في نعي أكبر قولي: “حبيبٌ آخر قد رحل.. في ربيعه!”
المستشار الثقافي الايراني في لبنان الدكتور عباس خامه یار
من مفاخر زمن مسؤوليتي في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في إیران، کنائب الرئیس في الشؤون الدولیة كان وجود زملاء لي مخلصين، متعاطفين وذوي بصيرةٍ في مجال تطوير العلاقات الثقافية الدولية.
وأكبر قولي، أحد جرحى الدفاع المقدس القدامى، صدمَ مؤخراً نبأ وفاته المؤلمة جميع أصدقائه وزملائه، وسکن الديار الأبدية. كان مدیراً عاماً لدائرة تطوير العلاقات الثقافية بیننا وبین أوروبا والولايات المتحدة. وبعد ذلك تم إرساله إلى إيطاليا كمستشار ثقافي لبلادنا، وبعد فترة من انتهاء مهمته والعودة إلى أرض الوطن، عيّن نائباً لرئیس الرابطة في شؤون العلاقات الثقافية الدولية، وكان يتولّى هذه المسؤولية حتى آخر أيام حياته.
من الصعب التعبير والكتابة في مدح هذا المدير المؤمن، النبيل والمخلص في هذه الظروف النفسية المحزنة، والأمر أصعب على هذا العبد الفقير. لأن فقدان هذا الصديق القديم أمرٌ محزنٌ للغاية بالنسبة لي وخسارة كبيرة لزملائي الآخرين والرابطة التي نتشارك فيها العمل. ولكن أكثر ما يتبادر إلى ذهني هو “نظامه” الذي كان ملتزمًا به دائمًا باعتباره الوصية الأخيرة للإمام علي (ع). من المظهر والخصال حتى عمق الروح والأنشطة اليومية. كان أول من يحضر العمل والاجتماعات وكان دائمًا يحمل جهاز الكمبيوتر الخاص به.
كان المرحوم أكبر قولي متبحرًا في مجال التكنولوجيا المعلوماتية، منذ حوالي 30 عاما، قبل أن تكون العلوم التقنية رائجةً كما اليوم، وبالرغم من أن اختصاصه كان في الإدارة، وكان ذلك واضحًا ومشهودًا له خلال خدمته في جميع المجالات الإدارية داخل البلاد وخارجها.
عزيزنا “أكبر آغا” كان معروفًا للجميع بروحه الرقيقة، والتواضع والزهد والصدق. استشهد مرةً واحدة، وقبل أن يفقد ساقه تمامًا عند دفاعه عن الوطن، فقد وعيه بسبب موجة الانفجار، ونقل جسده إلى خلف الجبهة مع جثث الشهداء. . لكن بعد فترة أدركوا أنه حي وأعادوه، فهو عنيد في الدفاع عن وطنه والمحافظة على قيم شعبه، في عمليتي كربلاء 4 و5، عاد وخسر ساقه بالكامل هذه المرة، لكن اللافت أنّ قلة من الناس يلاحظون بتر ساقه نظرًا لأناقته الدائمة وملابسه الأنيقة ونظمه وترتيبه وعصاه الفاخرة.
لكنه كان وحيدًا في معاناته من إصابته والألم الناجم عن بتر ساقه وتمزق مفصله الاصطناعي لسنواتٍ عديدة ولم يشتكِ يومًا، بل وعمل أكثر من أي إنسان سليم ولم يكن لديه أي مطالب مقابل إصابته في الحرب. حتى عندما كان يُطلب منه إزالة ساقه الاصطناعية ليتم التأكد منه (!!)لدخواه الاجتماعات المهمة، لم يكن ليرفض حتی بإشارة ضئیلة.
المرحوم أكبر قولي كان إنسانًا صلبًا ووقورًا. كان قوله بالفعل قَولًا حسَنًا، ولم يكن لسانه يلفظ اسمَ أحدٍ دون أن يرفقه بكلمة “عزيزي”، وكانت دائمًا الكلمة التي تزين خطابه. كان المتدين الصادق، الثائر الميداني، حسن السلوك، صالحًا عفيفًا وتقيًا. كان يرى أن العظمة تكمن في تقدير الأسلاف وتجليلهم، وكان يشكر الله من خلال شكر عباده عملًا ب: “من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق”.
عندما تعرضت زوجته المخلصة لجلطة دماغية وأصيبت بأضرار جراء ذلك في مكان مأموريته الثقافية في إيطاليا عام 2018، وكانت في المستشفى لفترة طويلة، ظلّ يعتني بها بحبٍ لا يوصف ولم يدخر شيئًا من أجل علاجها. خلال مكالماتنا الهاتفية في ذلك الوقت الحرج، لم يستطع إخفاء حزنه وحتى دموعه. لقد شاهدت مثل هذه المشاهد أثناء اهتمامه بوالده ثم في حزنه على فقدانه بعد ذلك.
السيد أكبر العزيز، كان دائمًا لطيفًا ورحيمًا مع الجميع ولا يرغب في أن يتأذى أحد، وكان صبورًا جدًا ومتسامحًا حتى في مواجهة قسوة البعض تجاهه.
قبل ليلتين من وفاته المأساوية، تحديدًا خلال مكالمة هاتفية والأحاديث التي استكملناها عن اشتياقٍ منذ لقائنا الأخير قبل ثلاثة أسابيع، باحَ لي بما في قلبه، وفي نفس الوقت، في أوج حزنه ظلّ صبورًا، وكان يدعو إلى التصبر والاحتساب. لم أره قط حزينًا بهذا الشكل من قبل؛ لكن ليس لنفسه بل لأهدافه المهنية والوطنية النبيلة والمقدسة.
فليرحمه الله ويغفر لنا جميعا ويكتب لنا حسن العاقبة. داعين بأن يحشره الله مع رفقائه الشهداء ويتولاه برحمته ومغفرته. كما أتمنى لزوجته الكريمة وأولاده صبرًا جميلًا وأجرًا عظيمًا.
وكما يقول العلامة إقبال اللاهوري:
ما إن ارتدى جسدي هذه التربة
قال الجميع إنه كان يعرفني
لكن لا أحد كان يعرف
ما قال ولمن قال هذا المسافر ومن أين أتى؟