محمد صالح صرخوه/ كاتب وشاعر كويتي
محمد صالح صرخوه/ كاتب وشاعر كويتي

أرواحيات (الأرض المحرّمة : اكذب و اكذب فلابد أن يصدّقك أحدهم)!

أرواحيات (الأرض المحرّمة : اكذب و اكذب فلابد أن يصدّقك أحدهم)!

محمد صالح صرخوه/ كاتب و شاعر كويتي

21 يونيو 2020 . 6.45ص

كنت أشاهد مسلسلا على يوتيوب يحكي قصة عاطفية . شدّتني عبارة قالتها بطلة القصة عن زوجها حين وصفته بأنّه (حبّ حياتها) كما وصفت زوجها السابق (بحبّها الأول) .

8.30ص

شدّتني عبارة قالتها إحدى شخصيات المسلسل . حيث قال الرجل لزوجته الشابة (سنشيخ معا و نهرم معا و تبيضّ رؤوسنا و نموت معا أيضاً) .

13 مارس 2018م . 4.15م

تذكّرت أحد الأقرباء حينما أراد التحدث عن حياة أخيه قائلا (من المعروف آنّ الذكي في حياته العلميّة . غبيّ في حياته العمليّة) .

1 يناير 2019 . 4م

قال أحد جيراننا بعد سماعه خبر وفاة والدي (الطيبين يموتون بسرعة . و سبحان الله . عيال الكلب و الحرامية اللي تبيهم يموتون ما يموتون و لا يصير فيهم شي)

تحليل

يغصّ الإعلام الموجّه بكومة أفكار لا دليل عليها و لا براهين .. ثمة صناعة لعقائد المجتمعات ، تبدأ بإلقاء فكرة ما في سيناريو مسلسلٍ ما على شكل جملة شعرية ، أو على أقل تقدير .. جملة عاطفية غير اعتيادية .. تمرّ هذه الجملة المفخخة بالفكرة الملفّقة عبر سياق القصّة إلى ذهن المتلقّي .. و يقوم بدوره بهضمها دون تحديدها بين غمّازتين ، إذ يميل الناس غالبا لاستحسان مثل هذه العبارات ، دون استجوابها على منصة العقل البرهاني ..

تتكرر مثل هذه الجمل في مواد مختلفة .. يوحي تكرارها بشيء من جدّيتها ، و هذا ما يجعل المتلقّي ميّالا لتصديقها كما لو كانت حقيقة واضحة ..

يتبنّى المتلقّي هذه الفكرة غير المبرهنة ، و يقوم باستخدامها بدوره في كلامه كما لو كانت حقيقة مطلقة ، و هذا ما يفسر انتشار هذا الكم الهائل من الأفكار الملفّقة غير المبرهنة في أذهان الناس ..

و لعلّ الطريقة المثلى للتعامل الشخصي مع مثل هذه الأفكار هو ختمها بعلامة الاستفهام قبل تبنّيها ..

فما معنى (حبّ حياتي) ؟
و هل ثمة ما يثبت أن تجربة الحب تنبزغ في قلب الانسان لمرة واحدة في العمر فقط ؟!

و ما صحة و دقّة تصنيف الحب وفقاً لترتيبه الزّمني ..كأن نقول (حبّي الأول) ؟

أليس في العبارتين تناقض واضح و مخالفة منطقية ؟ إذ تؤكد (حبّ حياتي على عدم إمكانية تكرار تجربة الحب) في حين تؤكد (حبّي الأول) على امكانية تعدده !

و إن كانت البيولوجيا تؤكّد عدم وجود جينٍ للشيخوخة ، و انما هي مجرد ظروف سلبية تطرأ على آلية العمل الحيوية في الجسد البشري مما يصيبها بالتلف المتمظهر على شكل تجاعيد و هالات .. فعلى أيّ أساسٍ قيل (سنكبر و نشيخ معا و تشيب رؤوسنا و نموت معا أيضا) ؟

و ما الإثبات على أن كل البشر يمرّون بهذا الزقاق ، أليس ثمة من يموت في ريعان شبابه ؟

هل يمكن أن نضمن نفس التغيرات و نفس آثار التلف و الهرم و الشيخوخة على اثنين من نفس العمر يتم اختيارهما من عينات مجتمعية عشوائية ؟

و ما الدليل على أن الناجح في حياته العلمية هو فاشل في حياته العملية ؟

و هل يفرّق الموت بين رجل طيّب و آخر (حرامي) ؟!

أم أنّ كل ذلك يتحقق ، فقط لأن الناس أرادوه ! ..

تتم صنع سلة من الأوهام لتُحشى بكل ما يراد له الإنتشار في أوساط الناس . هكذا تُصنع المعتقدات و لهذا القصد يُصنع النجوم و المشاهير . فما يقوله أحدهم يتحوّل إلى حقيقة ..

تماما كعبارة (الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر) و التي أٌثبت كذبها لمرّتين في العامين 2000م و 2006م ..

يتبنّى غاسلوا الأدمغة هنا تقنيّة (اكذب و اكذب و اكذب فلابد أن يصدّقك أحدهم) . إذ تقوم دُماهم بنشر أطنان من الأكاذيب حول جهة ما مع التراكم الزمني . إلى أن يصدّق الجمهور . فغالب الجماهير التي لا تعتدّ بمقدار مافي الأفكار العابرة من حقيقة تعتمد الظاهر الإحصائي فيها . فترجّح احتمالية وجود 20% من الحقيقة في هذه الأفكار على الأقل (دون برهان) . و تردد عبارة (من غير المعقول أن تكون كل هذه الأفكار مكذوبة) .. و الحال ، أن لا مانع في معايير المعقولية من أن تكون كلّ هذه الأفكار مكذوبة ! كما أن لا دليل على أن مقدار الصّحة في هذه الأكاذيب هو 20% ! كما أن لا مبرر لتمرير ما يذاع على الشاشات كلّه باعتباره حقيقة مطلقة.

شاهد أيضاً

القادة الكشفيون خلال اللقاء

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع”

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع” لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس جمعية كشافة المشاريع نظمت المفوضية …