أنزاك إله الكتابة الدلموني
* محمد عبدالله السعيد
أنزاك إله الكتابة الدلموني وكوكبه عطارد، و عند المسلمين إذا كانت الشمس بمثابة الملك فبقية الكواكب وزراء و عطارد وزير الكتابة أو الإعلام بالمصطلح الحديث.
وجاءت هذه الرؤية الفلكية السياسية من صابئة حران الذين أخذوها من حضارة وادي الرافدين ، أسَّس الكتّاب حضارة وادي الرافدين ثم حكموها عندما صار اله الكتابة تحت اسم نابو كبير آلهتها و الذي يعيد كتابة الكون كل عام بعد أن يتخلص من تهديد فنائه ، ذلك كان في الحضارة البابلية .
و عندنا في الخليج معبدان لإله الكتابة تحت اسم أنزاك الأول في البحرين و قد حوّلوه إلى برج اتصالات ، و الثاني في جزيرة فيلجة و قد حولوه إلى متحف للغباء الكويتي.
و من باب فخرنا بوجود قطعة مهمة من التاريخ الإنساني على أرضنا و هي معبد لإله الكتابة أسمينا ملتقانا باسمه محاولين لفت نظر المسؤولين إلى أن الاهتمام بالكتابة يعني الاهتمام بتاريخها الأقدم في المكان. لكن ماذا نفعل .. فالتركيز قائم على أين أقامت العربان و أين خرت و بالت ..
انسجاما مع هوية الملتقى لابد و أن يكون للمرحوم مكانة عنده
فالمرحوم قبل كل شيء امتداد لأولئك الذين كان عطارد كوكبهم ..
…
طيور بيضاء في السماء الزرقاء
رحل إسماعيل إلى عالم الأموات
ماذا يجري في عالم الأموات ؟
يقول اللوح الثاني من ملحمة هو الذي رأى : أن جلجاميش استدعى انكيدو من عالم الأموات حيث تحكم أريشيكيكال بنت القمر .
تعانقا و قبّل كل منهما الآخر ،
ثم أخذا يتحدثان و يتحاوران :
(أخبرني أيها الصديق ، ألا أخبرني أيها الصديق ،
حدّثني عن مسالك العالم الذي شهدت) .
(لن أخبرك أيها الصديق ، لن أخبرك .
فإذا كان عليّ أن أخبرك بمسالك العالم الذي شهدت .
اجلس (أولا) و ابك) .
(سأجلس و أبكي) .
(إن جسمي الذي لمسته و قلبك مبتهج ،
تنهشه الحشرات كخرقة بالية .
إن جسمي الذي لمسته و قلبك مبتهج .
(جثّة) مليئة بالتراب .
فصرخ يا ويلتاه ، و رمى نفسه في التراب .
صرخ جلجاميش يا ويلتاه و رمى نفسه في التراب
(هل رأيت الذي لم ينجب أولاداً) ؟
(و الذي ليس له سوى ابن واحد) هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه يبكي بمرارة أمام مسمار مثبت على جدار
(الذي كان له ابنان ، هل رأيته ؟)
نعم رأيته
انه يأكل و هو جالس على آجرتين في وضعية القرفصاء
الذي كان له ثلاثة أبناء ، هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه يشرب الماء من قربةٍ كالتي تُحمل في الصحراء
الذي كان له أربعة أبناء ، هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه في سعادة تماثل سعادة مالك (نيرٍ) يشدّه أربعة حمير
الذي له خمسة أبناء ، هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه مثل كاتب ماهر ، لا ينقصه العمل ، يدخل القصر كما يشاء
الذي كان له ستة أبناء هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه سعيد مثل فلاّح
الذي له سبعة أبناء ، هل رأيته ؟
نعم رأيته
انه جالس في حضرة الآلهة يستمع إلى الموسيقى
….
يقول الفيلسوف الألماني شوبهور : ترى إرادة الحياة ذاتها في الموسيقى فتستغني عما حولها و تصعد في المدارج الروحانية ، فما هي إرادة الحياة التي يراها المرحوم في الموسيقى و بالتحديد ما هو الموقع الموضوعي لأبوة إسماعيل ؟
بالنسبة للجيل الذي ولد في الخمسينات و أنا منهم تمثّل رواية كانت السماء زرقاء لنا بشارة بأسلوب التداعي و العالم الداخلي ، و أن السرد ممكن أن يكون ذهاباً و إياباً ما بين الداخل و الخارج ، فتحررت لغتنا بهذا أرسى المرحوم الكوجيتو في الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل أبو الحداثة في الرواية الكويتية و ليس أبو الرواية الكويتية لأنها بدأت قبله .
و مضينا ممتطين جياد الحداثة فانفتحت لنا أرياف و قرى و حضارات و كتب و قراءات ، و في ذلك اليوم اكتشفت أن أسلوب التداعي يعود في جذوره إلى نصوص الدين الناصورائي أو المندائي في تسمية متأخرة
و هو أول دين توحيدي في المنطقة و هو دين يعتمد على النبوة الداخلية ، فالأرواح بحد ذاتها أنبياء للأجساد و للعالم ، بعثها الحي العظيم لإصلاح الخطأ في الكون و إقامة العدالة
كنت على وشك مقابلته لأطرح عليه الموضوع فأنا أعرف سعادته بطرح الأمور الروحية معي ، لكنه رحل و لم يحدث اللقاء .
إننا مدينون لإسماعيل بتحرر لغتنا و سنظل مدينين بهذا و سنظل ندفع القرابين على شكل مجلسنا هذا و كل التأبينات السالفة و القادمة
جاء في الأسطورة السومرية أن استمرارية دفع القرابين ما بين الأبناء و الآباء تجعل الآباء يتجلون بشخوصهم للأبناء أو على شكل كائنات نورانية لطيفة ..
نختم هذه الورقة بقصيدة العارف جلال الدين الرومي :
متّ من عالم الجماد ، و بهذا الموت دخلت في عالم النبات ، و قد صرت نامياً بعدما كنت جامداً ، ثم متّ ثانياً ، من عالم النبات فدخلت عالماً حاز أكثر من الحياة ، ثم متّ ثالثاً من عالم الحيوان و صرت آدم كامل الحياة ..
فلماذا أخاف من الموت ؟ و أيّ نقص وجدت منه ؟
ثم إني لست واقفاً في مقامي هذا وحدي ، بل أطير و أرقى بموتي من البشر ..
بجناح الروح أطير ، في الملكوت مع الملك ، ثم أموت خامساً من الملكوت و الملك فأًصير شيئا فوق التصور و الخيال ..
فإذا فنيت يقول لي العدم كالأرغون .. إنا إلى الله.. راجعون ..
* مفكر كويتي مؤسس ومدير ورشة السهروردي الفلسفية في الكويت