إبتسم من أجل الآخرين… ولا تكن صخرةً صماء!
تأملات في واقع الحياة
الشيخ عبد القادر فكهاني/ مسؤول اعلام “المشاريع”
جرت عادتي عندما أحاورُ بعضَ الأصحاب في موضوع ما أو أتبادلُ أطرافَ الحديث في شجونٍ خاصة أو شؤونٍ عامة مع رفقاءَ أن أحاول أن أكون لطيفا ودودًا أتلمسُ الإقناعَ والاقتناعَ متكلمًا ومصغيًا… ولكنني أعترفُ علنًا للمرة الأولى أنني أنجحُ أحيانًا في ذلك وأفشلُ مراتٍ أخرى… كم يعجبني الأشخاصُ الراقيينَ بعلمهم وحكمتهم المتسمينَ باللطف ودماثة الأخلاق والسماحة الذين يحسنون الإصغاء كما يحسنون النطق… يعجبني هذا النوعُ من الناس الذين إذا جالستَهم وحاورتَهم استفدتَ منهم خُلُقًا وفهمًا وعلمًا وخبرةً وحكمة… هم كالعطرِ الفوّاح الذي يتغلغلُ إلى أعماقك أو البلسمِ الذي يداوي جراحَك…
أحاول كثيرًا أن أكونَ مثلَهم وأتلمسَ خُطاهم…أحاول أن أُنمِّقَ العبارات… أحاول أن أكون “دبلوماسيًا “… أحاول وأحاول لعلي يومًا أكون واحدًا منهم… وأظن أن من أبرزِ سماتِهم غير تلك التي أشرتُ إليها إحساسَهم المرهفَ وطبائعَهم الرقيقة… كم نحن بحاجة إلى هذا النوع من الأحاسيس والطبائع… كم نحن بحاجة أن تكون قلوبُنا رقيقةً في هذا الزمن المشحون بالغلظة والقسوة والأنانيات المدمرة…
تعالوا ننظرُ إلى الطيرِ يَزُقُّ الطعامَ زقًا لصغاره والقططِ تحنو على صغارها بل وتعالوا ننظرُ إلى الكلب يحومُ حول صاحبه الجريح فيبادله الوفاءَ لما قدّمه له من رعاية… ولنا ألفُ عبرةٍ وعبرة في عالم البهائم التي نسميها حيوانات… مع العلم أن الإنسان يُسمى لغةً حيوانًا باعتباره موصوفًا بالحياة غيرَ أن الله خصَّهُ بمزية العقل… ولكن هل يستعمل الناسُ عقولَهم كما ينبغي؟!!
في الحياة كثيرٌ كثيرٌ كثيرٌ من العبر… ولكن أين هم المعتبرون… في كل يوم تمر أمامنا العظاتُ بوضوحٍ جليٍّ فهل نحن متعظون؟!!
كثير منا يرى الجنازاتِ ولا يشيّعُها!!!
كثير منا يرى جدثَ الميتِ ولا يهتز!!!
كثير منا يرى دمعةَ الطفل ولا يبالي!!!
كثير منا يرى حزنَ اليتيم والأرملة ولا يكترث!!!
كثير منا يرى المريضَ ولا يسأله عن حاله!!!
كم من أبٍ ميتٍ وقف أبناؤه عند باب المسجد ولم يصلوا عليه؟!!
كم ينشغلُ أناسٌ في مجالس العزاء بشرب قهوة البن المُرّة وتناول قطعة “المعمول” و”اللحم بعجين” ورواية “النكات” واحتساب حصص الميراث ولا ينشغلون بالاعتبار فلا يتعظون؟!!
كم يديرُ البعضُ ظهورَهم لصاحبِ حاجةٍ أو خدمةٍ فيما هم يلِحُّون من أجل قضاء حوائجهم وينتقدون من يديرُ ظهرَه لهم؟!!
كم يشاهدُ البعضُ في شاشات التفاز ما يتعرضُ له أهلُ فلسطينَ من إرهاب صهيوني، وصورَ الدمار والحروب العبثية في بلادنا، ثم سرعان ما ينتقلون إلى قناة أخرى حيث الراقصون والراقصات؟!!
كم من قارىء لمقالٍ يهز جبالًا فلا يهتزُ بدنُه إلا يده تقلّبُ الصفحاتِ وتنشغلُ بحل لعبة الكلمات المتقاطعة؟!!
كم من عجوز في دارٍ للعجزة يشكو الوحدةَ وألمَ النفس وينتظرُ زيارةَ جُفاةٍ قُساةٍ تركوه هناك بلا عذر وهم يلهون ويمرحون؟!!
كم وكم وكم من وقائعَ في حياتنا تُنبِئُنا أن القسوة لا تقتصرُ على قسوة اللسان فالقلوب القاسية هي كالصخرةِ الصماءِ التي لا تبصر ولا تسمع… وكثير من الناس كأنهم لا يبصرون ولا يسمعون!!
بعض الناس يمر في حياتك مرورًا سريعًا بلا أثر… وبعضهم يزرع البسمة في قلبك… وثمةَ من يترك فيك ألفَ جرحٍ وجرح وآلامًا يصعب الشفاء منها…حاول أن تجالس الورودَ التي تفوح منها الروائحُ الزكية… وابتعد عن الأشواك التي لا يصيبك منها إلا الضرر والأذية…
قال أحد الشعراء:
بعضُ الكلام كبعض الشجر
جميلُ القوام شحيحُ الثمر
وخيرُ الكلام قليلُ الحروف
كثيرُ القطوف بليغُ الأثر
وفرزُ النفوسِ كفرز الصخور
ففيها النفيسُ وفيها الحجر
وبعضُ الوعود كبعضِ الغيوم
قويُّ الرعود شحيحُ المطر
ولو لم تهز الرياحُ الزهور
لما فاح عطرٌ وفاحَ الزهر
وقد سأل أحدُ الأبناء والدَه: ما الفرقُ بين ابتسامتي وابتسامتك؟ فأجاب الأب: أنتَ تبتسمُ عندما تكون سعيدًا وأنا أبتسمُ عندما أراك سعيدًا…
ابتسم من أجل الآخرين… ولا تكن كالصخرة الصماء.