كتب الصحافي علي ضاحي في جريدة الديار ليوم الجمعة 8 شباط 2019
عكست السجالات التي جرت في الايام الماضية وخصوصاً بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط وتيار المستقبل ورئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، صورة عما ستكون عليه المرحلة المقبلة ولا سيما في ادارة البلد وعبر مكونات السلطة الجديدة فيما كان لافتاً “الهدوء” على جبهة القوات والدكتور سمير جعجع بعد تبديل حقيبة الثقافة بحقيبة التنمية الادارية مع حركة امل بضغط من الحريري وباسيل في اللحظات الخيرة قبل اعلان التشكيلة الحكومية. ويؤكد قيادي في تحالف حركة امل وحزب الله ان المشاورات التي جرت في الايام الاخيرة قبل اعلان الولادة الحكومية اظهرت حجم الهوة بين المكونات الداخلية وخصوصاً من يعتبر نفسه “نصف مهزوم” في مقابل “نصف منتصر” وبينهما رئيس تيار كبير يتفاخر بتحقيق شروطه ومطالبه كلها على حساب الآخرين.
ويؤكد القيادي ان ارتفاع الصوت الجنبلاطي اخيراً في اتجاه الحريري يؤشر الى وجود ازمة كيانية يتعرض لها وجود البيت الجنبلاطي السياسي ولا سيما ان جنبلاط يعتبر ان ثنائية الحريري – باسيل ومشاركة الاخير في كل شاردة وواردة ضربت ميثاقية الطائفة وصلاحية رئيس الحكومة وجعلت من باسيل المؤلف الحقيقي للحكومة. ولكون الحريري يحتاج الى شريك مسيحي وماروني قوي وهذا الشريك يمتلك حضوراً رئاسياً وحزبياً ونيابياً ووزارياً واسعاً وشعبية ضخمة بالاضافة الى حاجته لـ”التعايش” مع حزب الله وسلاحه ودوره الاقليمي والدولي والمحلي والذي يصبح اكثر فأكثر “ناظماً داخلياً” بعد انتخاب عون وانجاز الانتخابات على قانون النسبية وتحقيق مطالب حلفائه، يعتقد الحريري وفق القيادي انه يحقق التماس مع الدروز من خلال علاقة قسم كبير منهم مع عون وباسيل و خصوصاً النائب طلال ارسلان وقسم كبير من الدروز ومشايخهم وفاعلياتهم وهو بالتالي لا يحتاج الى “الرافعة” التي كان يشكلها جنبلاط طيلة الاعوام السابقة. ويؤكد القيادي ان التيار الوطني الحر وبتحالفه الرئاسي والحكومي مع الحريري والحاجة المتبادلة للتنعم بالسلطة ومكتسباتها من تعيينات وتوظيفات ومراكز وزارية ومراكز نفوذ وخدمات للمناصرين والمحازبين ورجال الاعمال لكل طرف لا يحتاج الى شراكة جنبلاط الذي بات له شركاء كُثر داخل بيته الدرزي فاتى طلال ارسلان نائباً وكرس وجود شيخ عقل ثان ارسلاني الهوى وعوني التحالف كما اتى ابن اخيه وزيراً في عقر دار جنبلاط وفي ملف على تماس مع سوريا. وانتزع ملف المهجرين من درزي وتحت انظار جنبلاط الى شخصية مسيحية ومن التيار الوطني الحر وكل هذه الامور جرت بموافقة الحريري ومن دون مجاراة الاعتراضات والهواجس الجنلاطية.
ومع دخول رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط “التهدئة” بين جنبلاط والحريري ومن ثم تهدئة جبهة التيار الوطني والاشتراكي لا يعني ان الهواجس بددت وان الحكومة ستعمل براحة من دون تجاذبات ومناكفات.
ويشير القيادي الى ان التطورات بعد تشكيل الحكومة والتي تتسارع مع ضرورات الاسراع في لملمة الاوضاع الداخلية حكومياً وسياسياً ومالياً ومطلبياً تحتاج الامور الى “ناظم” داخلي على علاقة جيدة بكل الاطراف ويشكل وجوده “ضمانة” للجميع فالحريري وباسيل يجدان في وجود حزب الله ضمانة لتحقيق الاستقرار السياسي والحكومي المطلوب ولتلاقي الارادات وخصوصاً ان الاطراف الثلاثة اي حزب الله ومعه حركة امل بطجبيعة الحال بالاضافة الى عون وباسيل والحريري يريدون للحكومة ان تنجز وان تحقق تقدماً نوعياً في مجال الكهرباء والنفايات والنفط وان يكشف النقاب عن مواطن الهدر والفساد. وهذه العناوين الكبيرة لا تتحقق في وجود محاور واصطفافات داخل الحكومة تعرقلها وتكبلها وتجر احصنتها يميناً ويساراً.
فتحالف امل وحزب الله لا يسعى الى محاور واصطفافات جديدة ولا يغلب فريقاً على آخر وفق القيادي، لكن واقعية الامور وصعوبة الوضع الداخلي يحتمان على الثنائي الشيعي ان يخوض معركة كسر عظم حقيقة مع الفساد والافساد ومع التلزيمات والصفقات والسمسرات ويريد ايضاً ان يؤكد انه رأس حربة في مشروع الدولة والمؤسسات وهذا ما يلتقي به نظرياً مع الثنائي باسيل والحريري وبذلك يتم تشكيل جيهة ثلاثية او “ترويكا حكم” التقت بشكل غير مقصود او مفتعل على تحقيق انجازات كل طرف في حاجة اليها قدر حاجة الآخر. فباسيل يعتبر نفسه مع عون “ام الصبي وعائلته كلها” لكون العهد في سنته الثالثة وفي حاجة الى رافعة سياسية وشعبية وخدمات وحكومة وغيرها وايضاً يحتاج الحريري الى انجازات ومكتسبات تزخم اعادة تشكيل حزبه الشاب وازاحة الطاقم القديم. كما يريد حزب الله ان يؤكد للداخل والخارج ان مشروعه السياسي داخلي ولبناني ووطني كما اكد امينه العام السيد حسن نصرالله في إطلالته الملتفزة منذ ايام انه مع التهدئة الداخلية والحوار وان الحزب يعمل في الحكومة باجندة وطنية ولبنانية ويريد ان ينجز في الوزارات التي تسلمها وخصوصاً في وزارة الصحة وتشعباتها الحساسة والكثيرة.
ويؤكد القيادي اننا امام مشهد سياسي تحكمه الحاجة الى نمط سلطة جديد انقاذي وشفاف ومطلوب انجازات سريعة ووورشة عمل جماعية لانقاذ الوضع من الانهيار الاخير. ويقول القيادي ان في القنوات الداخلية للثنائي الشيعي لا وجود لنية او هدف لتأسيس جبهات او تكتلات جديدة على حساب الآخرين لانه لا يمكن عزل او تحجيم اي طرف ولكن الواقعية السياسية تقتضي ان تلتقي الاطراف على اهداف موحدة ومشتركة وقد لا يكون تلاقي الاجندات والمصالح في آن معاً مقصوداً بل مطلوباً بحكم الامر الواقع وبطبيعة الحال ستجري الامور على القطعة في الاتفاق والاختلاف وحسب اولوية الملفات وصعوبتها.