيفة الأمة، فهي المرجع والموئل في كل مهمة ٍ وعند كل نازلة. فالمرجعية أعظم حصانة للأمة بعد الإمام المهدي (عج)، الذي يرعاها ويسددها، ويرعانا ويسددنا من خلالها، ولذلك بقيت هذه المسيرة نظيفة طاهرة مع ما يعتريها بعض الأحيان من آفات سرعان ما تطفو على السطح ثم تسقط، ولكن المسيرة العامة هي مسيرة محفوظة ونظيفة وطاهرة. ومع ذلك فنحن بحاجة إلى ترتيب بعض الأمور من أجل تنزيه هذه المسيرة من بعض العوالق، التي أصبحت ضارة ومؤذية وربما أصبحت ظاهرة وناتئة ومُشوّهة، هذه العوالق التي نشأ بعضها بسبب ظروف قاهرة، سياسية وحزبية …..وآن الأوان لمعالجتها، وبعضها الآخر بسبب مظاهر الضعف الذاتي لا مجال لذكرها الآن، لكننا ننبه على ضرورة وضع حدٍ لها وإلا استغلت، واصبح إصلاحها أكثر كلفة، هذا على صعيد الإصلاح الديني الذاتي وأقصد بالذاتي الشيعي الداخلي.
التضامن الداخلي
واضاف… وأما على الصعيد العام فإننا ندعو الى المزيد من التضامن بين المكونات المختلفة سياسية كانت أم طائفية. فإن هذا التضامن يعطي مزيداً من القوة والمنعة للبنان أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية. إن التضامن الوطني الذي عبرت عنه القيادة السياسية في البلاد والروحية والحزبية جعل لبنان أقوى في مواجهة الحلف الصهيوني وتهديداته. إن ممارسة الضغوط الاقتصادية على لبنان هي رسالة إخضاع للبنانيين أمام إرادة العدو، ولكن الذي حصل أن الإجماع الوطني في مواجهة هذا العدوان وهذه التهديدات، وخطاب فخامة رئيس الجمهورية وبيان مجلس الدفاع الأعلى جعل هذا العدو يبتلع رد المقاومة ويقبل بالمعادلة الجديدة أنه إذا اعتدى على لبنان سيواجه بالرد وأن الحجر سيرد من حيث أتى.
وتابع… كما أن المطلوب من السلطة السياسية القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة ومواجهة الفساد في الإدارات الرسمية، والوزارات والكف عن نهب المال العام، لإعادة ثقة المواطن بالدولة وبالخطة الاقتصادية التي اُعتمدت في إجتماع بعبدا الإقتصادي وسلامة تنفيذ هذه القرارات، وضبط الإنفاق وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة. إن سياسة المحاصصة وسوء الإدارة والحؤول دون قيام مؤسسات الرقابة في الدولة من القيام بواجباتها كما أن الإستدانة من دون سياسة اقتصادية واضحة أدى الى ارتفاع سقف الدين العام الى أرقام هائلة، وانخفاض مستوى الناتج القومي أدى الى عجز الميزانية عن الوفاء بالتزاماتها. أضف الى ذلك ما يتعرض له بعض رجال الأعمال اللبنانيين من اجراءات تعسفية من طرد أو مصادرة لأموالهم، لم تقتصر على عالم الإغتراب وإنما لاحقتهم حتى في بلدهم لبنان. دون أن يكون للجهات المعنية أي موقف أو اجراء يحد من الخسائر والأضرار اللاحقة بهم مما يشعرهم بتخلي الدولة عن مسؤولياتها نحوهم في هذا المجال، لذلك فإننا ندعو الجهات المعنية الى مواجهة هذه الإجراءات، والقيام بما تقتضيه المسؤولية نحو هؤلاء المواطنين الذين لم يبخلوا على الدولة وعلى أهلهم وإخوانهم في الوطن عندما دعاهم الواجب الى ذلك.
بناء الدولة العادلة
وقال: إننا ونحن نتحدث عن ثورة الإمام الحسين (ع) وعنوانها ( الإصلاح ومواجهة الفساد) ندعو الى بناء الدولة العادلة، فالعدل هو قوام الدول والفساد هو سبب رئيسي في سقوطها وفشلها. واللبنانيون للأسف لم يستطيعوا حتى الآن إقامة هذا الدولة على أسس العدالة – التي تشكل المواطنية أهم ركائزها- بالإعتراف بقيمة الإنسان، وحرية اختياره وليس على أساس طائفي أو مذهبي أو على أساس المحسوبيات في الوظيفة العامة. ولذلك فإننا ندعو أيضًا الى وضع نظام انتخابي جديد على أساس النسبية، وعلى أساس أن لبنان دائرة إنتخابية واحدة، وإلا فإننا ذاهبون لا سمح الله الى وضع أسوأ مما نحن فيه، وإن كل الإجراءات لن تجدي نفعًا طالما أنها قائمة على نفس الوضع الحالي من الطائفية السياسية والمحاصصة والمحسوبية والفساد المالي والإداري سيستمر، والإنهيار سوف لن تمنع منه عمليات الترقيع المتبعة . إننا ننصح القوى السياسية جميعًا الى التخلي عن أنانياتها والدخول في عملية إصلاح شاملة للنظام حتى لا يصلوا الى اليوم الذي يبحثون فيه عن وطنهم في مزبلة التاريخ، لولا إنجازات المقاومة التي شكلت التحدي الأكبر للعدو، والوجه الناصع للبنان، وهذه الصورة الرائعة التي أبداها هذا التعاون بين الجيش والمقاومة واحتضان الشعب اللبناني لهما ووقوفه خلفهما.
وختم بالقول…نعود الى صاحب الذكرى لنستلهم من ذكراه الإخلاص لله تعالى في القيام بواجباتنا. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطاهرين.صلى الله عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفناءك وأناخت برحلك، وعظم الله أجورنا بمصاب أبي عبد الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفي الختام تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، والشيخ موسى الغول زيارة الامام الحسين.