الإمام موسى الصدر… حكاية خالدة لا تنتهي
د. عباس خامه يار/ المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية في لبنان
تصادف الحادي والثلاثون من شهر آب عام 2019، الذكرى السنوية لاختطاف الإمام موسى الصدر ومرافقيه، الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.
رغم مرور أحد وأربعين عاماً على هذه الحادثة المؤلمة والجريمة الفادحة، إلا انّ الإمام الصدر ما زال حاضراً في الوجدان والعقل ومؤثراً بشكل لا يوصف في الشعب اللبناني وشعوب المنطقة قاطبة.
بناء على طلب بعض مراجع الدين، هاجر السيد موسى الصدر إلى لبنان عام 1960، وكان ان نزل على اللبنانيين كملاك رحمة للمحرومين والمظلومين وبالأخصّ الشيعة منهم.
في هذه الأرض شعّ نوره كالشمس مدافعاً عن حقوق المواطن، حيث أصبح ومن دون مبالغة من أحبّ الشخصيات الدينية والسياسية في العصر الحاضر في لبنان.
والأكثر غرابة في مسيرته هذه هي نظرته العميقة والغنية الثاقبة في بناء الوحدة الوطنية، ودوره الفاعل والفريد في مجال تفعيل الحوار والعيش المشترك بين متبعي الأديان والمذاهب المختلفة، وأيضاً دوره البنّاء في مجال الحوار السياسي في مجتمع يسوده التنوّع مثل لبنان، والأهمّ من ذلك معرفته للعدو الصهيوني واعتباره شراً مطلقاً و التعامل معه حرام .
أنّ نظرته الغنية الثاقبة هذه مبنية على أساس العلم والفكر والأخلاق والإنسانية وحبّ الاخر، حيث استطاع الإمام موسى الصدر بفأسه الساحر هدم حدود التعصّب الفولاذية بقوة وعزم وإصرار واستبدلها بحوار واسع الأفق، وذلك عن طريق لهجته الفارسية العذبة، ولم يعرف التعب أو التخاذل خلال مسيرته الطويلة والشائكة هذه، بسبب الفهم الصحيح والإدراك الصائب، للإسلام والإنسان.
استطاع السيد الإمام أن يستفيد ويستلهم من كلّ مركز ديني كالمسجد أو الحسينية أو الكنيسة، ومن كلّ دير ومعبد أو منعطف أو زقاق، وذلك من أجل تحقيق هدفه السامي المتمثل بالسير على طريق التوحيد واتباع الأخلاق السامية حيث استطاع أن يجمع المؤمنين مع اختلاف معتقداتهم ليعبدوا الله وحده لا شريك له .
في خلال لقائي في الأسبوع الماضي مع المطران عصام يوحنا درويش، مطران الروم الكاثوليك لمنطقة الفرزل وزحلة وبقاع لبنان، حيث ذهبت لزيارته والكنيسة والمجموعة الدينية والتاريخية لسيدة النجاة ، وقد رافقني المطران يوحنا درويش وشرح لي العبادات المذهبية والخدمات الاجتماعية لمجموعته، كان يعير أهمية للوثائق والصور المعروضة في المعرض الدائم هناك، حيث كانت تبيّن وتوضح المسيرة التاريخية لمئات السنين لهذه الكنيسة.
وخلال الزيارة، وجه المطران عنايتي نحو صورة تحكي زيارة السيد موسى الصدر في شهر تموز عام 1975 لهذه الكنيسة وحواره مع مطرانها يوحنا بسول، آنذاك وكان مفتخراً بهذه الزيارة حيث اعتبرها مرحلة تاريخية مهمة للكنيسة، حينها أدركت انّ في كلّ قطعة ومكان أطأ قدمي على هذه الأرض، تتجلى أمامي مشاهد رائعة تحكي عن سعي وصبر ومجاهدة وتحمّل الصعاب لهذا الإنسان العظيم والعبد الصالح، وهذه الحكاية، حكاية لا تنتهي بل هي خالدة وأبدية.
لم يكن أحد يرى لهذه الشخصية حدوداً، حيث لم يكن هناك حدود بينه والآخرين، فلا حدود جغرافية ولا مذهبية ولا لغوية أو عرقية، انه الإمام الصدر كان يمثل جزءاً مهما من تاريخ الشيعة والسنة والمسيحية وبقية الطوائف الثمانية عشر في لبنان، فهو جزء من تاريخ هذا البلد المعاصر، المؤثر على تاريخ المشرق.
وبالتأكيد فإنّ سردَ التاريخ المعاصر للبنان بدون الإمام سيكون ناقصاً ..
وتبقى نقطة مهمة يجب الإشارة اليها وهي أنّ التحقيق والبحث حول المراتب العلمية والمعرفية لهذا العالم الجليل، الذي قلّ مثيله في المسيرة العلمية، وبالخصوص، التحقيق حول خطاه الإبداعية في مجال العلوم الانسانية والإسلامية، يحتاج إلى وقت وفرصة أخرى يطول الكلام فيها.
وتبقى ذكراه عطرة وبأمل حريته قريباً …
ان شاء الله…