جدليات كورونية 5
جدليات كورونية 5

“جدليات كورونية” 5 للمستشارية الايرانية في بيروت: التدّین المسالم

“جدليات كورونية” 5 للمستشارية الايرانية في بيروت: التدّین المسالم

أكد الخبراء والأكاديميون المشاركون في ندوة “كورونا؛ جدليات الهوية الإنسانية” الافتراضیة في بيروت أن زمن الکورونا فرصة لطرح التدین بصورته الجمیلة، والمسالمة والحضاریة، موضحين أن العالم الإسلامی بحاجة الی وعي جدید ودعاة أکفاء لبث هذا الوعي.

ونظمت المستشارية الثقافية الايرانية لدى لبنان ضمن سلسلة “جدليات كورونية” عبر الفضاء الافتراضي ندوتها الفكرية الخامسة بعنوان “كورونا؛ جدليات الهوية الإنسانية” عبر الانترنت(أونلاين) عصر  الجمعة  15 أيار 2020.
وأقيمت الندوة عبر تطبيق “Zoom Cloud Meeting” وتحت عنوان “كورونا: جدليات الهوية الإنسانية”(مقاربة فكرية حول الآثار المعنوية والمادية لجائحة كورونا على الضمير الأخلاقي والهوية الإنسانية).
المشاركون
وتحدث في هذه الندوة التي أدارها  أستاذ علم الكلام والفلسفة في الجامعة اللبنانية الباحث الدكتور خضر نبها، الكاتب والأستاذ الجامعي الجزائري د. نور الدين أبو لحية حول “أثر كورونا على الضمير الأخلاقي وعلى إمكانيات الضبط الفردي والمجتمعي” كما تطرق إمام الجالية اللبنانية في السنغال ورئيس المؤسسة الإسلامية الإجتماعية الشيخ عبد المنعم الزين في محاضرته بهذه الندوة  إلى “التقوى وأثرها على الفعل الإنساني”.
وشاركت في هذه الندوة أيضاً الباحثة والكاتبة اللبنانية الأستاذة إيمان شمس الدين وتحدثت حول “الأوبئة وأسئلة الهوية الإنسانية” كما تطرق رئيس أساقفة صور وتوابعها للروم الكاثوليك المطران ميخائيل أبرص في محاضرته الى موضوع  “العولمة وأثرها على الهوية الإنسانية؛ كورونا أنموذجاً”.
خامه يار

وإفتتح المستشار الثقافی الإیرانی لدی بیروت الدكتور “عباس خامه یار” الندوة الخامسة من سلسلة ندوات “جدلیات کورونية” التی أقیمت إلکترونیاً کـ السابقات، وإستهل کلامه معزیاً بإستشهاد الإمام علی (ع) قائلاً: لا نستطیع وصف شخصیة هذا الإمام العظیم العبقریة والفریدة.

وقال: نعزي کل عالم الإنسانیة بفقدان هذا الإنسان العظیم الذی نحن الیوم بأمس الحاجة الیه وإلی تعالیمه.

وشرح مسار الندوات الخمس قائلاً: إننا بدأنا بندوة واحدة کان الهدف منها تحدی کورونا ومناهضتها في مجال العمل الثقافی وإثبات أن العمل الثقافی لا یمکن لجائحة أن توقفه ولم نتصور بأن هذه الحلقات تستمر بهذا الشکل وأن یکون لها هذا الصدی الکبیرخارج الحدود.

وأضاف أن هذه الندوات ستتوقف هذا الأسبوع لسببین أولاً نحن مقبلون علی یوم القدس العالمی وثانیاً مقبلون علی یوم النکبة وهما حدثان بحاجة الی فقرات أخری.

وأردف المستشار الثقافی الإیرانی لدی لبنان قائلاً: إننا سوف نستمر بالندوات بعد شهر رمضان ونأمل مشارکة الأساتذة من کل مکان.

وتقدم بالشکر الجزیل لکل الأساتذة الذین واکبوا الندوات وأثروها بمشارکاتهم کما تقدم بالشکر الجزیل للإعلام الإفتراضی والمکتوب لتغطیته الندوات وخص وکالة “إکنا” للأنباء القرآنیة بالشکر الجزیل لتعاونها في تغطیة الندوات علی أعتاب الذکری السابعة عشرة لتأسیسها.

وقال إننا قمنا بتنظیم هذه الندوات في ظل ظروف تفشي الوباء الصعبة وأثبتت هذه الندوات أن الثقافة یمکنها تجاوز کل السدود وکل العوائق ولا یستطیع أحد حتی وإن کان کورونا أن یقف أمام الأنشطة الثقافیة.

زمن الکورونا فرصة لطرح التدین بصورته الجمیلة والمسالمة والحضاریة

وبدوره، ألقى الكاتب والأستاذ الجامعي الجزائري، الدکتور “نورالدین أبو لحیة” محاضرته بعنوان “أثر كورونا على الضمير الأخلاقي وعلى إمكانيات الضبط الفردي والمجتمعي” في الندوة الخامسة من سلسلة ندوات “جدلیات کورونية” التی أقیمت تحت عنوان “كورونا: جدليات الهوية الإنسانية” بتنظيم المستشاریة الثقافیة الإیرانیة لدی بیروت إلکترونیاً.
وجاء في المحاضرة: “علینا إستثمار تفشي الوباء الجدید وأن نجعل منه فرصة لطرح التدین بصورته الجمیلة وبصورته المسالمة والحضاریة.

وعندما نتحدث عن کورونا هناك ثلاثة أسئلة یجب عرضها؛ أولاً: هل یمکن للأوبئة أن تؤثر في سلوك الفرد والجماعة؟ ثانیاً: ما هي طریقة ذلك التأثیر؟ أي ما هی المراحل التی یمر بها التأثیر حتی یتحقق في الواقع؟ ثالثاً: ما هي الشروط التی یجب تحقیقها حتی یتحقق التأثیر الإیجابی للأوبئة؟ وأقصد بالأوبئة کل الأحداث التأریخیة الکبری التی تنقل البشر من مرحلة الی مرحلة أخری.

وطبعاً الإجابة علی السؤال الأول تقتضی منا النظر فی أمرین الأول هو “الواقع” ، وإن الواقع له تأثیره الکبیر. عندما ندرس الواقع نجد ان هناك تأثیراً کبیراً للأوبئة ولذلك هناك علم إجتماعی یدرس “سلوکیة الأوبئة” أو علم النفس الإجتماعي المرتبط بالأوبئة فـ هؤلاء العلماء وجدوا أن لهذه الأوبئة تأثیر واقعي أي تأثیر في السلوك وتأثیر فی القیم وتأثیر فی العلاقات وتأثیر فی الضمیر الأخلاقی وعندما نقول الضمیر الأخلاقی فـذلك یستند الی رؤیة فکریة وفلسفیة ولذلك لایمکننا أن ندرس الضمیر الأخلاقی والضبط الإجتماعی والفردی بعیداً عن الرؤی الفکریة.

وإننا نری أن لهذه الأوبئة تأثیراً فی تعدیل الفکر الذي یؤثر بعد ذلك في تعدیل السلوك.

والأمر الثاني الذی یجب النظر فیه و نؤمن به کـ متدینین هو “أن الله سبحانه وتعالی مؤثر فی خلقه” بمعنی أنه لم یخلق الخلق ثم یعتزله. عندما نرجع الی الکتاب المقدس نجد هذا المعنی فـ یقول الکتاب المقدس لسلیمان (ع) “إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ، وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى شَعْبِي” فالغرض من الوباء وغیرها هی التربیة الإلهیة. ولذلك أعتقد أن الوباء یندرج تحت هذا المفهوم حتی وإن کانت له أسباب علمیة هناك سبب إلهی یرجع الی التربیة الإلهیة.

وأیضا یقول الکتاب المقدس “فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ”. هذا النص جاء فی الإنجیل ونجد شبیهاً له فی القرآن الکریم.

وجاء في القرآن “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” وهذا نص شبیه لما جاء في الکتاب المقدس.
وفیروس کورونا هو بدایة جدیدة وربما سوف تأتي بعده أوبئة جدیدة ولکن المهم أن البشر عرف ضعفه.
وأشار الی آیات من الذکر الحکیم قائلاً: ذکر الله سبحانه وتعالی قوم یونس (ع) مثالاً للتأثر فـ قال “فَلَوْ لا کانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا کَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلي‏ حينٍ” وقال إن الله سبحانه وتعالی یرسل إلینا درساً وهناك من یفهم الدرس وهناك من لا یفهمه.
وهذه کلها أمور واقعیة موجودة ولکن السؤال هو کیف یحصل تأثیر إیجابی؟ کیف یؤثر کورونا فی إرساء القیم النبیلة وفی الرد علی القیم المنحرفة وعلی الرغم من أن هذا الوباء کونه وباء نحن نستعیذ بالله منه ولکن مع ذلك یمکن إستثماره إیجابیاً ومن ناحیة أخری لا ننظر الیه شر قادم بالعکس نعتقد أنه خیر ولکن صورته شر أي أن الله سبحانه وتعالی لم یخلق الا الخیر ولکن الخیر ربما ظاهره شر ولکن باطنه خیر، أی ظاهره مؤلم وباطنه فیه الرحمة.
والسؤال الثانی حول کیفیة هذا التأثیر؟ یعنی کیف یحصل التأثیر؟ أول شئ في التأثیر هو سقوط تلك الإیدیولوجیات التی کانت تهیمن علی الفکر البشری.
والإیدیولوجیات هي السبب لکل ما یحصل؛ بعد أحداث الحادی عشر من سبتمبر ظهر الإلحاد الجدید أي التطرف وإستغلال الإسلام ودعاة الإلحاد الجدید وظهرت مقولات مصدقة للعلم الجدید وهی مقولات تصور أن البشر أصبح قادراً علی أمره وأن العلم حل کل المعضلات وأن زمن الأوبئة قد ولی وأن زمن الخرافة قد ولی وأن البشریة أصبحت فی قدرة مطلقة.
وجاءت کورونا وأظهرت من جدید العجز البشری حیث غرام واحد من هذا الفیروس کما تفید الدراسات إستطاع أن یغلق الإقتصاد العالمی وأن یجعل العالم کله فی البیوت.
وفی معرض لجوء البشر الی العلم علينا أن نقول إن هذه الفکرة بدأت منذ الثورة الفرنسیة التی أرادت أن تجری مفاصلة بین الدین والحیاة وتعزل الدین عن الحیاة ولکن الان ظهر إنهیار هذه المنظومة کذلك إنهار بنیان الحضارة الغربیة فـ الکثیر کان یحلم بأوروبا وبأمریکا ویتصور أن أمریکا هی جنة الأرض وأن العدالة الإجتماعیة قد تحققت فی أعلی مستویاتها وصار نموذج للحداثیین التنویریین الذین صاروا یسخرون بسبب الحضارة الغربیة وکورونا أظهرت وحشیة هذه الحضارة أي الآن عندما یشاهدون أن الغرب أصبح یضحی بکبار السن وبعض الأطباء الفرنسیین یقولون أنهم یجرون بعض التجارب علی الأفارقة کل هذا أظهر واقع الحضارة الغربیة.
والإنسان قبل کورونا کان یعبد صنماً وهو الحضارة الغربیة وصنم یسمی الفکر التنویری وطبعاً هو فکر ظلامی ولیس تنویریاً لأن کل شئ یعزل الله هو یأخذ بنا نحو الظلام. کان هؤلاء التنویریون یسخرون من الأنظمة الشمولیة لصالح الأنظمة اللیبرالیة ولکن تبین أن لابد من الشمولیة وضبط الفرد والمجتمع وتدخل الدولة لضبط سلوك الفرد.
وأما حول شروط التأثیر فلابد أن نکون نحن في المستوی الذي یطرح الإیدیولوجیا ویطرح قیما بحیث لا یدع فرصا للآخرین. وزمن الکورونا فرصة لطرح التدین بصورته الجمیلة، المسالمة والحضاریة.
وقال للإمام الصادق (ع) قيل أخبرنا عن الطاعون فقال : عذاب لقوم ورحمة لآخرين قالوا: وكيف تكون الرحمة عذاب، قال: أما تعرفون ان نيران جهنم عذاب على الكفار و خزنة جهنم معهم فهي رحمة عليهم.
وبالتالی یمکننا أن نستخدم هذا الوباء للدعوة الی القیم الصحیحة لیکون له تأثیر علی الفرد والمجتمع.

العالم الإسلامی بحاجة الی وعي جدید ودعاة أکفاء لبث هذا الوعي

وبدوره، ألقى إمام الجالیة اللبنانیة في السنغال ورئیس المؤسسة الإجتماعیة الإسلامیة الشیخ “عبدالمنعم الزین” محاضرته بالندوة الإلکترونیة الخامسة من سلسلة ندوات “جدلیات کورونية” في بيروت تحت عنوان “التقوى وأثرها على الفعل الإنساني”، وإلیکم نصّ المحاضرة:

“في مثل هذه المحاضرات سواء في ندوات أو مؤتمرات یکون مصب الحدیث علی بیان المشکلة وقلیل ما نتطرق للعلاج. الطبیب الذي یشرح للمریض مرضه بالدقة الکاملة ولا یعطیه علاجه لا یفیده بشئ.

وهنا لدینا مشکلة أو إشکالیة وللمشکلة عدة شعب إحدی هذه الشعب هو “کورونا” والشعبة الأخری هم “الناس” أي فهم الناس للمشکلة والشعبة الثالثة هو “موقف الدین” هل للدین موقف من هذه المشکلة أم لا.

وهذه الأمور یمکن البحث فیها عندما یکون هناك أناس متخصصون ولکن نحن نتحدث عن العلاج.

وحدیثي عن العلاج أبدأه بآیة حیث یتحدث القرآن الکریم عن الجهاد “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”.

وهذا یعني الذهاب الی الحرب بـ عُدة یعنی سیف ورمح وغیره لیس الهدف منه أن أقتل شخصاً أو أکون شهیداً بل الهدف النهائی أن أکون واعیاً لما أخترت ما یکون دیني وهذا الوعي في ذلك الزمان کان علی ید النبی (ص) والنبی (ص) عندما کان یسافر من المدینة کان الوعی یقف.

وإذن من کل مجموعة یذهب شخص مع النبي (ص) لیلتقف منه الآداب حتی اذا رجع الی قومه الذین خسروا الوجود النبوي لشهر أو شهرین یقوم بتعزیز الوعي.

إذن الهدف هو التعلیم وأن نستوعب الدین إستیعاباً کاملاً حتی نستطیع أن نعالج به أمراضنا من جهة وأن نعرضه علی الآخرین من جهة ثانیة.

وتساءل کیف یمکن أن نستعید شخصیتنا ووجودنا ودیننا ومجتمعنا وتراثنا إذا کنا نبکي علی ما نحن علیه؟ بمعنی أن مجالس العزاء علی ما نحن فیه لا تکفینا نحن بحاجة الی عملیة إنقاذ تنقذ مجتمعنا مما نحن فیه.

وهذه العملیة لها درجات، الدرجة الأولی تربية الدعاة الأکفاء الذین یخاطبون المجتمع العصری باللغة التی یفهمها ولاأقصد أن یستخدموا اللغة الإنجلیزیة أو الفرنسیة إنما أقصد بأسلوب التفکیر الذی یفکر به الإنسان. العالم الإسلامی بحاجة الی تربية دعاة أکفاء یخاطبون المجتمع العصری باللغة التی یفهمها یملکون بضاعة سلیمة لعرضها علی المجتمع.

ولدینا آلاف من الدعاة الذین یذهبون الی أوروبا وإلی أمریکا؛ ما هو الهدف وکیف یعملون؟  الهدف غالباً ما یکون أن یذهب الداعیة بمهمة ویأخذ راتب علیها وإنتهی الأمر.

من نرسل؟ هل نرسل الشخص الذي تعلم لسنة أو سنتین أو ثلاث وحتی وإن تکلم الإنجلیزیة أو غیرها، علينا أن نجيب آنه لا یصلح إذا لم یملك بضاعة سلیمة یعرضها علی المجتمع.

ونحن بحاجة الی معاهد تکون هؤلاء الدعاة کما أن هناك معاهد تکون حکام العالم فی بریطانیا وسویسرا وروسیا وغیرها تعمل لتکوین القیادیین فی العالم.
واذا کان لدی الغرب معاهد تکون حکام للدول الإسلامیة فـ نحن المسلمون أي معاهد لدینا لإنتاج دعاة نوفدها الی الغرب؟
وبکل أسف هذه النقطة أي تعلیم الدعاة لیس موجوداً عندنا ونحن بحاجة الی دعاة أکفاء.
وقبل یومین کان عندي شاب یقول لي عنده مجموعة من الزملاء یتحدثون عن وجود الله سبحانه وتعالی وهو عجز أمامهم هم یقولون له أن هناك کانت قطعة واحدة فـ إنفجرت وتکون منها الکون وهو نقل هذا عنهم فسألته ماذا بعد؟ قال إن کان کذلك فـ لاداعی لوجود الله. سألته ومن أین أتت القطعة الأولی التی تکون منها الکون؟ من صنعها؟ من وضع فیها قابلیة الإنتشار؟ أو کما عبر أمیرالمؤمنین(ع) فی أول خطبة له فی نهج البلاغة “وغرز غرائزها وألزمها أشباحها” جعل کل شئ حیاً أو جامداً لیقوم بدوره وجعل فیه الغریزة.
فقلت له أنا مستعد أن أقول أن أساس الکون هی تلك القطعة التی تحولت الی کتلة ضخمة والکتلة إنفجرت وتکون منها هذا الکون ولکن هل هناك غیرالله من حرك هذه الکتلة حتی تنفجر وثم وضع فیها هذه الخصائص.
وفي معرض حديثه عن معنی التدین فی المجتمع علينا أن نقول إن مشکلتنا أن الکثیر من خطباءنا ودعاتنا یرکزون خاصة فی شهر رمضان یرکزون علی أن التدین هو الإکثار من الصلاة ومن قراءة القرآن ومن الصدقات وغیر ذلك وأنا أیضا أرکز علی هذا ولکن لاأکتفی به.
ونحن بحاجة الی الوعی الدینی السلیم قبل الطقوس. ألا یوجد عندنا أحادیث کثیرة وموارد هائلة من العلماء الذین کانوا متنورین یقولون أن “تطعم جائعا خیر من أن تبنی ألف جامع” وأنا أقول الیوم أن تعلم جاهلا أفضل من أن تبنی ملیون جامع والتعلیم کما یکون فی البیت یکون فی المدرسة والبیت والساحة لکن بناء المساجد بلامصلین بلاواعین لأناس جهلة ماذا ینتج؟ لذلک أقول أن ینبغی أن نشرح الدین کـ علم وکـ قانون.
والعالم کله یفتش عن القانون العادل وأین القانون العادل فی هذه الدنیا؟ الإشتراکیة فشلت والشیوعیة فشلت والرأسمالیة فشلت وکل النظم الهائلة فی العالم فشلت وأنا أطالب مرجعیاتنا وعلماءنا ومجتهدینا ومثقفینا بإعادة النظر فی القانون الإسلامی بالأسلوب الذی یتناسب مع العصر الحدیث لابمعنی التنازل عن مبادئنا أبدا .إنما بمعنی إستنباط الحدیث لیس کـ أننی أعیش قبل مئة سنة. أن نعیش فی العصر الحاضر وأستنبط من القرآن ومن السنة الشریفة ما یدیر هذا العصر دون تنازل عن قانون واحد من قوانین الإسلام. أی أن حرام محمد{ص} حرام الی یوم القیامة وأن حلال محمد{ص} حلال الی یوم القیامة ولکن المشکلة فی التطبیق وإنشاء وعی جدید وبحاجة الی دعاة أکفاء الذین یعرفون کیف یخاطبون البشر.

 “الأوبئة وأسئلة الهوية الإنسانية”
ومن جانب آخر، تحدثت الباحثة والكاتبة اللبنانية “الأستاذة إيمان شمس الدين” في هذه الندوة الافتراضية تحت عنوان “الأوبئة وأسئلة الهوية الإنسانية”، وإلیکم نص المحاضرة:
“إن أزمات الطبيعة كالجوائح تدفعنا دوما لقراءة تداعياتها على البشر، ليس فقط التداعيات الاقتصادية مع أهميتها، لكن الأهم التداعيات الأخلاقية والقيمية، التي تهتم بضبط الفرد والمجتمع، ضبطاً ذاتياً تحتاجه المجتمعات كثيرا حينما تقل نسبة تطبيق القانون نتيجة الفوضى المؤقتة التي تحدث نتيجة هلع الناس وخوفهم من الوباء. هذه القراءة النقدية والمراجعة وهو ما قام به بعض فلاسفة الغرب، تكشف الثغرات الأخلاقية وطريقة تعامل المجتمعات والنخب والحكومات مع الوباء، وما هي موقعية الإنسان وقيمته في ظل الجوائح والأوبئة، التي تعكس فساد أو صلاح القاعدة الفلسفية التي بني عليها الفكر، وتكشف عن فاعلية مصادر المعرفة ومدى قدرتها على الإجابة عن الإشكاليات الملحة المعرفية التي أنتجها الوباء.
فالفيلسوف وعالم الاجتماع المعاصر إدغار موران فقال: تبين لنا هذه الأزمة (ويقصد فيروس كورونا) أن العولمة هي الاعتماد المتبادل دون تضامن. لقد أنتجت حركة العولمة بالتأكيد التوحيد التقني والاقتصادي للكوكب، لكنها لم تعزز التفاهم بين الشعوب، ويضيف قائلا: يخبرنا الفيروس بقوة أن البشرية كلها يجب أن تبحث عن مسار جديد يتخلى عن العقيدة النيوليبرالية من أجل سياسة مضادة للأزمة (NEW DEAL) اجتماعية وبيئية. إن المسار الجديد سيحمي ويعزز الخدمات العامة مثل المستشفيات التي عانت من تخفيضات مجنونة في أوروبا لسنوات. سوف يصحح المسار الجديد آثار العولمة من خلال إنشاء مناطق متحررة من العولمة، من شأنها حماية استقلالات ذاتية أساسية كالاكتفاء الذاتي من الغذاء، الاستقلالية الصحية… وقال نحن في مجتمع حيث تدهورت هياكل التضامن التقليدية. إحدى المشاكل الكبيرة هي استعادة التضامن، بين الجيران، وبين العمال، وبين المواطنين. مع القيود التي نمر بها، سيتم تعزيز التضامن بين الآباء والأطفال الذين لم يعودوا في المدرسة، وبين الجيران.. إمكانياتنا الاستهلاكية سوف يتم ضربها، ويجب علينا الاستفادة من هذا الوضع لإعادة التكفير في النزعة الاستهلاكية، وبعبارة أخرى الإدمان، و” الاستهلاك المخدِّر، وفي تسممنا بالمنتجات دون فائدة حقيقية، ومن تخلصنا من الكم لصالح الكيف… يمكننا أن نستعيد ذواتنا، ونرى احتياجاتنا الأساسية، أي الحب والصداقة والحنان والتضامن وشعرية الحياة.. الحجز يساعدنا على البدء في تطهير طريقة حياتنا، وفهم أن العيش بشكل جيد هو تحقيق إمكانات “الأنا”، ولكن دائما داخل مختلف ” النحن”… علينا أن نستعيد التضامن الوطني، غير المنغلق والأناني، بل المنفتح على المصير المشترك “الأرضي”.. فالتضامن الوطني ضروري، ولكن إذا لم نفهم أننا بحاجة إلى وعي مشترك بمصير الإنسان، إذا لم نتقدم في التضامن، وإذا لم نغير التفكير السياسي، فإن أزمة الإنسانية ستسوء أكثر.

أما الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه فيعتبر أن أزمة فيروس كورونا جعلتنا في سيرورة يقظة، وقال سنرى في الأسابيع المقبلة إلى أي مدى ستتقلص الفجوة بين الفرد والجماعة أو تصبح أكثر اتساعا. نحن نعيش اختبارا سياسيا حقيقيا واسع النطاق. هل تمكن البعد الفرداني الليبرالي والخاص من السيطرة بشكل كامل في مجتمعاتنا أم لا؟.. في المملكة المتحدة، تبنى بوريس جونسون بشكل علني استراتيجية “الحصانة الجماعية” أو مناعة القطيع “Herd Immunity” من خلال عدم حجز السكان وإعلان أن عددا كبيرا من الأشخاص الضعفاء أو المسنين سيموتون. يتوافق هذا الموقف القائم علي الاستهتار البراغماتي ” Cynism pragmatique” مع نوع من التقاليد الإنجليزية. فهو ينطلق من افتراض أن الثمن الذي يجب دفعه، اقتصاديا واجتماعيا، للاحتجاز باهظ للغاية وأن المرض ليس في حد ذاته خطيرا للغاية بالنسبة للعدد الأكبر من السكان، وبالتالي فمن الضروري تحمل “الضرر الجانبي”. فأمام التوصيات التي قدمتها الحكومة البريطانية نجد أنفسنا أمام خيار ليبرالي للغاية: بشكل فردي، أنت تفعل ما تريد، حتى إذا تم نصحك بالبقاء في المنزل، لكن بشكل جماعي، لا نأخذ تدابير سلطوية قاهرة. إن الحرية والمسؤولية الفردية هي التي لها الغلبة[1]. وقد تراجع جونسون رئيس الوزراء البريطاني عن هذه السياسة الصحية في مواجهة فيروس كورونا تحت ضغط الرأي العام الناقد، وبعد أن قامت جامعات عريقة في بريطانيا بتقديم دراسات علمية معمقة تنقض مبدأ “مناعة القطيع”.

تأتي أهمية الأخلاق في هذه المنظومة كونها تشكل الضابطة في بعدين هما:

 

١- البعد الفردي حيث تضبط جوانحيا أعماق الإنسان وتربطها بقيم السماء وأخلاق الله تعالى، هذا الانضباط النفسي هو النواة التي تنطلق منها الضوابط في بعدها الآخر. فالبعد الفردي يقتصر على ساحة الكمال الفردي الإنساني.

فالتضحية في سبيل الأخرين عمل يقره الضمير والوجدان، ولكن يتجسد كأثر سلوكي يحقق غاية الكمال والتكامل الفردي والاجتماعي إذا ما ارتبط بالله ومعرفته والتسليم لقوانينه كافة.

لضبط الاجتماعي والقانون:

وينظر إلى القانون على أنه مجموعة قواعد، فيعرف القانون على أنه (مجموعة قواعد عامة مجردة ملزمة تنظم العلاقات بين الأشخاص في المجتمع)، فالقاعدة القانونية تختص بأنها عامة ومجردة (تنطبق على الجميع) وملزمة.

فموضوع القانون هو الإنسان وسلوكه الاجتماعي وأفعاله وردود أفعاله، وهدفه نظم هذا السلوك بمجموعة من القوانين الملزمة لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.

ولا يمكن للقانون أن يحدث الأثر المرجو منه، ويحقق الهدف المرجو منه إلا في حال جرى تطبيقه على الجميع دون فرق، وإلا بات القانون لا يساوي الحبر الذي كتب به. فالقانون يرسم الحدود ويضبط السلوك الخارجي وإن جبرا، ولكنه يحتاج عوامل أخرى كي يحقق هدف الاستقرار الاجتماعي المستديم.

وجوهر هذه الاستدامة في الاستقرار الاجتماعي هو احراز القانون للعدالة الاجتماعية، والعدالة قيمة غائية لا تعتمد في تحقيقها فقط على القانون والضبط الاجتماعي، بل تحتاج بشكل كبير للانضباط القيمي والمعياري والأخلاقي على مستوى الفرد (الذات)، وهو ما قد يمكن تحقيقه من خلال بوابة التقوى، والتي تلعب دورا هاما في الحياة الدنيا، وضبطها وتحقيق العدالة، واستدامة الاستقرار الاجتماعي.

 

هذا الوعي في معرفة الله يشكل باعثا للانضباط الأخلاقي فرديا واجتماعيا، وإلا وفق النظرية الغربية وخاصة نظرية المنفعة التي تنطلق من أن منفعة الإنسان ومصلحته هي الباعث والداعي للانضباط القيمي والأخلاقي، فتتهاوى أمام التجربة البشرية الماثلة، فما إن يمتلك الإنسان مصدر قوة يستطيع أن يتجاوز كل الضوابط دون رادع.
والوعي صناعة عدة جهات كما ذكرنا سابقا:
ـ الأسرة التي تشكل النواة المنتجة للأفراد إلى داخل المجتمع، ودورها المحوري في التنشئة القانونية والشرعية، بل قدرتها على تعليم الأبناء أهمية الضوابط والقوانين الاجتماعية، ودورها في تحقيق السعادة والاستقرار.

ـ المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومعاهد، وما تتبناه كمنهج تعليمي وما تستخدمه كأدوات.

ـ الدولة وما لديها من خطط تربوية وتعليمية وإعلامية، تنهض بالوعي الفردي والاجتماعي.
ـ المؤسسة الدينية وقدرتها على فهم الدين، وتحويله لمشاريع عمل تنهض بالفرد والمجتمع، وتنخرط كجزء من هذه المشاريع تنفيذيا وليس فقط تنظيريا، بل قدرتها على ترسيخ منظومة القيم والمعايير، وتقديمها نموذجاً مرجعياً نظرياً وسلوكياً في ذلك، ورفد الدولة بالقوانين المستوحاة من الأحكام الفقهية القابلة للتقنين.

ـ مؤسسات المجتمع الأهلية بمختلف مجالاتها، وقدرتها على امتلاك مشاريع عمل، تدمج طبقات المجتمع المختلفة في مشاريع التوعية القانونية، وامتلاك رؤية قادرة على رفد الدولة بضوابط تعالج مشاكل المجتمع، وتدفع باتجاه المزيد من الاستقرار الاجتماعي، لتلعب دورا هاما أيضا في تحويل تجربتها البشرية الميدانية إلى قضايا يمكن تشخيص قوانين ضابطة لها، وعلى ضوء الثوابت ومن خلالها تبني جسرا يمتد بينها وبين المؤسسات الدينية.

ـ الاعلام ودوره في صناعة وعي الجمهور، وترسيخ ثقافة الضوابط والالتزام بها وبالقوانين الداعمة للنظم والاستقرار.

 

فانضباط النفس والذات، هو انطلاق نحو الانضباط الاجتماعي الخارجي.

 

٢- البعد الاجتماعي: هنا هي ساحة التفاعل الإنساني في السير نحو كل من الكمال والتكامل الإنساني، ومحورية الأخلاق هنا تأتي كضابطة تمنع وقوع الفساد الاجتماعي، وتدفع باتجاه التطور والتنمية البشرية على كافة الأصعدة.

 

لكن كيف يمكن أن تشكل الأخلاق ضابطة فردية واجتماعية في ظل وجود الأنا والذات والنفس؟

 

– الشعور الأخلاقي متصل بالشعور بمعرفة الله:

 

والاسلام يعني الاستسلام لقانون الله، ولله سبحانه نوعان من القوانين، الأول ما أودعه بالفطرة لكل البشر، والثاني ينطلق من الأول ويتفرع عنه، لكن لا تتم معرفته إلا عن طريق الأنبياء والمرسلين، فالأول كليات وبنى تأسيسية لكل البشر، والثاني فروع من تلك الكليات ترسم معالم السير الإنساني في الدنيا على ضوء ما أودع في فطرته.

 

فالقانون الأول موجود في الإنسان وهو غير واع له، والثاني يحتاج إلى إدراك ووعي والتفات كي يقع التسليم لقوانين الله.

 

ولكي تصبح الأخلاق ضابطة فردية واجتماعية لا يكفي الوجدان والضمير في كونهما منابع أخلاقية للإنسان، فالغاية هي أن تتحول هذه القوانين الفطرية لقوانين سلوكية مدرَكة تقع عن وعي الإنسان لها، بالتالي يكون سعيه نحوها بعد إدراكها باختيار منه وإرادة منبعثة من هذا الوعي، ويرتبط اختياره ليس فقط بإحرازه الراحة النفسية وراحة الضمير، بل بإحرازه رضا الله، والذي غاية فوق كل الغايات، فالضمير منفردا ليس ضابطة تلزم كل الناس وتضبط سلوكهم، بل لا بد من جهة عليا يرتبط فيها الإنسان بالعقاب والثواب، تقنن له قوانين ناظمة، وبالتالي يستمد منها قواعده العامة، ليقنن على ضوئها قوانين وفق كل زمان ومكان، وتكون الضابطة العميقة نفسيا وأخلاقيا وقيميا هي رضا الله والخوف من عقابه الذي يعني الألم، والسعي لثوابه الذي يحقق السعادة في الدنيا والآخرة، وليس فقط وجود قانون مخالفته قد تحقق مفسدة للإنسان.

وللقانون ولتطبيقه على الجميع دون فرق، دور كبير في تحقيق الضبط الاجتماعي تشريعيا ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : ما هي مصادر التقنين ؟ وهل للقانون دور في الضبط الأخلاقي؟

 مصادر التقنين:

كي يحرز القانون هدفه في الضبط وتحقيق العدل، لابد له من مرجعية خبيرة ومحيطة بالإنسان وعلاقته بالطبيعة والإنسان الآخر، وكيفية نظم هذه العلاقات بما يدفع باتجاه التطور والتقدم والتنمية المستديمة، ويزيل كل العوائق النفسية والاجتماعية.

والمصدر في التقنين يجب أن يتصف بالإحاطة والشمولية والتجرد والموضوعية، حتى يستطيع سن قانون تحقق الهدف من التقنين، ويضبط السلوك الفردي والاجتماعي بما يحفظ النوع الإنساني ويحقق العدل.

فنحن هنا أمام مرجعيتين:

١. المرجعية الالهية المحيطة الشاملة الخبيرة غير المحدودة، وهنا نعني من حيث الضوابط والقوانين العامة دون إنكار لدور العقل الذي منحه الله للإنسان في التفصيل، وتشخيص الأصلح، لتحقيق تلك الغايات وتطبيق تلك الحدود العامة.

٢. المرجعية البشرية المحدودة، والتي يلعب فيها كل من العقل البشري المحدود والذات دورا كبيرا في تشخيص القانون.

المرجعية الالهية متمثلة في القرآن الكريم والسنة المعتبرة والحديث المُحَقَّقْ، بحيث يشكل القرآن المرجعية المعرفية المعصومة لباقي المصادر، ويلعب العقل دورا هاما ومحوريا في الوصول لحكم الله.

أما المرجعية البشرية فتتكئ على التجربة، منطلقة من نجاحها في التجارب الطبيعية، مع عدم التفاتها للاختلاف العميق والواقعي بين التجربة الطبيعية والتجربة الاجتماعية والبشرية، وأهمها مجال التطبيق ومدة ظهور النتائج والاثار المترتبة على التجربة.

المرجعية الالهية تنظم القوانين وفق أسس ثابتة وأخرى متغيرة وفق الزمان والمكان، تكون فيها الثوابت مرجعية لتلك المتغيرات، بحيث تشكل قواعد كلية صالحة لكل زمان ومكان، وتكون المتغيرات في مصاديق تحقيق تلك الكليات الثابتة. أو إن كانت كليات ثابتة مع تفاصيلها، فإن المحرك العملي هنا قواعد كلية مرنة منتزعة من الشريعة، تعمل كمفصل مرن يجعل من هذه الثوابت صالحة لكل زمان ومكان، كقاعدة ” لا ضرر ولا ضرار ” على سبيل المثال لا الحصر.

وهذا لا يعني إلغاء دور العقل ومنع الاستفادة من التجارب البشرية الاجتماعية، فالنبي ص أمضى حلف الفضول الذي تأسس قبل الاسلام، كونه يلتقي في مقاصده الاجتماعية وحراكه مع قيم الاسلام الرفيعة، فالإنسان مفطور على حب الخير.

إذا معيار الاستفادة من تجارب الأخرين البشرية الاجتماعية وما يتعلق بالتقنين، هو عدم تعارضها مع القواعد الكلية للشريعة ومع مقاصد الاسلام العليا، وتحقيقها لجوهرة القيم ” العدالة “، وعدم امتهانها لكرامة الإنسان ودوره الخلافي على الأرض.

فالعقل أحد مصادر التشريع من جهة، وأحد مصادر المعرفة من جهة أخرى، وهو قادر على كشف الواقع، والانتزاع من جزئيات مستقرئة، قوانين كلية قادرة على نظم الواقع الإنساني اجتماعيا، ويكون الوحي (النص) حارسا يمنع خروج العقل عن جادة التفكير المنطقي، ويمده بالمواد الخام، في حال عجز عن الحصول عليها مستقلا لمعرفة واقع الأمر.
ولكن ما هي ضابطة الإلزام في تطبيق القانون؟

ضابطة الالزام في تطبيق القانون:

وسن القانون وفق قاعدة الحق الالهية المنشأ، ووفق قاعدة المرجعية الالهية مع الاستفادة من التجارب البشرية والعقل البشري، التي لا تتعارض مع هذه المرجعية لا يكفي في تحقيق الهدف، حتى مع الالزام الخارجي في تطبيقه، كون الهدف من القانون احراز الاستدامة في الاستقرار الاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا لا يتحقق إلا من خلال بناء الفرد بناء معنويا روحيا وفق مبدأ الرقابة الالهية واتصال الدنيا بالآخرة، وليس مبدأ فقط رقابة الدولة عليه لتطبيق القانون، فمع تمكن الفرد من تجاوز القانون دون وقوع عقوبة عليه ودون تطبيق القانون عليه، فإن ذلك يعني عدم قدرة القانون منفردا على تحقيق مبدأ الإلزام الدافع للفرد إلى التطبيق، كون التطبيق يتطلب رقابة من قبل المشرع، ومع غياب الرقابة أو امتلاك الفرد سلطة ونفوذ، فإن ذلك يمكنه من مخالفة القانون. لذلك فإن القانون منفردا لا يمتلك كامل الصلاحيات الإلزامية، التي تدفع الفرد لتطبيق القانون، إلا ضمن شروط محددة زوالها يؤدي إلى المخالفة.

فالقانون لا يلعب دورا في الضبط الأخلاقي وارتفاع منسوب التقوى، وما يقوم به القانون هو ضبط سلوك الفرد الظاهري، ضمن شروط تحقق الضبط، بينما التقوى والانضباط الأخلاقي، هما الأساس في تطبيق القانون وتحقيق أهدافه. ومع كون التقوى مصطلح إسلامي خاص، إلا أنني هنا لا أعني به المعنى الإسلامي الحرفي فقط، والذي يخلق لدى المسلم حالة نفسية باستشعار رقابة الله الدائمة، مما يمنع النفس من مخالفة القوانين الشرعية والمدنية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، وتمنع الفوضى وإشاعة الفساد. أما بالنسبة للتقوى ببعدها الإنساني الخارج عن حدود الدين والعقيدة، فأعني بها الضمير[1] الأخلاقي الذي يمتلكه كل فرد، هذا الضمير يعتمد على قدرة العقل مستقلا في تمييز الحسن من القبيح، وهو ما يحتاج إلى تحفيز حقيقي، كون الضمير مرتبط بتحقيق اللذة ومتعلق بفعل الفرد، لقدرته على تمييز الحسن من القبيح، بالتالي يسعى دوما للشعور بالسعادة واللذة، واللتان لا تقتصران على الأمور المادية، بل أيضا الأمور المعنوية المرتبطة بإنسانية الإنسان بغض النظر عن أي انتماء.

” فالضمير مركب من الخبرات العاطفية القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤولية الأخلاقية لسلوكه في المجتمع، وتقدير الفرد الخاص لأفعاله وسلوكه. وليس الضمير صفة ولادية، إنما يحدده وضع الإنسان في المجتمع، وظروف حياته، وتربيته، وهكذا. ويرتبط الضمير ارتباطا وثيقا بالواجب، ويشعر المرء– بوعيه بأنه انجز واجبه تماما –بأنه صافي الضمير، أما انتهاك الواجب فيكون مصحوبا بوخزات التأنيب. والضمير، في استجابته الايجابية لمتطلبات المجتمع، قوة دافعة قوية للتهذيب الأخلاقي للفرد.

والإلزام كضابطة لتطبيق القانون وكقاعدة تعتمد في تطبيقها على الفرد وعلى تربيته وفق مبدأ الرقابة الإلهية، وهو ما يتطلب وجود برنامج شامل يبني قواعده العقدية على أساس التوحيد، وينطلق به ليكمل بناءاته وفق إرادة الخالق المنظمة لجوارحه سلوكيا، وفق مجموعة من القوانين والتشريعات المرسلة عن طريق الأنبياء بالأصالة، ومن يكمل مسيرتهم من الأوصياء والعلماء والنخب الملتزمة لتلك المبادئ قولا وعملا، ووفق مجموعة من القيم والضوابط الأخلاقية التي تعني بضبط بعده الجوانحي المعنوي، وفق نفس الطريق في التبليغ بها.

فما نعيشه اليوم من تجربة للمرجعيات البشرية في سن القوانين الناظمة والضابطة للحياة الاجتماعية، والأوبئة مثال صارخ على تجاوز القيم الأخلاقية في حال تضررت المنفعة العامة وتضرر رأس المال، أي في حل وقع ضررا اقتصاديا كما حدث في وباء كورونا، حيث اعتبر كبار السن غير ذات نفع ولا يعود وجودهم بأي إنتاج يصب في رأس المال، بل يشكلون عبئا على الدولة، فتركوا غالبا دون مساعدة، بل حتى دور الإعاقة في أمريكا قررت بعض الولايات عدم تقديم أي مساعدة لهم، وتركوا لمصيرهم في مواجهة الوباء. وهذا أكبر دليل على عدم قدرتها منفردة في تشخيص الواقع ومعالجته، للقصور الذي يظهر في تلك القوانين بعد مرور زمن طويل على تطبيقها، وظهور جوانب القصور فيها، لعدم تحقيقها للانضباط والاستقرار المستديم، وعدم إرسائها للعدالة الاجتماعية، لخلل ما في التطبيق على الجميع أو لخلل في تشخيص الواقع الذي على ضوئه سن القانون.

 

فحينما تتحكم النظريات البراغماتية والنفعية كمرجعية أخلاقية في تحديد المسؤوليات الاجتماعية اتجاه الأفراد والمجتمعات، فإن ذلك سيضع قيمة العدالة والكرامة على محك، وسيؤدي إلى ظهور ثغرات أخلاقية حقيقية، تظهر الخلل في فهم العدالة والكرامة، أي خلل مفاهيمي ناشئ عن بنية الغرب المعرفية، ومصادرها التي تستبعد البعد المعنوي والغيبي، وبالتالي تنظر للإنسان كجسد مادي، قيمته تكمن في مدى فائدته لرأس المال العام.

فقد يلتزم الأغلب بالقانون بدافع حماية النفس من العقاب أو التعدي عليها لانتهاك القانون، أو دفعا لاستقرار المجتمع، لكن قد يمتلك بعض الأشخاص من النفوذ المالي والسلطوي ما يمكنهم من تجاوز القوانين الناظمة دون رقيب أو حسيب، فيكون القانون بذلك لا يملك بذاته صفة الالزام، ولم يتم تطبيقه على الجميع لموانع خارجية، غالبها تأتي من تلك الجهة، إما الواضعة للقانون أو المنفذة له، كون الأساس الأخلاقي الحاكم على مسار التطبيق هو الأساس النفعي.

فطالما المنفعة تتطلب تجاوز القانون وعدم تطبيقه، فلن يطبق لتحقيق هذه المنفعة، خاصة عند اجتماع السلطة والنفوذ مع المنفعة والمصلحة الشخصية، المنطلقة من حب الذات، فإن ذلك مع توفره، فلن يلزم صاحبه بتطبيق القانون.

 

وما يكسب القانون إلزاميته هو الإنسان ذاته، وما يملكه من أبعاد قيمية ومعايير ضابطة، ترتبط إما بتماهيه مع فطرته وما جبل عليه من الخير، أو ما يملكه من ضمير أخلاقي، أو لارتباط هذا العنصر البشري بالسماء وإحرازه لمقومات التقوى المعززة للانضباط الذاتي. والضمير الأخلاقي حينما يتحول إلى ثقافة اجتماعية، بحيث يصبح ارتكاب القبيح أو المخالفة القانونية أمرا مستنكرا اجتماعيا، فإن هذا الاستنكار الجماعي للقبيح وللمخالفة يشكل بذاته ضابطة للفرد وللمجتمع، تمنعه حتى مع عدم وجود رقيب، من ارتكاب القبيح أو مخالفة القانون، تحسبا لاستنكار المجتمع ولعزله اجتماعيا، ولحوق العار الاجتماعي به، نتيجة هذا الانتهاك المخالف للضمير الأخلاقي الاجتماعي.

 

وغياب الله عن هذا النظم، سيؤدي خاصة في الكوارث، إلى تسلط القوي على الأضعف، وتحكم الأقوى بالأضعف، بل قد يصل الأمر لتحكم القوي بحياة الأضعف، وتحديد حتى موته، كما حدث في الدول الغربية في وباء كورونا، حيث كان الأطباء يقدمون الأصغر سنا على الأكبر سنا في تقديم العلاج، ويتركون كبار السن يواجهون الموت دون أدني مساعدة.

وكان لصحيفة لوموند الفرنسية لقاء مع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس حول جائحة كورونا Covid-19

يوضح هابرماس فيها مسألتين:

  • مسألة المساواة في حق الحياة، وعدم جواز استخدام المقياس الكمي في تشخيص هذا الحق.
  • مسألة الإغراء النفعي الذي يقم قيمة السوق على قيمة حياة الإنسان.

وهما مسألتين تأتيان في سياق فلسفة الغرب الأخلاقية التي تعتمد على نظريتين رئيسيتين في المنهج السلوكي والأفعال وهما:  النظرية النفعية والنظرية البراغماتية.

 

وقد نحتاج لوقت من الزمن حتى تتجلى تداعيات السلوك الغربي أثناء الوباء مع الشعوب الغربية، وتداعيات الفلسفة الأخلاقية التي تم تشييدها على مصادر معرفة محدودة، كان معيارها السيطرة على الطبيعة، وأهملت موضوع السيطرة على الذات.

 

العولمة وأثرها على الهوية  الانسانية؛ کورونا نموذجًا

وبدوره، تحدث في هذه الندوة الافتراضية رئيس أساقفة صور وتوابعها للروم الكاثوليك المطران ميخائيل أبرص حول “العولمة وأثرها على الهوية الإنسانية؛ كورونا أنموذجاً”وإليكم نص المحاضرة:

“بسم الله الواحد الأوحد

أود أولاُ أن اهنئ المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلاميّة في لبنان وأهنئ الدكتور علي قصير على اختيارهم هذا الموضوع الشيّق “كورونا: جدليات الهويّة الإنسانيّة”: فهو موضوع معاصر وهام جدًا لمستقبل العالم أجمع وللبنان بنوع خاص، أشكركم على استضافتكم لي. وأرحب بالآخوة المشاركين في هذه الندوة  و هم  “الحاج عبد المنعم الزين”، و”الأستاذ الكاتب الدكتور نور الدين أبو لحية”، و”والباحثة الأستاذة إيمان شمس الدين”، وتحية وسلام إلى جميع المشاهدين الكرام.

وبادىء ذي بدء أحب أن أقول أن هذا الوباء الخبيث كورونا، الذي اجتاح العالم كلّه تقريبًا، قد أصاب حتى الآن أكثر من أربعة ملايين شخص، واباد منهم أكثر من 300.000 إنسان، قد أربك العالم بأسره وكشف لنا أمورًا هامة لها علاقة بالعولمة وبالهويّة الإنسانيّة.

وموضوع “العولمة وأثرها على الهوية الإنسانيّة: كورونا أنموذجًا” إنما يفرض ذاته على ثلاثة محاور: الأول عن ماهية العولمة بحد ذاتها؛ والثاني عن علاقة هذه العولمة بالهوية الإنسانيّة؛ لنطبقها في المحور الثالث على الجائحة “كورونا” كنموذج لتلك العلاقة.
وبالرغم من عمرنا، نحن مع الجيل الجديد، ومع التطوّر الذي يحصل في العالم كلّه، بالرغم من تأثيره المباشر على هويتنا الشخصيّة والوطنيّة. ففكرة العولمة هي أن العالم كلّه أصبح في متناول كلّ من يرغب في معرفة ما يجري في المسكونة وذلك عبر الأقمار الإصطناعية وسائل الإعلام الالكترونية الحديثة. ولهذه العولمة وجهان: إيجابي، إذا عرفنا كيف نستعملها ونستفيد منها؛ وسلبي إذا تركناها تسيطر علينا وتجرفنا.
ونحن مع العولمة ونشجع الجميع على الانفتاح لنخرج من قمقمنا الصغير. علينا أن نثبّت وجودنا كدولة ورجال دين وسياسيين وإقتصاديين ومثقفين وكأهل وكأفراد؛ ففي هذه الحقبة من الزمان علينا أن نتابع القضايا العالميّة: ومنها الحروب القائمة في عدة دول في الشرق وفي افريقيا واميركا الجنوبيّة… والوباء الأخير كورونا المنتشر في كل مكان مهدّدًا كل فردٍ منا، البترول في العالم، وكافة أمور الطاقة، البيئة والمحافظة عليها سالمة، الاقتصاد وتدهوره في هذه الأيام العصيبة (كالبطالة وفرص العمل والنقابات والاحتجاجات المطلبيّة…)، وغيرها من المواضيع الإجتماعيّة كاحترام المرأة والعنف الأُسري وفرص العمل، وتسويق المنتجات وما إلى ذلك من الأمور في كل العالم.
ومن لا يرغب أن يتقدّم ويتماشى مع العصر؟ مع المنهج العالمي الجديد؟ كل العالم يتجمّع ليُصبح قوةً أمتن. كلنا نعرف أن العود الصغير وحده ينكسر بسهولة، إنما الرزمة من العيدان تبقى أقسى وأشد صلابة.
وأكبر برهان هو ظهور المؤسسات الدوليّة والعالميّة منذ منتصف القرن الماضي. الدول الأوروبيّة بالذات إبتدأت بالتجمّع وخلقت فكرة الـ ٍShengen لتقف بقوة أكبر بوجه الولايات المتحدة والصين، وصكّت العملة المشتركة فيما بينها “اليورو” لتجابه  الدولار واليّن الصيني.
والعالم كلّه يغلي بحثًا على أن يتقوى ويثبت وجوده على الأرض، وهذا ما علينا نحن اليوم، أن نتشبّه به، لنكون جميعًا كشرقيين يدًا واحدة صلبة قوية ونستفيد مثلهم من وسائل التواصل الاجتماعي الألكتروني الحديثة لنواكب التطوّر الحاصل والتعاضد والتآخي، ونتخطى الشرذمة والتقوقع، فننفتح على الآخرين ونبقى مواكبين التطور العالمي، على كافة الصُعد.
 وهذا واجب علينا وإلا فسنتراجع إلى الوراء أكثر بينما العالم يتقدّم.
وإنما في الوقت عينه، -وهذا هو المحور الثاني- علينا أن نكون حذرين جدًا من الدرب العريض السهل الذي يفرض الغرب علينا إتباعه. لا نستطيع أن نسير عكس التيار الجارف وحدنا. علينا أيضًا أن نكون حذرين واعين كي لا نقع في الدوامة التي يريدون أن يزجونا فيها كالخراف التي تتبع الكراز دون تفكير…
 لا تفكّر نحن نفكّر عنك
 لا تصمّم نحن نصمّم عنك
لا تختار نحن نختار عنك…الخ
 وهنا أود أن أقول من خبرتي الضئيلة، أن شعب إيران هم متصالحون مع العولمة ومع التطور، لأن هذا الشعب الآري ذو بنيّة قويّة ومرتبط مع بعضه؛ فقد طوّرت إيران الثقافة والعلوم والطب والأبحاث وتوصلت أن يكون لديها أقمار إصطناعيّة وبحوث نوويّة متقدّمة… لكنها ظلّت في الوقت عينه محافظة على قيّم شعبها الدينيّة والاجتماعيّة:  فهي لم تتأثر بشيء اسمه “الغرب” وبقيت تدافع دائمًا عن المظلوم، وحافظت على فكرة العائلة وتماسك أعضائها، وعلى الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة، وعلى اعتبار المُسنّ كقيمة عائليّة يكرمونها، ففي كل عيد يترأس الجد الأكبر طاولة الاحتفالات، والعائلة تهتم به مهما ساءت حالته ولا ترسله إلى دور العجزة، وهو بدوره يُعلم أولاده وأحفاده تاريخ دولتهم، فيقرأ عليهم من كتاب الشاهنامه (تاريخ الملوك) {وبالمناسبة أنا والدكتورة آني طوروسيان المحترمة بصدد تأليف كتاب عن الشاهنامة}…
وأضف أنهم، في إيران، لا زالوا يحتفلون بعيد النوروز (الشابيه يللدا)؛ ويعلمون أولادهم الأشعار، وهي من الأمور التي بدأنا نفقدها…
وإذًا الوعي والحذر والمحافظة على هويتنا وخصوصياتنا، كما في إيران، ضروري، والجميع يعلم أن الشرق يختلف كثيرًا عن الغرب: نحن لنا تاريخنا وتراثنا وعوائدنا وتقاليدنا وثقافتنا الخاصة والعريقة منذ قرون ما قبل التأريخ. فعلينا أن نتمثل بهم.
“لكن”… طبعًا هناك “لكن”. إذ أن هناك بالمقابل أمور سلبيّة عديدة فرضتها علينا هذه العولمة وأثرت وتؤثر على هويتنا.
 التاريخ يشهد
بالنسبة للبنان، أنا أعتقد أن عقدة النقص التي لدينا تجاه الغرب، على أنه أفضل منا وأحسن منا ومتقدّم أكثر منا، -وهذا واقع-، وأن الحرية التي يتمتع بها شعب لبنان، هما من الأسباب التي سهّلت تعلقنا بكل ما يأتينا منه، وأعادت وسائل الاتصالات الالكترونيّة الحديثة ومتنت الرباط بيننا وبين العالم.
ونحن، لدينا تاريخ عريق أيضًا يعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، هذا ما يحاول الغرب أن يتخطاه ويطمسه ويدمّره (عبر الدواعش وسواهم). ولدينا حضارة واسعة ومتميّزة وثقافة وتقاليد، ولدينا عادات إجتماعيّة خاصة لها أثرها وتبقى هامة: كالعيش المشترك، وروح التضامن (العونة)، والحياة العائلة، والأمانة… (كما لدينا أمور سلبيّة علينا أن نعمل على إصلاحها بالمقارنة مع بقية أنحاء العالم، كمكانة المرأة في العائلة، والفساد في المجتمع وفي الاقتصاد…).
وفي إيران مثلاً هناك العديد من الكنائس والحضارات غير الإسلاميّة لا زالت الدولة تحافظ عليها وهي تعيش بأمان وسلام في الدولة الإسلاميّة الإيرانيّة. هنا في لبنان، المتميّز عن سائر الدول العربيّة، هناك 17 طائفة تعيش مع بعضها جنبًا إلى جنب بمحبة وتآخي. لكن السياسة الأجنبيّة لعبت دورها على الحساسية الدينيّة وأظهرت لنا الآخر كعدو وأثارت النعرات الطائفيّة التي لم نكن نعرفها سابقًا، فأججت الفتن والحروب الشرسة لكن البائسة لتقسمنا وتشرذمنا وتعادينا فيما بيننا.
وشعار “فرّق تسُد” معروف.
وأمل أن تكون الحرب الأهليّة قد علمتنا درسًا، يبدو أن الجيل الجديد يرفض فكرة الطائفيّة ولكنه لا زال متمسكًا بالطوائف. الدين يوحّد لكن السياسة تفرّق. الغرب الذي يرفض الدين وصل إلى الإلحاد وإلى إضاعة القيّم الدينيّة التي هي في الأساس قيّم إنسانيّة؛ فظهرت لديهم الزواجات المثلية، والتبني الخاطئ وأهمل التعاون والاهتمام الواحد بالآخر وطغت الفردية والإنعزاليّة والأنانيّة والتقوقع الشخصي…
ويريدوننا أن نصبح مثلهم دون قيّم إجتماعية وروحيّة ودينيّة… ففي الغرب مثلاً، يبقي الشخص ساكنًا في بناية عدة سنوات ولا يعرف جاره. الزيارات العائليّة والإجتماعيّة أصبحت شبه مفقودة. وأكبر برهان أنهم في هذه الجانحة، أهملوا المسنيين دون آلات تنفس إصطناعي ليفضلوا استخدامها للشباب… أصبحت القاعدة الذهبيّة: “المصالح الخاصة”.
لماذا انسحبت إنكلترا من الإتحاد الأوروبي؟ لأنها شعرت بفقدان كافة خصوصياتها وهويتها التي كانت تتميّز بهما عن بقيّة الدول الأوروبيّة.
ونحن في الشرق إبتدأنا نتأثر بسبب العولمة بإضاعة هويتنا (في السهرة واجتماع أفراد العائلة كل واحد يستعمل الخليوي الخاص ويهمل البقيّة)؛ حتى ذكاؤنا إبتدأ يتأثر وينحدّ، وذلك باتكالنا على تحصيل المعلومات بسرعة وسهولة من البرامج الألكترونية الحديثة كالغوغل وغيره (حتى في العمليات الحسابيّة البسيطة…). لم يعد هناك مجال للتفتيش الشخصي والإبداع.
مع العولمة، أصبحت نفسيتنا ضائعة، أصبحنا كما يقول المثل اللبناني “مثل دويك في المدينة”. نعيش في عالم غير عالمنا، نقدّر ما نراه في الغرب من تقدّم فني وعلمي وتقني وثقافي وحضاري (وهذا صحيح) ولكن لا يجب أن نزدري ما لدينا من تراث وتقاليد وقيّم ونهملها كأنها بمجملها غلط. وجاءت السياسات الخارجية لتزيد الطين بِلة، لتفاقم الوضع الإجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي والروحي والديني.
ومن المؤكد أن مع العولمة أصبح التعاون بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أسهل بكثير ولكن هذا أيضًا ليس صحيح مئة بالمئة: ففي أزمة الجانحة كورونا، شعرت فرنسا أنها بحاجة لدعم الدول الأوروبيّة لتساعدها في السيطرة على هذا الوباء، لكنها وللأسف لم تجدها بالقرب منها….
و أما المحور الثالث، موضوع الجائحة كورونا إنموذجًا، نرى كيف أن الدول كلها راحت تتعاون لتخطي الأزمة: منها الدور الهام لصندوق النقد الدولي الذي يساعد الجميع، وهناك العديد من الدول كالصين ذاتها ساعدت بتوفير المعدات الطبيّة للدول المحتاجة كفحوص الـ PCR، وآلات التنفس الآلي والكمامات والقفازات، وحتى بعض الدول كروسيا وكوبا ساهمت في تجهيز مستشفيات محليّة في دول أخرى لاستيعاب المرضى؛ هناك أيضًا مساهمات على الصعيد الزراعي والصناعي والاقتصادي لتجاوز هذه الأزمة. وتعاون مع المفوضيّة الأوروبيّة؛ هذا الدعم والتعاون المتبادلان بين الدول هو أكبر برهان على انتشار العولمة ودورها في مجابهة تداعيات هذا الفيروس…
كن بالمقابل نلحظ الوجه السلبي لهذا الوباء الذي أبعد الإنسان عن أخيه الإنسان وصار يراه كعدو يهدّد كيانه، لم يعد يسلّم عليه، صار يبتعد عنه ويتجنبه قدر ما أمكن؛ أضاعت الدول قيمة الإنسان: لم يعد للموت من رهبة ولا أهمية، إهملت المسنين، ولم تعد تحترم الموتى، فأستغنت عن الشعائر الدينية وراحت تلقي بالموتى دون صلاة في مقابر جماعيّة… كلٌ يفتش على خلاصه ولم يعدّ يهمه أمر أخيه الإنسان.
في الختام، لسنا أرقامًا إنما بشرًا وكلّ منا إنسان له خصوصياته وفرادته، ويرفض الإنسياق لكل ما تجلبه عليه هذه العولمة من إضاعة لهويته الشخصيّة. فهل هذا هو الإنموذج الذي نريده؟”.
مداخلات ندوة “كورونا: جدليات الهوية الإنسانية”  
1)   الشيخ غالب الناصري من العراق:
وبعض الاخوة والاساتذة الموجودون، الدكتور نور الدين والدكتور هاني يعرفون بانني كتبت كتابا 200 صفحة او اكثرعن هذه الجائحة، فيما يتعلق بتفسيراتها فيما يتعلّق بطرائق توظيفها او بتدبيرها ومابعدها او بمستقبلها . ولعل من الكتب الاوائل التي كتبت في هذا المجال. في الحقيقة لفت انتباهي قضية المنظومات ، نحن اكثر من عشرين سنة كنت نعمل حول موضوع المنظومات الحديثة الاسلامية، كيف يمكن بناء منظومات اسلامية ، في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي التربية والسياسة ، هذا الموضوع مهم من ايام الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه. فكيف انهارت هذه المنظومات امام منظومة واحدة ،المنظومة الصحية هي التي انهارت، المنظومة الطبية لم توفر العلاج ولم توفر اللقاح، وبمجرد انهيار هذه المنظومة ، هربت الناس الى البيوت وتركت العمل وتعطّلت المطارات وتوقفت السفن . هرب الناس الى البيوت وحتى الحكومات لم تعد تلتقي بل لقاءها اصبح من خلال تقنيات التواصل الاجتماعي. فانهيار منظومة واحدة لانها لم تستطع ان تؤدي عملها الطبي والصحي بايجاد اللقاح والعلاج ، انهارت جميع المنظومات . اذن هذه لعبة الدومينو ، وهي ان تسقط قطعة يؤدي الى سقوط القطع الاخرى، هذا الموضوع بحد ذاته فكرة ، وهي كيف يمكن اسقاط منظومة واحدة يؤدي الى اسقاط بقية المنظومات كلها.
هذا الموضوع يجب ان يُدرَس، على اقل تقدير ، في بناء الدول مجددا بان يعاد النظر في هذه القضية ، وهي ان المنظومات تكون لها حصانة ، لا ان سقوط منظومة يؤدي الى سقوط بقية المنظومات.

2)   الدكتور ابراهيم سعيد من سوريا:

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته نعزيكم باستشهاد مولانا امير المؤمنين علي “ع” واشكركم جدا على هذه الاستضافة الكريمة، واقول بعد ما استمعت الى الاخوة الكرام والاخت الكريمة ايضا في اوراقهم المقدمة حول موضوع كورونا والهوية وتداعيات ذلك على القيم الانسانية وعلى السلوك الانساني وايضا على المجموعة البشرية بشكل عام، ومن خلال الاستماع الى ما تقدم به الاخوة الكرام لاحظنا كيف ان اهتمام الباحثين في كورونا جاء تحت عنوان عريض اساسي هو: هل كانت كورونا سببا في انهيار منظومة القيم الاخلاقية عند المجتمعات وعند الافراد، وبشكل خاص عند المجتمعات، حيث كان تأثير كورونا واسع الانتشار وتاثيره على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك.وايضا في عملية ضبط السلوك الانساني امام وجود الاوبئة والحالات الاستثنائية التي تتعرض لها الانسانية ، كيف يمكن تشكّل وتشكيل السلوك الفردي والسلوك الجمعي للانسان وكيف يمكن الاستفادة من المرجعية الاخلاقية ، سواءً كانت بفطرتها الاولى او من خلال التطور الفكري والتطور القانوني الذي ابدعه الانسان في مجتمعات متعددة ومتباينة هل كان يوجد هناك تكامل وانسجام وتعاون بين المجتمعات الانسانية للتصدي لوباء يهدد الانسانية كلها ؟ هناك الكثير من التساؤولات التي تُطرح ويجب ان تدرس بشكل موسع ومعمق لانه مثل ما قال الدكتور نور الدين، ان ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها ، هناك الكثير من المفاهيم والتي كان من العبث مناقشتها قبل كورونا ، انهارت ولم تصبح مفيدة ، يعني المجتمعات الغربية ، المجتمع الليبرالي، القيم النفعية ، كانت اساسية في المجتمعات الغربية ، وكان من الصعوبة  مناقشتها واقناعهم بان هناك مفاهيم اخرى مفيدة للانسانية والبشرية ، ومرجعيات اخرى غير المرجعية الاقتصادية وغير المرجعية السياسية وغير المرجعية النفعية ، في لتصدي لهذه المشكلة كشفت عورات النظام الليبرالي ، وحتى الانظمة الاخرى ماقبل الليبرالية . يمكن ملاحظة كيف ان الدول حاولت ان تحتكر الادوات الصحية لنفسها ولا لغيرها ، حيث قامت بعملية قرصنة وبعملية سرقة واحتيال على بعضها البعض، بعض الدول تُركت لوحدها لكي تواجه قدرها بنفسها دون تقديم المساعدة . مثلا الاتحاد الاوربي قائم على اساس التعاون والتصدي للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والعسكرية ، وذلك من خلال حلف الناتو وغيرها ، ولكن كل هذه المراحل التي تم التقدم في بناءها لم تغن هذه المجتمعات عن العودة الى الهوية القومية او الهوية المجتمعية في مكان جغرافي محدد . في النهاية كان لابد من طرح قضية التعاون والتبادل في المنفعة والتصدي للاخطار الكبيرة.
وأريد ان ابين هنا ان المجتمعات الشرقية ومايعرف الان مقابل الفردية الاوربية او الفردية الغربية بشكل عام ، هناك السلوك الجمعي والسلوك الاجتماعي والهوية التي يمكن الرجوع اليها ، الهوية الاسلامية ، الهوية القومية، الهوية الوطنية ، هذه الهويات المتداخلة مع بعضها البعض والتي تسند بعضها البعض ، اثبتت وجودها في المجتمعات الشرقية وكانت في المستوى ولنقل تحت المستوى المطلوب ، انها قدمت فوائد كثيرة جدا وضوابط كثيرة جدا ، نفعت المجتمع وبينت اهمية التكافل الاجتماعي والتصدي لحالات من هذا القبيل .
اذن الحالة  الجمعية الشرقية المتأثرة بالمرجعيات الاخلاقية الدينية والاخلاقيات الانسانية التي بناها المجتمع خلال مراحل تطوره التاريخي ومن خلال الانفتاح على الاخر وعدم الانغلاق ومن خلال المساعدات وغيرها من الامور ….
3) الشيخ عبد المنعم الزين:
تعقيب على كلام الدكتورة ايمان.
فقط اريد ان اعطي مثالا في قضية الاخلاق المصطنعة والاخلاق الحقيقية التي وردت في السياق ، اعطي مثالا : انا داعية عادي بسيط ادخل الى فرنسا والمانيا و .. وياتي مجموعة من الناس ويستفيدون مني ، يسألني احد الشباب ويقول لي : هل يجوز لي وانا في هذا البلد الاجنبي ان اسرق الكهرباء او التليفون او .. ، هنا وانا بحكم تخلف الوعي الديني عندي مثلا اقول له : هذا مجهول المالك او هذه دولة كافرة او لاتؤمن بالدين وو.. يجوز لك بان تسرق ، بينما لو قرأنا تاريخنا نجد مثلا عندما يتحدث امامنا زين العابدين”ع”  عندما يقول ( ما معناه): لو اؤتمنت على سيف ابن ملجم لاعطيته له ، ونحن بذكرى استشهاد امير المؤمنين “ع” ، ونحن نعرف بان امير المؤمنين”ع” استشهد بضربة من سيف عبد الرحمن ابن ملجم”لع”  الامام زين العابدين”ع” حفيد الامام المعصوم يقول : لو كان سيف ابن ملجم امانة عندي ويأتي ابن ملجم ويطلب الامانة ،اعطيه الامانة ، اذا كان الامام يقدم السيف الذي قتل فيه جده الى من اؤتمنه عنده ، يكون هذا في منتهى الاخلاق ، وهذه هي  الحقيقية التي وردت في القران الكريم ، حيث جاء  في حق الرسول “ص” ( وانك لعلى خلق عظيم) ، اختم حديثي بفتوى رائعة عن السيد السيستاني حفظه الله ، سأله شاب وقال: انا ذاهب الى فرنسا او المانيا وافكر بان اسرق كهرباء او تليفون او .. هل يجوز هذا ام لا ؟ الجواب كان رائعا ، قال له : اذا كنت تدخل هذا البلد بفيزا ، الفيزا التي وقعت عليها ووقع القنصل على الفيزا ، هذه تعتبر وثيقة عهد بينك وبينه بأن تلتزم بالقوانين المرعية في البلاد ، ولو انك قلت في الطلب للقنصل ، انا اريد ان اسرق الكهرباء او التليفون، لم يعطك الفيزا ، اذن هناك شرط كلي بانك تلنزم بعهد وميثاق الذي عبّر عنه القرآن الكريم ( ياايها الذين امنوا اوفوا بالعقود) ، واما اذا كنت قد دخلت البلد بلا فيزا فلايصح لك بان تبين دينك هو دين يدعو الى السرقة ، سرقة الاخرين ، بالعكس يجب ان تبين با دينك هو دين اخلاقي يحافظ على اموال الناس.
4) الدكتور إادريس هاني:

وفي الحقيقة استفدت كثيرا وآخرها هذه الفتوى التي تحكي عن التعهد، هي حلوة، على كل حال، اذا بدأت من حديث سيادة المطران ميخائيل ابرص، فكلامه يقع ككل هؤلاء المطارنة المناضلين ضمن لاهوت التحرير، وانه بالفعل، المعركة هي معركة القيم، وإذا ترجمناها بطريقتي فهي حرب حضارية، فلو كان هذا الدين يمشي على طريقة مارسيه غوشيه الذي يصلنا بماك سويبر دين الخروج من الدين أقبلوا به، ولكنه هو دين الدخول في الدين، لذلك فالقصيم التي تنتج وعيا وموقفا وكذا هذه تعتبر نقيضة، بالفعل دكتورة ايمان طرحت افكارا مهمة جدا، وجريا على حديث الشيخ غالب هو كتب كتابا رائعا جا، ان اطلعت عليه، وهو من اوائل ما كتب حقيقة.

فيما يتعلق بكتابي انا في الكورونا، استرجعه فقط لانني كنت انتظر الذين تحدثت عنهم الأخت ايمان، كنت انتظر ان ينطقوا، ولم ينطقوا، ربما ادغار موان تكلم في وقت مبكر، جاك اتالي تكلم، لكن الجامع بينهم، انهم على طريقة بوكوياما يحاولون ان يخربوا إلى الأمام لأننا حين نحاكمهم باصول تفكيرهم، هابرماست مثلا كاخر عناقيد مدرسة فرانكفورت او الان تورين مهم جدا ايضا، كلهم يتحدثون عن مخاطر في المستقبل يعيدونا إلى الوراء ويعتبر ن ان هذا التحول هو مزيد من التعلق بالعلم وان العلم سوف يحل محل الإله وغير ذلك، طبها يوجد هنا تفاصيل كثيرة، سواء تعلق بماسيل غوشيه او او ادغار مورا او حتى جوزف نايل الذي كان دائما يتحدث عن التحول في مفهوم السلطة في مفهوم القوة، لكن حول الكورونا يقول انه لم يتغير النظام العالمي، ولن يتغير، بمعنى انه يوجد شيء من المفارقة، ولكن حينما نصل إلى قضية السلطة، وقضية الدين، في الحقيقة ان ليو ستراوس وأب المحافظين الجدد، في تاريخ الفلسفة السياسية، وكوجيف ايضا قبل ذلك ربطوا ممارسة السلطة، والقبول بممارسة السلطة بالرغبة ووضعوها نفس الشيء ككل الرغبات، بما انهم حاولوا ان يجعلوا منها ثقة، وهذا يعود بهم لأنهم استحضروا جميع التطورات الإنسانية، وإن الإنسان حينما كان يناقش قضية العدالة والانصراف والتوزيع وغير ذلك، تحدث عن الإنسان بوصفه إنسانا مدنيا، واشكركم حيث كان يوجد الكثير ممكن ان نتفاعل معها ونمار نوعا من التناص ايضا لكن الكل كان يتجه نحو وجهة حقيقية وهو ان كورونا سوف تحدث منعطفا جديدا على مستوى منظومة القيم.

5) ايمان شمس الدين:

طبعا د إدريس الطرح الغربي يأتي في سياق حضارته، في سياق منظومه المعرفية، وفلسفته التي ينطلق منها، والغرب ينطلق من فلسفة مادية تعتمد مصادر المعرفة الحس والتجربة، وبالتالي كل البناء الفوقي الذي بناه من خلال القرون الماضية، لن يتخلف عنه حاليا، حتى مع أزمة كورونا، صحيح انه ينقض لكنه ينقض على طريقته المعرفية، ينقض على مبانيه المنهجية المادية، حتى عندما ينظر إلينا ما زال ينظر إلينا بفوقيك و عنصرية شديدة واقصائية، ينظر إلينا كعالم ثالث، وهو يشبه في بعض الفلاسفة الألمان، هو حينما يتحدث عن أوروبا المصرفية، يتحدث اننا أصبحنا في عالم ثالث، مع انه ما ظهرت من قضايا أخلاقية وهفوات أخلاقية، لم تعاني منها المجتمعات الإسلامية، ولا المجتمعات العربية، فقد ظهر التضامن والتداعي الاجتماعي والتكافل، هو الذي ظهر في المجتمعات وصرح كثير من الأجانب الموجودين مثلا في الكويت، رفضوا الذهاب إلى بريطانيا او العودة إلى أمريكا، ويوجد فيديوات موثقة لرفضهم العودة، بسبب ما شاهدوه من تضامن وتداعي في المجتمعات العربية، لا يمكن أن يشاهده في المجتمعات الغربية، فإن ما ذكره د. إدريس حول انهم متشائمون، انهم ليسوا متشائمين بقدر ما انهم متناسقون مع ثقافتهم الغربية، وفلسفته ومصادرهم المعرفية التي بنيت عليها فلسفتهم الغربية، في ابعدها المادية والنفعية الراسمالية ، فهم لن يخرجوا عن هذا السياق، حتى لو أصيبوا الان بصدمة معرفة، لكنها ستكون صدمة آنية، ويحتاجونها للتأمل، لدراسة الخلل وأعتقد انهم سيحتاجون إلى وقت طويل، لاستكشاف نقاط الضعف القوية التي اظهرتها كورونا في جسدهم الفلسفي.

5) الدكتورة ليلي شمس الدين:

اريد ان اربط  كلام ادغار مورا له كتاب تحدث فيه عن انسانية الإنسان، وتحدث في فضل خاص عن الهوية الإنسانية، واعتبر ادغار مورا ان الإنسانية تحتاج إلى تضامن إنساني حول مصير الكوكب المشترك، كيف سنترجم نحن هذه المقولة، نحن بحاجة إلى إيجاد مجتمعات او (عالم)، ربما عوالم تحدده وتسيره اخلاق معرفة انسانية، تسمع لنا بالتعامل مع انتماءاتنا على تناقضاتها، في هذا العالم المتشابك، في زمن الكورونا الذي أبرز وأظهر عادة في زمن الازمات تظهرالعيوب في الثقافات، والعيب في الأنفس، وهذا امر مسلم به.
اذا تتعرى العيوب في هذا الزمن، فهل سنتمكن نحن من إيجاد فهم جديد للذات، لاحتياجاتها، تقع المسؤولية برأيي على عاتق المنظرين  والعاملين والفاعلين في هذه المجتمعات وهذا العالم، لتحديد وابراز وتفعيل الهوية الجماعية الإنسانية، الممثلة بكامل انواع التنشئة الاجتماعية التي نعرفها والمرتبة ايضا بالنظام الإنسانية المتضاربة في هذا الزمن الذي نعيش، بالتالي نحن نعيش هجانة، بكل شيء، حتى.

هجانة في تحديد الهوية
الأمر يتعلق اذا بأنواع الهوية، ونتحدث اكثر عن الظروف الاجتماعية، والبيئة والاقتصادية والسياسية، والدينية على كل الأنشطة وعلى كل المستويات الثقافية، ولا استبعد الدينية وعن تداول المعلومات وكيفية تقديمها وفق قيم انسانية.
السؤال الابرز عن أي قيم سنتحدث؟ وعن اي قيم سنفعل؟ هل سنتمكن من ان نتكلم عن ثقافتنا، هويتنا، دورنا، هل سنتمكن  من تحديد هذه القيم وتعميمها ام سننسحب (وهنا تكمن الخطورة)  كما تجري العادة ؟

7) الدكتور خضر نبها

سؤالي هل نحن مسرورون بالذي يحدث بالغرب ام لا؟ ، بمعنى هل ان العالم العربي والعالم الاسلامي هو مسرور اليوم بأن اخلاق الغرب قد سقطت؟كنا نقرأ منذ الستينات” ارنولد تومبي” كتب عن سقوط الغرب ، منذ ستين سنه وكنا نقرا  عن سقوط الغرب اي منذ بداية الدعوة الاسلامية ، كان سقوط الغرب او انهيار الغرب ، او ان اخلاق الغرب قد سقطت  ، كننا ننتظره( اي سقوط الغرب) . انا اكره الغرب لا لانه انسان، اكرهه، اكرهه لانه محتل ، وهو سبب عوامل التخلف في بلادي، انا لست مسرورا بما يصيب الغرب من الام وجرحى ، هؤلاء بشر لايجوز، اخلاقي لاتسمح لي بان ارضى، هو انسان مثلنا ‘ نحن بشر ، فانا سررت عندما يُصفع ، فجاءت الصفعة من الله تعالى ، نحن العرب لانستطيع ان نصفع الغرب ، نحن ندفع اموالا للغرب . جاءت الصفعة من الله تعالى ، بهذا الفيروس الصغير ، اقول عسى ان الغرب يصطدم او يكون عنده صدمه ايجابية وعودة الى البعد الانساني .. عسى وربما ولست ادري . ولكن تبقى الجمهورية الاسلامية  هي النواة ، ربما لولايات اسلامية ، لايوجد عندنا ولايات متحدة امريكية ، فلتبدأ هذه النواة لولايات متحدة اسلامية، نحن الاخلاق عندنا ، مهما كنا متخلفين تبقى اخلاقنا اخلاق سامية متعالية ، وبالتالي اتمنى ان نخرج من هذه الازمة ، نحن العرب والمسلمين نعود الى ذواتنا من جديد.

وايضا الامام الخميني “رض” عندما سئل من قبل مجموعة من الشباب الايرانيون الذين كانوا يدرسون في اوربا ، ويقولون هؤلاء ناهبي ثرواتنا في عهد الشاه، فهل يحق لنا ان نعوض على تلبية حاجاتنا في عدم دفع الضرائب بطريقة او بطرق اخرى ، جاء استفتاء خطي كتبه الامام الخميني في تلك الفترة وقبل الانتصار منع فيه الامام هذا الامر وقال : لا هذا حرام . اذن هذه مبادئ لاتختلف باختلاف العلماء وباختلاف الاجيال ، هذه مبادئ دينية نؤمن بها ، واتصور بان هذه المبادئ متواجدة في كل الاديان وعند كل الذين يفكرون بنفس ديني عميق وتفكير الهي وشكرا.

9) الشيخ عبد المنعم الزين

المشكلة ليست في الاديان ، الاديان كلها اخلاق ، الاديان مملوءة بالتعاليم القيمة التي تحّول البشر الى انسان كامل بكل معنى الكلمة ، لكن المشكلة في التطبيق امس مثلا خادمة عندي في البيت صائمة وهي مسيحية، لما سألناها لماذا انت صائمة اليوم ، وان صومكم انتهى منذ شهر تقريبا ، قالت: سيادة البابا في روما طلب من جميع المسيحيين في العالم بان يصوموا يوم الخميس يوم امس تضامناً مع المسلمين ليدعوا الله تعالى ، في ليلة الواحد والعشرين وهي ليلة استشهاد الامام وليلة القدر للخلاص من مشكلة كورونا . انا تاثرت بهذا الموضوع جداً، واقول دائما ان المشكلة ليست في نصوص الديانات، المشكلة في فهمها وتطبيقها، كما قال امير المؤمنين(ع) ، عندما قال له الخوارج : لاحكم الالله ، قال : نعم لاحكم الا لله . هناك بشر يفهمون كلام الله ويديرون شؤون البشر لذلك انا اقول : نحن بحاجة بان نتعاون كلنا ، اذا صح التعبير علماء الدين في كل الاديان في تربية المجتمعات البشرية من جديد حتى تتماشى مع الاخلاق الالهية وشكراً.

شاهد أيضاً

الشيخ مازن حبال يلقي كلمته

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد استقبالًا لحجاج بيت الله …