الشيخ عمر الفاكهاني
الشيخ عمر الفاكهاني

الأصدقاء الأعداء

الأصدقاء الأعداء

الشيخ عمر الفاكهاني/ مدير أكاديمية المنهاج للدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أمر بموالاة المؤمنين ونهى عن موالاة الكافرين والمنافقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾، وقال سبحانه في موضع آخر: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، حديث صحيح.

إن الصديق الصادق مرآة أخيه، يعينه على الطاعة، ويأخذ بيده إلى الجنة، أما الصديق ظاهرا العدوّ باطنا فهو الذي يتظاهر بالمحبة والمودة، ويضمر الحقد أو يجرّ صاحبه إلى المعصية، قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾. فشتّان بين خليلٍ صالح يذكّرك بالله، وخليل سوء يصدّك عن سبيل الله.

ولو تأملنا حياة الناس، لوجدنا أن كثيرا ممن ضلّ إنما ضلّ بسبب قرين سوء وصاحب فتنة. فهذا قابيل أطاع عدوَّه إبليس وحسد أخاه حتى سفك دمه، فكان أول من سنّ القتل.
وذاك فرعون كان يزيّن له الشيطان سوء عمله حتى أهلكه الله.
وعلى الجانب الآخر، نرى في قصص الأنبياء أثر الصاحب الصالح، فهذا موسى عليه السلام قال: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي﴾، فاتخذه الله له سندًا ومعينًا.

وقد حذّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جليس السوء، وضرب لذلك مثلا بليغًا فقال: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة).

إن من أعظم البلاء أن يتخذ المرء عدوه صديقًا، يبتسم له في وجهه وهو يطعنه من خلفه، يزيّن له الباطل، ويهون عليه المعصية، حتى يقوده إلى الهلاك. وقد أخبر الله عن حال أهل النار أنهم يعضّون أصابع الندم بسبب خلان السوء، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾.
والصداقة إما أن تكون: صداقة في الله: وهي التي يكون أساسها الدين، يعينك على الطاعة ويبعدك عن المعصية، وهي أبقى وأطهر. أو صداقة في الدنيا: أساسها المنفعة الدنيوية وهي زائلة بزوال الدنيا ومتاعها. وإما صداقة عداوة: ظاهرها الودّ وباطنها الضرر.

ومن صور “الأصدقاء الأعداء” ما نراه اليوم من جلساء السوء الذين يجرّون شباب الأمة إلى المخدرات، أو يسحبونهم إلى إضاعة الصلاة وترك الطاعات، أو يفتحون لهم أبواب الكذب والخيانة، ويزينون لهم مشاهدة المحرمات وسماع الفواحش. هؤلاء في ظاهرهم أصدقاء، لكنهم في حقيقتهم أعداء يوردون رفاقهم موارد الهلاك.

ولقد كان السلف الصالح رحمهم الله يتخيرون الأصحاب كما يتخير المرء طعامه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء.

فالصديق الصالح كنز من كنوز الدنيا والآخرة، والصديق العدوّ سمّ قاتل يتغلغل في الروح، ولذا قالوا: إياك ومخالطة من لا يخاف الله.

وإذا كان الصبر يورث الجنة، فإن حسن اختيار الصحبة يعين على الصبر، بل ويثبّت صاحبه على الحق حتى يرحل عن الدنيا، فالمؤمن قليل بنفسه، كثير بإخوانه.

فالمسلم الفطن هو الذي يتأمل فيمن حوله، ويزينهم بميزان الشرع، فإن وجد فيهم من يذكّره بالله ويقوده إلى الجنة فليتمسك به، وإن وجد من يصده عن سبيل الله، فليعلم أنه عدو في لباس صديق، وليفرّ منه فراره من الأسد.

نسأل الله أن يرزقنا صحبة الأخيار، وأن يكفينا شر الأشرار، وأن يجعلنا من الذين قال فيهم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾.

شاهد أيضاً

النبي محمد والامام علي وتجليات الحكمة الالهية

المثلث المحمدي–العلوي–الإلهي

المثلث المحمدي–العلوي–الإلهي علي ضاحي- خاص takarir.net تنويه: هذه السلسلة من النصوص حول الفلسفة وعدة ابعاد …