بين الإمام الصدر والرئيس بري 1959 – 2019 : ستون عاما في حماية وحدة لبنان وأكثر

بين الإمام الصدر والرئيس بري 1959 – 2019  : ستون عاما في حماية وحدة لبنان وأكثر

المحامي ضياء الدين محمد زيباره

بين قدوم الإمام السيد موسى الصدر الى لبنان عام 1959، واستلام دولة الرئيس نبيه بري سُدة الرئاسة في كل من حركة أمل ومجلس النواب وحتى يومنا هذا، مر من السنين ستون.. والنهج عيّنه : حماية وحدة لبنان والسلم الأهلي، ومقاومة العدو، والتنمية.

أتى الإمام  السيد موسى الصدر الى لبنان حاملاً مشروعه الكبير الذي كان له الدور الفعّال في انطلاقة لبنان نحو الأفضل بعد حروب وانقسامات كبيرة ، أول ما سعى إليه توحيد الطوائف ، زارعاً قيم العيش المشترك في نفوس اللبنانيين على تنوّعهم، حارب مَن جعَل الدين والمذهب مَركباً جديداً للخلافات ، قدّم للبنان سجلاً حافلاً بالإنجازات والمواقف التي ما زال صداها ينضح حتى يومنا.

*فهو الذي اعتصم في مسجد الصفاء – العاملية في نيسان 1975، رفضاً لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ، وهو الذي ما إن علم أن إطلاق النار يطال في البقاع أهالي دير الأحمر وشليفا والجوار أطلق شعاره الشهير : (من يطلق النار على دير الأحمر كأنه يطلق النار على عمامتي وجبتي ومحرابي..)

*هو الذي نادى بنهائية الكيان اللبناني ، وصار نداؤه جزءاً من مقدمة الدستور : (لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه)، وهو الذي قال أن : (وجود الطوائف في لبنان خير مطلق أما النظام الطائفي فشر مطلق أعطاه الإقطاع السياسي لون القداسة).

*عمل على توعية الناس دينياً وجهادياً ضد العدو الصهيوني، وقد أثار حملة تعبوية إعلامية للدفاع عن الجنوب في وجه الإعتداءات الإسرائيلية على منطقة الحدود الجنوبية مُطالبًا بتسليح المواطنين وتدريبهم للدفاع عن أنفسهم ، ووضع قانون خدمة العلم ، وتنفيذ مشاريع إنمائية مع دعوة الناس للصمود في قراهم وعدم النزوح.

*انشأ هيئة نصرة الجنوب المؤلّفة من رؤساء الطوائف اللبنانية، وأنشأ مجلس الجنوب.

*هو صاحب القسَم على عدم الهدوء حتى لا يبقى محروم أو منطقة محرومة في لبنان، ما أدى إلى ولادة “حركة المحرومين” وإصدار “وثيقة المثقفين” المؤيدين لحركة الإمام الصدر المطلبية التي وقّعها أكثر من 190 شخصية من قادة الرأي والفكر في لبنان، يمثلون كافة الفئات والطوائف اللبنانية.

هذا النهج في المقاومة والعيش المشترك والإنماء والمشاركة  في صنع القرار الوطني ، استمر عليه الرئيس نبيه بري ، وكان خير خلف ومؤتمن على هذه المقدّسات في الصيغة اللبنانية ، حتى غدت إنجازاته تفوق نطاق الحكم وتدخل في صلب موازين العدالة الإجتماعية .

صحيح أنه في عهده بات خط الإمام الصدر قوة حقيقية مشارِكة في الحكم وصنع القرار الوطني لا يمكن لأية جهة أن تتخطاها ، واستمرت المقاومة وتعاظمت قوتها ، وحصلت التنمية الحقيقية التي يُحسد عليها الجنوبيون ، وفي عهده لم تعد الوظيفة العامة حكراً على من يرضى عنه البيك بغض النظر عن كفاءته واختصاصه ، لكن أكثر ما يُميّز الرئيس نبيه بري أنه ” حامي وحدة لبنان والسلم الأهلي “، وهو “رجل دولة من الطراز الأول ” . فهو صاحب الوصفات السحرية ؛ يلجأ إليه الجميع لإعداد تسويات لا تُضعف أي فريق ولا تسمح لآخر بالإستقواء ، ويتعاطى مع كلّ اللبنانيين على أساس أنهم لبنانيون وحسب ، وليسوا مسيحيين ولا مسلمين ، ولا أبناء هذا المذهب أو ذاك.

مرّ على لبنان ما بعد العام 2000 العديد من المحطات التي كادت الواحدة منها أن تعيد لبنان الى أجواء الفتن والحروب التي سئمها اللبنانيون ، نذكر منها محطات ثلاث :

*مرحلة ما قبل وما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري:

طلّت الفتنة على لبنان من باب عريض ، كان فيه للرئيس بري الدور الكبير إن لم نقل الأوحد في نبذها ووأدها ، وهو القائل في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الرئيس الحريري في ١٣/٢/ ٢٠٠٧: [ لا يمكن لأحد أن يعيد التاريخ الى الوراء وأن يضع اللبنانيين على متاريس متقابلة، وسوف لا يمكن لاحد ان يمتلك حق النقض على قرارات الإجماع الوطني بترسيخ السلم  الأهلي ونبذ التوترات والفتن، وسوف لا يمكن لأحد ان يقزم لبنان ليكون على قدر  يده. أخيراً، لك مني أيها الصديق والرفيق والأخ، ان أجهد بكل إخلاص لأن يكون هذا  العام 2007 “عام رفيق الحريري” على ما كان يشتهيه للبنان، مساحة غير مدولة تحت أي  انتداب أو وصاية، بل أيضاً لكل اللبنانيين ووطناً ثانياً لكل العرب ورسالة للتسامح والمحبة وحديقة للحرية وواحة للديموقراطية ] .

*مرحلة حرب تموز :

فهو الذي واكب تفاصيلها وكواليسها ، وكان شريكا أساسيا لحزب الله في حلوها ومرّها ، كما تم تفصيل دوره في كتاب “صفحات مجهولة من حرب تموز”  فاستطاع بحكمته وحنكته أن يحفاظ على ركنين أساسيين لطالما كانا الدعامتين لحفظ وحماية لبنان: “وحدة الموقف اللبناني” و “شرعية المقاومة”، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى صدر تعميم عن قيادة حركة أمل [ بتحضير كل الأجواء لأوسع حملة لعودة النازحين إلى مناطق التهجير فور دخول وقف النار حيز التنفيذ ] لأنه سيكون أقوى رد على المترددين والمشككين في حقيقة الانتصار . لقد لعب الرئيس بري في حرب تموز دوراً محورياً في ادارة المعركة السياسية جعله قائداً للمقاومة السياسية يتماهى مع رجالها في الميدان ويتوج نصرهم في مفاوضات الربع ساعة الاخيرة من العدوان فاستطاع بحنكته وحكمته ان  يحبط مشاريع العدو الاسرائيلي و داعميه في ازالة لبنان عن الخارطة السياسية فنجح من جديد بجهد مشترك مع صديقه واخيه سماحة الامين العام لحزب الله وشرفاء اخرين من اسقاط مشروع الشرق الاوسط الجديد وقيامة لبنان من بين الركام  وانتصاره على العدوان وما خلفه من دمار وخراب، ليسجل وطننا انتصارا جديداً يستحق ان يدرس في جامعات ومدارس العالم بوصفه نهجاً يعلم الاجيال سبل انتصار الحق على العدوان مهما تعاظم هذا العدوان في همجيته.

*طاولة الحوار

في خضم المرحلتين المتقدمتين دعا الرئيس نبيه بري زعماء لبنان المتناحرين الى ما عرف وقتها ب “طاولة الحوار” محذرا من مواجهات نتيجة الاحتقان الطائفي الذي هدد البلاد ، كان لهذه الطاولة الفضل في تنفيس الإحتقان ؛ بل وفي إدارة البلاد خلال فترة زمنية حساسة .

وفي السنوات الأخيرة لا يخفى على أحد كم من مرة أنقذ فيها لبنان من الدخول في براثن الفتن مجدداً ، كان آخرها “حادثة قبرشمون” التي مسّت تداعياتها السلم الأهلي والإقتصادي حيث وصل سعر صرف الدولار قبيل اجتماع بعبدا الذي حاك تفاصيله الرئيس بري الى 1550 ليرة لبنانية.

*وعلى الصعيد الدولي لا نغالي إنْ قلنا بأنّ دور الرئيس بري لم يعد محصوراً في نطاق محلي وحسب ، وإنما بات يلعب دوراً إقليمياً هاماً ، ففي أصعب الأحوال وأمرّها ، وبالتحديد في الوقت الذي انشغل فيه البعض من الرؤساء والقادة بالهرولة للتطبيع المجاني مع العدو ، كانت الأنظار موجّهة للرئيس بري في قصر المؤتمرات في طهران، ولكلمته المدوّية التي سعت لإعادة الأمور لنصابها الصحيح ، وللعودة من جديد لتبني القضية الفلسطينية كقبلة أولى وقبلة سياسية جامعة كما كانت منذ عام 1948.

نبيه بري : أنت ضمانة الوطن ، وميزان الإعتدال والإنفتاح في لبنان ، وصاحب المواقف الشهمة الوطنية ، نفتخر بك وبحكمتك.

 

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …