الشيخ احمد قيس
الشيخ احمد قيس

القلق الإنساني المعاصر والسكينة القرآنية (1)

 القلق الإنساني المعاصر والسكينة القرآنية (1)

 الشيخ الدكتور أحمد محمد قيس

لا بدّ من إطلالة ولو سريعة على التاريخ الإنساني الديني حتى نتعرّف على كيفية تعاطي الإنسان مع الإبتلاءات والأزمات كمدخل أوّلي حتى نستطيع أن نقول ما يجب علينا فعله في أزمتنا الحالية وغيرها.

فبحسب الإستقراء لتاريخ الإنسانية الديني وغيره نجد أنها قد تعرّضت الى الكثير من الإبتلاءات وبأشكال متعددة ومتغايرة إلاّ أن النتيجة لشكل التعاطي الإنساني معها يبدو الى حدٍ ما واحداً لا سيّما في مرحلة العجز النهائي وخاصة لجهة المضمون أو الإعتبار الغيبي.

وإذا ما أردنا أخذ بعض الأمثلة القرآنية على ذلك وفق تلك المنهجية التي أوردها المولى عزّ وجلّ في كتابه العزيز نجد أن الإبتلاء ظهر بأشكال وأنواع متعددة: منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي ومنها ما هو خاص ومنها ما هو عام ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو مستقبلي ومنها ما هو ردعي وتأديبي السجدة 21: ولنذيقهم من العذاب الأدنى،ومنها ما هو عقوبة وغضب كما في فصّلت 16 : فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحِسات وهكذا…

وعلى هذا الأساس فالنستعرض بعض الشواهد على سبيل المثال لا الحصر:

لجهة الإعتبار المادي

سورة سبأ ( الآيات 15/16/17)لقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ.

لجهة الإعتبار المعنوي

سورة المائدة (الآيات 30/31) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ .
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ .

أما لجهة الإعتبار الخاص

سورة الأنبياء الآية 87.( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ.

وأما لجهة الإعتبار العام

سورة النمل (الآيات 56 و 57 و 58 ). فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ .

وأما لجهة الإعتبار التاريخي

: سورة التوبة الآية 70.( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

 

وأما لجهة الإعتبار الخاص بالمستقبل

سورة البقرة الآية 155.( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ .

إذاً كيف تعاطى الناس مع هذه الإبتلاءات بأنواعها المتعددة؟

هنا يمكن القول بأن هذا الأمر تراوح بين أربعة عناوين رئيسية:

المؤمن المسدد الناجي

(الأنبياء أية 76) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وأيضاً كحال ذا النون سورة الأنبياء (87/88 ) سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ .

أو سورة يوسف الآية 24(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.

المستدرك بالرحمة

كحال آدم(ع) وحواء في سورة الأعراف (الآية 23) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ .أو سورة آل عمران الآية 147/148) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

الخاسر ذو الأماني

كما في سورة المؤمنون 99/100(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .

الشقي المحروم

كما في سورة الزخرف 77(وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ أو كما في سورة فصلت الآية 29(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ.

وبناءً على كل ذلك نجد أن القاسم المشترك لدى هؤلاء كافة كان هو الدعاء للغيب والتوسل بتلك القدرة مع اختلاف موقع الداعي بين مؤمن به أو غير ذلك.

وعليه يكون المنهج البشري قد اعتمد على الدعاء للغيب عند فقده للحلول المادية كما مرّ معنا سابقاً.

 

شاهد أيضاً

محمد سعيد الخنسا

دمعة فراق

دمعة فراق محمد سعيد الخنسا ودع لبنان والعالم الإسلامي عالماً جليلاً عاملاً عاملياً مجاهداً حجة …